الأقباط متحدون - دير سانت كاترين‮.. ‬القداسة والسيادة توازن لا تنازل
  • ١٨:١٧
  • الجمعة , ١٣ يونيو ٢٠٢٥
English version

دير سانت كاترين‮.. ‬القداسة والسيادة توازن لا تنازل

مقالات مختارة | حنان فكرى

٠٧: ٠٨ م +03:00 EEST

الجمعة ١٣ يونيو ٢٠٢٥

حنان فكرى
حنان فكرى

 حنان فكرى

يعود دير سانت كاترين مجددًا إلى واجهة الأحداث،‮ ‬لا بسبب ما‮ ‬يختزنه من قيمة روحية وتاريخية فريدة،‮ ‬بل نتيجة تطورات قانونية ودبلوماسية تثير حساسية خاصة‮.

‬فقد شهدت القاهرة مؤخرًا زيارة رفيعة المستوى لوزير الخارجية اليونانى،‮ ‬أعقبها تصريحات حول ما وصفه بـ»الطابع العبادى اليونانى الأرثوذكسى«للدير‮. ‬وفى المقابل،‮ ‬أبدت الدولة المصرية تمسكها بثوابت واضحة هى الاحترام الكامل للوضع القائم،‮ ‬واستمرار عمل الدير دون عوائق،‮ ‬مع تأجيل البحث فى ملف»الملكية العقارية‮« ‬لمرحلة لاحقة‮.‬

هذا التفكيك بين الدينى والسيادى‮ ‬يعبر عن موقف مصرى رصين،‮ ‬يفصل بشكل عادل بين ما هو روحى‮ ‬يجب احترامه،‮ ‬وما هو سيادى لا‮ ‬يساوم عليه‮. ‬فالوطن لا‮ ‬يفرط فى أرضه،‮ ‬ولا‮ ‬يعادى من‮ ‬يصلى عليها‮.‬

صدر مؤخرًا حكم من محكمة استئناف الإسماعيلية‮ ‬يضع النقاط فوق الحروف،‮ ‬ويعيد الأمور إلى نصابها القانونى،‮ ‬الحكم أقر بأحقية الدير فى الانتفاع بعدد من الأراضى والمبانى‮. ‬لكنه رفض الاعتراف بـ»الملكية الكاملة‮« ‬لتلك المساحات،‮ ‬مؤكدًا أن الحيازة لا تساوى الملكية‮.‬

لذلك‮ ‬يظل أصل الأزمة‮- ‬من الناحية القانونية البحتة‮- ‬هو الفرق الجوهرى بين الملكية والحيازة،‮ ‬بين التوازن والتنازل،‮ ‬فبينما تعرف الملكية على أنها الحق الكامل فى الشىء،‮ ‬بما‮ ‬يشمل استعماله واستغلاله والتصرف فيه،‮ ‬فإن الحيازة تقتصر على السيطرة الفعلية دون سند دائم أو مطلق‮.‬

ففى حين رأت المحكمة فى نص حكمها أن»استمرار الدير فى الانتفاع ببعض القطع لا‮ ‬يمنحه صفة المالك،‮ ‬وإنما‮ ‬يعكس وضعًا دينيًا خاصًا ومشروطًا،‮ ‬مما‮ ‬يبرر سحب الأراضى التى لا تندرج تحت الاستخدام الدينى المباشر‮«‬،‮ ‬استندت المحكمة فى حكمها جزئيًا إلى إفادة المطران دميانوس،‮ ‬رئيس الدير الذى أقر بأن حيازته للأراضى تتم بصفته الكنسية،‮ ‬وباعتباره حارسًا على الأديرة والمبانى والأراضى الدينية،‮ ‬وهو ما‮ ‬يعنى أن تملك هذه الأراضى‮ ‬غير جائز قانونًا،‮ ‬ولم‮ ‬يرد فى الحكم أى إشارة عن إخلاء الدير من رهبانه أو طردهم منه مطلقًا‮.‬

الحق التاريخى مكفول

رغم الإيضاحات السابقة إلا أننا لا ننكر حق الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية،‮ ‬فى رؤيتها أن الدير‮ ‬يملك الأرض ملكية تاريخية،‮ ‬استنادًا إلى وجوده المتواصل فى الموقع منذ أكثر من‮ ‬1400‮ ‬عام،‮ ‬وما‮ ‬يرافق ذلك من رمزية دينية وثقافية،‮ ‬تجعل الدير أحد أقدم المؤسسات المسيحية المأهولة فى العالم‮. ‬والمفارقة أن الحكم الأخير‮ ‬يعتبر بمثابة ضمانة لاستمرار هذا الوجود فى سيناء،‮ ‬ويمكن بها التوفيق بين الإرث التاريخى والسيادة الوطنية‮.‬

مسئولية حماية الدير

فى خضم هذا الجدل،‮ ‬يجب ألا ننسى أن الدير ليس مجرد ورقة ملكية أو خط حدودى على خريطة.إنه ذاكرة حجرية حية،‮ ‬تحتفظ بأرشيف نادر من المخطوطات،‮ ‬وتستقبل آلاف الزوار سنويًا من أنحاء العالم،‮ ‬يأتون لا ليقيسوا حدود الأرض،‮ ‬بل ليستنشقوا عبق القداسة‮.‬

 

قد تتغير خرائط الأرض،‮ ‬وتنتقل الحيازة أو تعاد،‮ ‬لكن ثمة مسئولية أخلاقية وقانونية وثقافية،‮ ‬تقع على الجميع هى حماية هذا المكان من أن‮ ‬يتحول إلى ضحية نزاع قانونى،‮ ‬أو استثمارى،‮ ‬فأرض الصلاة ليست مجرد ملف عقارى،‮ ‬بل فضاء للسلام‮.

نقلا عن وطنى‬

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع