الأقباط متحدون - د.محمد السماك: تفجير كنيسة مار الياس بدمشق اعتداء على الكنيسة وأهلها وعلى الاسلام وأهله أيضا
  • ١٨:٢٤
  • السبت , ٢٨ يونيو ٢٠٢٥
English version

د.محمد السماك: تفجير كنيسة مار الياس بدمشق اعتداء على الكنيسة وأهلها وعلى الاسلام وأهله أيضا

محرر الأقباط متحدون

تويتات فيسبوكية

٤٧: ١١ ص +03:00 EEST

السبت ٢٨ يونيو ٢٠٢٥

كتب - محرر الاقباط متحدون 
نشر مجلس كنائس الشرق الأوسط عبر صفحته الرسمية مقالًا  بعنوان "معنى الاعتداء على كنيسة مار الياس في دمشق" بقلم الدكتور المفكر محمد السماك، وجاء بنصه : 

تطرح جريمة التفجير التي استهدفت كنيسة مار الياس في دمشق سؤالاً حول موقف الاسلام من المسيحية ، وموقفه من الكنيسة وأهلها ، وموقفه من الجريمة التي تعرضت لها .

فالمسيحية هي : المسيح وأمه مريم . وهي الانجيل والرهبان والكنيسة . فما هي المواقف الاسلامية من هذه القواعد الكليّة .

أولاً : بالنسبة للمسيح :
يصفه القرآن الكريم بأنه "كلمةً منه" . ويقول عن انه : "وجيه في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين" . ويقول عنه أيضاً انه : "يكلّم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين" .

ويقول كذلك في القرآن الكريم : " وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات وأيّدناه بروح القدس" ، في ثلاث مواضع من القرآن الكريم . ولقد ورد التأييد بروح القدس في ثلاث مواضع من القرآن الكريم .

ثانياً : بالنسبة للسيدة مريم أمّ المسيح :
يذكر القرآن الكريم على لسان الملائكة قولهم :" يا مريم إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين " ، وهذا نصّ بالتطهير والاصطفاء خصّ به الله السيدة مريم على نساء العالمين جميعاً ودون استثناء . ويقول القرآن الكريم عنها أيضاً :" ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ".
يصف الاسلام في القرآن الكريم الانجيل بأن فيه "هدى ونور" . ويدعو المسيحيين الى ان "يحكموا بما أنزل الله فيه" –أي في الانجيل .

وعندما يتحدث القرآن عن المسيحيين يصفهم بأنهم " أقرب مودّة للذين آمنوا "(من المسلمين) ، ويفسّر ذلك بأن فيهم "قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون". وهو الوصف القرآني الدقيق لرجال الكنيسة .

استكمالاً لهذه التوصية القرآنية ، جاء في الوثيقة النبوية الى مسيحيي نجران التي صدرت عن النبي محمد عليه السلام ، قوله عن المسيحيين في تلك الوثيقة : -

" ولهم ان احتاجوا في مرمة (ترميم أو بناء) ببيعهم وصوامعهم أو شيء من مصالح أمورهم ودينهم الى رفد (مساعدة) من المسلمين وتقوية لهم على مرمتها أن يرفدوا على ذلك ويعاونوا . ولا يكون ذلك ديْناً عليهم ، بل تقوية لهم على مصلحة دينهم ووفاءً بعهد رسول الله وهبة لهم ومنّة لله ورسوله عليهم ".

وواضح من هذا النصّ النبوي الشريف دعوة رسول الله المسلمين الى مساعدة المسيحيين على بناء أو ترميم كنائسهم . وليس الاعتداء عليها ، كما حدث في دمشق !!.
ويذهب الاسلام الى أبعد من ذلك . ففي الوثيقة النبوية التي أُُرسلت الى دير سانت كاترين في سيناء يقول رسول الله صلى الله عليهم وسلم في رسالته :-

"ووالله لأمنع كل ما لا يرضيهم . فلا إكراه عليهم ولا يُزال قضاتهم من مناصبهم ولا رهبانهم من أديرتهم . لا يحق لأحد هدم دور عبادتهم ، ولا الإضرار بها ولا أخذ شيء منه الى بيوت المسلمين . فإذا صنع أحد غير ذلك فهو يفسد عهد الله ويعصي رسوله "

" وللحق إنهم في حلفي ولهم عهد عندي أن لا يجدوا ما يكرهون .. لا يجبرهم أحد على الهجرة ولا يضطرهم أحد للقتال بل يقاتل المسلمون عنهم ".

وهنا لا بد من الإشارة الى أن هذه الرسالة النبوية في هذا المضمون الواضح والمباشر حدث في الوقت الذي وجّه فيه النبي عليه السلام رسائل الى قادة دول ومجتمعات المنطقة يدعوهم فيها الى الاسلام . وقد استثنى من الدعوة دير سانت كاترين ، وذهب في هذا الاستثناء الى عرض حمايته على الدير وأهله جميعاً ، إذا تطلّب الأمر ذلك .

وهذه الرسالة احتفظ بها الدير حتى العهد العثماني ، إذ حملها السلطان العثماني الى اسطنبول حيث لا تزال محفوظة هناك حتى اليوم ، وهي بنصّ نبوي وبخط يد الإمام علي .

في ضوء هذه الخلفيات الدينية ، صدر عن الأزهر الشريف في القاهرة (4 ديسمبر2014) بيان يقول :-

" إنَّ كلَّ الفِرَقِ والجماعاتِ المُسلَّحةِ و”المليشيات” الطائفيَّةِ التي استعملت العنفَ والإرهابَ في وجه أبناء الأمةِ رافعة – زورًا وبهتانًا – راياتٍ دينيةً، هي جماعاتٌ آثمةٌ فكرًا وعاصيةٌ سلوكًا، وليست من الإسلامِ الصحيحِ في شيءٍ، إنَّ ترويعَ الآمِنين، وقتلَ الأبرياءِ، والاعتداءَ على الأعراضِ والأموالِ، وانتهاكَ المقدَّساتِ الدينيةِ – هي جرائمُ ضد الإنسانيَّةِ يُدِينها الإسلامُ شكلًا وموضوعًا، وكذلك فإنَّ استهدافَ الأوطانِ بالتقسيمِ والدولِ الوطنيةِ بالتفتيتِ، يُقدِّم للعالم صورةً مشوهةً كريهةً من الإسلام. 

من أجلِ ذلك فإنَّ هذه الجرائمَ لا تتعارَضُ مع صحيحِ الدِّين فحسب، ولكنَّها تُسيء إلى الدِّين الذي هو دين السلام والوحدة، ودِين العدل والإحسان والأُخوةِ الإنسانيةِ. "
وجاء في البيان – الوثيقة أيضاً :

" التأكيدُ على أنَّ المسلمين والمسيحيين في الشرقِ هم إخوةٌ، ينتمون معًا إلى حضارةٍ واحدةٍ وأمةٍ واحدةٍ، عاشوا معًا على مدى قُرون عديدة، وهم عازِمون على مُواصلةِ العيشِ معًا في دولٍ وطنيةٍ سيِّدةٍ حُرةٍ، تُحقِّقُ المساواةَ بين المواطنين جميعًا، وتحترمُ الحريَّات. إنَّ تعدُّدَ الأديانِ والمذاهب ليس ظاهرة طارئة في تاريخنا المشترك؛ فقد كان هذا التعدد وسيبقى مصدرَ غنى لهم وللعالم، يَشهدُ على ذلك التاريخ. 

إنَّ علاقاتِ المسلمين مع المسيحيين هي علاقاتٌ تاريخيَّةٌ، وتجربةُ عيشٍ مُشتَرك ومُثمِر، ولدينا تجاربُ يُحتَذى بها في مصرَ وفي العديد من الدول العربية الأخرى جرَى تطويرُها باتجاه المواطنة الكاملة حقوقًا وواجبات، ومن هنا فإنَّ التعرُّضَ للمسيحيين ولأهل الأديان والعقائد الأخرى باصطناع أسابٍ دِينيَّةٍ هو خُروجٌ على صحيحِ الدِّينِ وتوجيهاتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتنكرٌ لحقوقِ الوطنِ والمواطن ".

وفي هذا الإطار الإيماني تضمّنت وثيقة المقاصد الاسلامية (22 حزيران 2015) نصّاً يقول :-
"إن انتهاك حقوق الجماعات المسيحية في ممارسة حرياتها الدينية وفي إعلاء رعاية شؤون كنائسها وأديرتها ومؤسساتها التعليمية والاجتماعية، هو انتهاك لحقوق الانسان، وانتهاك لحقوق المواطنة . وفوق ذلك هو انتهاك لتعاليم الاسلام الذي تُرتكب هذه الانتهاكات باسمه."

" إن ثقافتنا الإيمانية تدعونا إلى نبذ الإكراه والى احترام حرية الضمير والى تقبل الاختلافات بين الناس على أنها تعبير عن الإرادة الإلهية.. فللّه وحده سبحانه وتعالى، سلطة الحكم على ما في قلوب الناس وعلى ما كانوا فيه يختلفون. " .

في ضوء هذه النصوص الدينية الواضحة والمباشرة ، تبدو جريمة الاعتداء على كنيسة مار الياس في دمشق ليس اعتداءً على الكنيسة وأهلها فقط ، بل هو اعتداء على الاسلام وأهله أيضاً.