
رحيل "المطران مار أفرام" أيقونة كنيسة المشرق في الهند عن عمر ناهز 85 عامًا
محرر الأقباط متحدون
الثلاثاء ٨ يوليو ٢٠٢٥
محرر الأقباط متحدون
رقد في الرب صباح اليوم الإثنين 7 يوليو 2025 نيافة المطرافوليط مار أفرام، مطرافوليط كنيسة المشرق في الهند، أحد أبرز أعلام كنيسة المشرق في العصر الحديث: لاهوتي، مؤرخ، فكاهي، ومبشّر بالرجاء، عن عمر يناهز الخامسة والثمانين، وذلك بعد صراع مع المرض أثناء تلقيه العلاج في أحد المستشفيات الخاصة بمدينة ثريسور بولاية كيرالا، جنوب الهند.
ويمثّل رحيله ختام مرحلة غنية بالعطاء الكنسي والفكري والإنساني، امتدت لأكثر من خمسة عقود خدم خلالها الكنيسة والمجتمع، وأثرى الحياة الروحية والثقافية بعقله المتوقد وقلبه المملوء بالمحبة.
النشأة وبداية دعوته الكهنوتية
وُلد نيافته باسم جورج ديفيس موكن في 13 يونيو 1940 في مدينة ثريسور، وكان الابن الرابع بين عشرة أبناء في عائلة مسيحية متدينة، رغم خلو العائلة من الكهنة في الأجيال السابقة. أبدى منذ طفولته شغفًا بالكنيسة، وبرز في مدارس الأحد، ما جعل دعوته الكهنوتية تنمو باكرًا.
تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة بيث إيل، ثم التحق بمدرسة الأبرشية الإنجيلية، ومنها انتقل إلى المدرسة الكلدانية السريانية عام 1949، ثم إلى كلية القديس توما في ثريسور عام 1955، حيث أنهى المرحلة الجامعية الأولى في إطار برنامج جامعة مدراس.
في عام 1957، التحق بكلية ليونارد اللاهوتية في جابلبور، ولاية ماديا براديش، حيث تألق في الخطابة والمناظرات، وفاز بجائزة "ذكرى رئيس وزراء الولاية". وفي سن الحادية والعشرين، حصل على منحة من مجلس الكنائس العالمي، فسافر إلى إنجلترا لمتابعة دراسته العليا في كلية القديس بونيفاس، وارمينستر، التابعة لجامعة لندن.
كما تابع دراسات قصيرة في كلية القديس أوغسطين، كانتربري، والمعهد المسكوني في بوسي – سويسرا، عام 1962. حصل لاحقًا على درجتي ماجستير في تاريخ الكنيسة من الكلية اللاهوتية المتحدة في بنغالور (1966)، ومن الكلية اللاهوتية المتحدة في نيويورك (1967).
الرسامة الأسقفية والخدمة
سيم شماسًا في 25 يونيو 1961، وكاهنًا في يوم ميلاده الخامس والعشرين في 13 يونيو 1965. وفي 21 سبتمبر 1968، تمت سيامته أسقفًا على يد مار توما دارمو في كاتدرائية مار زايا، في بغداد، العراق. وبعد ثمانية أيام فقط، نُصّب مطرافوليطًا على كنيسة المشرق في الهند، حيث خدم دون انقطاع حتى رقاده.
الإسهامات الأكاديمية والعلمية
أكمل دراسته للدكتوراه في اللاهوت من جامعة سيرامبور عام 1976. كما انكبّ على البحث العلمي لمدة خمس سنوات في عدد من المكتبات والجامعات الكبرى: مكتبة قصر لامبث، والمكتبة البريطانية، والمعهد الشرقي بروما، وجامعة هارفارد، حيث أنجز أطروحته لنيل درجة الدكتوراه في الفلسفة (Ph.D.) من جامعة المهاتما غاندي، كوتايم، التي منحته الدرجة رسميًا عام 2002.
شارك بفعالية في مؤتمرات المعهد السرياني المسكوني للبحث اللاهوتي – SEERI، وساهم في تعزيز التعاون بين باحثي كنيسة المشرق والمعهد، كما شجّع طلابًا من كنيسته على متابعة السريانية'> الدراسات السريانية العليا هناك.
مؤلفات أدبية وفكرية
ألف 68 كتابًا بالإنجليزية وبعضها بالمالايالامية، شملت السير الذاتية، التاريخ الكنسي، أدب الرحلات، والفكاهة الكنسية، وكان من روّاد هذا النوع من الكتابة بين رجال الدين، فاشتهر بسلسلة كتب:
نُكتة الأسقف (Bishop’s Jokes)
اضحك مع الأسقف (Laugh with the Bishop)
الضحك شفاء (Laugh to Health)
فكاهة مقدسة (Holy Humour)
فرح للعالم (Joy to the World)
ابتسامة مقدسة (Holy Smile)
ليست مضحكة تمامًا (Not So Funny) – 2004
وقد تُرجمت كتبه إلى الروسية، والعربية، والآشورية، ونُشرت في موسكو، العراق، شيكاغو، وكندا. كما نُشرت بعض نكاته باللغة المالايالامية تحت عناوين مثل أمثال مار أفرام.
ترانيم وخدمة روحية
كتب مار أفرام عشرات الترانيم الروحية التي بثّتها إذاعة عموم الهند، أشهرها ترنيمة: "هوذا صليب الجلجثة" التي تُرجمت إلى 50 لغة هندية و50 لغة أجنبية. وأصدر عام 2007 ألبومًا روحيًا بعنوان "آلاها" (الله) ضم 16 ترنيمة من تأليفه.
نشاطه المسكوني والاجتماعي
كان نيافته أحد أبرز رجال الحوار اللاهوتي في الشرق، فشارك في تأسيس اللجنة اللاهوتية المشتركة بين كنيسة المشرق والفاتيكان، وكان الرئيس المشارك فيها، وتناولوا قضايا الليتورجيا والأسرار.
كما نشط في مؤسسة Pro Oriente في فيينا، وألقى فيها عام 1990 ورقة علمية بعنوان "هل كان نسطور نسطوريًا؟"، والتي أصبحت مرجعًا في تأسيس "اللجنة السريانية" للمؤسسة عام 1994.
على الصعيد الاجتماعي، أسّس عام 1980 مركز مار تيموثاوس الفني للتدريب المهني في ثريسور، لتأهيل الشباب من دون تمييز ديني أو اجتماعي، بتمويل من مجلس الكنائس العالمي عبر منظمة CASA في دلهي.
جوائز وتكريمات
نال نيافته جوائز عديدة تقديرًا لإسهاماته، منها:
وسام الاستحقاق من المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي – فينيسيا
جائزة الأدب من نادي الروتاري في ثريسور (1990)
جائزة رجل الإنجاز من المركز البيوغرافي الدولي – كامبريدج (1984)
جائزة ويليام كاري للأدب المسيحي
جائزة أفضل شخصية مسكونية من مجموعة ثريسور المسكونية (2002)
وقد وردت سيرته الذاتية في مراجع موسوعية عالمية مثل:
International Who’s Who of Intellectuals، Men of Achievement، Reference Asia، Biography International، وغيرها.
الوداع الأخير
برقاد نيافة المطرافوليط مار أفرام، تخسر كنيسة المشرق في الهند هامة روحية وفكرية فريدة، ورمزًا جمع بين العلم والتقوى، بين الإيمان والفكاهة، وبين التراث والانفتاح المسكوني.
لكن إرثه، في كتبه، وألحانه، وتلاميذه، ومحبيه، سيبقى شاهدًا حيًا على أن خدمة الكلمة لا تموت، وأن فرح الإنجيل يمكن أن يُعلَن أيضًا بابتسامة.