الأقباط متحدون - البابا لاوُن الرابع عشر يدعو الإعلاميين لاختيار درب تواصل يسعى إلى السلام
  • ١٩:٣٢
  • الاثنين , ١٢ مايو ٢٠٢٥
English version

البابا لاوُن الرابع عشر يدعو الإعلاميين لاختيار درب تواصل يسعى إلى السلام

محرر الأقباط متحدون

مسيحيون حول العالم

٢٤: ٠٣ م +03:00 EEST

الاثنين ١٢ مايو ٢٠٢٥

البابا لاوُن الرابع عشر
البابا لاوُن الرابع عشر

محرر الأقباط متحدون
"إن خدمتكم، بما تحمل من كلمات تختارونها وأسلوب تعتمدونه، تحمل أهميةً عظيمة. فالتواصل ليس مجرّد نقل للمعلومات، بل هو بناء لثقافة، وخلق لبيئات إنسانية ورقمية تُفسح المجال للحوار والتلاقي" هذا ما قاله قداسة البابا لاوُن الرابع عشر في كلمته إلى العاملين في مجال الاتصالات من مختلف أنحاء العالم

التقى قداسة البابا لاوُن الرابع عشر صباح الاثنين في قاعة بولس السادس بالفاتيكان العاملين في مجال الاتصالات من مختلف أنحاء العالم، ووجه إليهم كلمة نابضة بالإيمان والامتنان والرجاء، وفي كلمته، لم يكتفِ الحبر الأعظم بالتقدير، بل قدّم رؤية إنجيلية عميقة لمفهوم التواصل، مستلهمًا من تطويبات المسيح، وداعيًا الإعلاميين إلى أن يكونوا صانعي سلام في زمنٍ تتقاذفه التوترات والتضليل والاستقطاب. كلمة البابا لم تكن فقط تحفيزًا مهنيًا، بل نداءً نبويًا لإعادة إنسانية الكلمة، ونزع السلاح من الخطاب الإعلامي، والارتقاء بالتواصل إلى مستوى الخدمة الحقيقية للكرامة البشرية والحقيقة والسلام.

قال البابا لاوُن الرابع عشر في "عظة الجبل"، أعلن يسوع: "طوبى لصانعي السلام". إنها طوبى تتحدّى كلّ واحدٍ منا، وتخصّكم أنتم بشكلٍ خاص، إذ تدعوكم إلى تبنّي نمطٍ مختلفٍ من التواصل: تواصلٍ لا يسعى إلى نيل الاستحسان بأيّ ثمن، ولا يتزيّن بالكلمات العدائية، ولا يقترن بمنطق التنافس، ولا يفصل أبدًا بين البحث عن الحقيقة والمحبّة التي يجب أن تقودنا بتواضع في هذا السعي. إنّ السلام يبدأ من داخل كلّ واحد منّا: من الطريقة التي ننظر بها إلى الآخرين، من كيفية الاصغاء إليهم، ومن الطريقة التي نتحدّث بها عنهم. ومن هذا المنطلق، فإنّ أسلوب تواصلنا يكتسب أهميةً جوهرية: علينا أن نرفض حرب الكلمات والصور، وأن نُقصي منطق الحرب عن خطابنا الإعلامي.

أضاف الحبر الأعظم يقول اسمحوا لي، إذًا، أن أُجدّد اليوم تضامن الكنيسة مع الصحفيين المعتقلين بسبب سعيهم إلى الحقيقة ونقلها، وأن أطالب بهذه الكلمات بإطلاق سراحهم. إنّ الكنيسة ترى في هؤلاء الشهود – لا سيّما الذين يروون وقائع الحروب حتى ولو على حساب حياتهم – مثالاً للشجاعة في الدفاع عن الكرامة والعدالة وحقّ الشعوب في المعرفة، إذ لا يستطيع الناس أن يتّخذوا قرارات حرّة إلا إن كانوا مطّلعين. إنّ معاناة هؤلاء الصحفيين تسائل ضمائر الأمم والمجتمع الدولي، وتدعونا جميعاً لكي نصون الخير الثمين لحرية التعبير والصحافة.

تابع الأب الأقدس يقول شكرًا لكم، أيها الأصدقاء الأعزّاء، على خدمتكم للحقيقة. لقد كنتم في روما خلال هذه الأسابيع لتغطية أحداث الكنيسة، في تنوّعها ووحدتها في آن. فقد رافقتم رتب أسبوع الآلام، ثم نقلتم ألم فُقدان البابا فرنسيس، ذلك الألم الذي أضاءه نور القيامة. ذلك الإيمان الفصحيّ عينه الذي أدخلنا في روح الكونكلاف، الذي ألزمكم في أيامٍ عمل شاقّة. ومع ذلك، استطعتم في هذه المناسبة أيضًا أن تنقلوا للعالم جمال محبّة المسيح الذي يوحّدنا جميعاً ويجعلنا شعباً واحداً يقوده الراعي الصالح.

أضاف الحبر الأعظم يقول نحن نعيش زمناً صعباً، سواء في مسيرته أو في روايته، وهذا الزمن يمثّل تحدّياً لنا جميعاً، لا يجوز أن نهرب منه. بل على العكس، هو يدعو كل واحد منا من موقعه وخدمته إلى عدم الاستسلام للركاكة أو الفتور. إنّ الكنيسة مدعوّة إلى مواجهة تحدّيات عصرها، وكذلك لا يمكن أن يوجد إعلام أو صحافة معزولة عن زمانها وتاريخها. وكما يذكّرنا القديس أوغسطينوس: "لنعِشْ جيّداً وستكون الأزمنة جيّدة، لأننا نحنُ الأزمنة".

تابع الأب الأقدس يقول شكرًا لكم، إذ بذلتم جهدًا للخروج من القوالب النمطية والصور المألوفة التي كثيرًا ما تُعرض من خلالها الحياة المسيحية وحياة الكنيسة نفسها. شكرًا لأنكم نجحتم في التقاط جوهر ما نحن عليه، ونقلتموه إلى العالم أجمع بمختلف الوسائل. إن أحد تحدّيات أيامنا هذه هو تعزيز نمط من التواصل قادر على أن يُخرجنا من "برج بابل" المعاصر، حيث تتداخل اللغات وتتشابك الأصوات في فوضى خالية من المحبة، وكثيرًا ما تُلوَّن بالأيديولوجيا أو تتحيّز لمواقف معيّنة. ولهذا، فإن خدمتكم، بما تحمل من كلمات تختارونها وأسلوب تعتمدونه، تحمل أهميةً عظيمة. فالتواصل ليس مجرّد نقل للمعلومات، بل هو بناء لثقافة، وخلق لبيئات إنسانية ورقمية تُفسح المجال للحوار والتلاقي. ومع التقدّم التكنولوجي المتسارع، تزداد أهمية هذه الرسالة إلحاحًا. أفكّر بشكل خاص في الذكاء الاصطناعي، بما يحمله من طاقات هائلة، ولكنّه يتطلّب مسؤولية عميقة وتمييزًا حكيمًا، لكي يُوجَّه نحو الخير العام، ويُسخَّر في خدمة البشرية، لا ضدّها. وهذه المسؤولية لا تستثني أحدًا، بل تشمل الجميع، كلٌّ بحسب عمره ودوره في المجتمع.

أضاف الحبر الأعظم يقول أيها الأصدقاء الأعزّاء، سنتعلّم مع الوقت أن نتعرّف على بعضنا البعض بشكل أعمق. لقد عشنا – ويمكننا أن نقول معًا – أيامًا استثنائية. وقد نقلتم هذه الأيام بكل وسيلة إعلامية: من التلفاز إلى الإذاعة، ومن الإنترنت إلى وسائل التواصل الاجتماعي. أرجو أن يستطيع كلٌّ منّا أن يقول عن هذه الأيام إنها كشفت لنا شيئًا من سرّ إنسانيتنا، وأنها تركت فينا توقًا إلى المحبة والسلام. ولهذا، أكرّر اليوم أمامكم ما دعا إليه البابا فرنسيس في رسالته الأخيرة بمناسبة اليوم العالمي لوسائل التواصل الاجتماعي: لنعمل على نزع السلاح من تواصلنا، فنطهّره من كل تحامل، وكل ضغينة، وتعصّب، وبغض. لننقّه من العنف في الأسلوب والمحتوى. ما نحتاجه ليس خطابًا صاخبًا أو عنيفًا، بل تواصلاً يصغي، ويجمع صوت الضعفاء الذين لا صوت لهم. فلنُسقِط أسلحة الكلمات، فنُسهِم في إسقاط أسلحة العالم. لأن التواصل المنزوع السلاح، والمجرد من العدوانية، يفتح أمامنا أفقًا جديدًا للنظر إلى الواقع، ويحفّزنا على التصرّف بما يليق بكرامتنا البشرية.

وختم البابا لاوُن الرابع عشر كلمته بالقول أنتم في الخطوط الأمامية في نقل وقائع الصراعات وآمال السلام، وتوثيق أوضاع الظلم والفقر، ورصد الجهود الصامتة التي يبذلها كثيرون لبناء عالم أفضل. ولهذا، أطلب منكم أن تختاروا، بوعي وشجاعة، درب تواصلٍ يسعى إلى السلام. شكرًا لكم. ليبارككم الله. وإلى اللقاء القريب.