
قبل انتخاب البابا الجديد: لمحة تاريخية عن تدخلات السياسة في كونكلاف 1903 ونهاية "الفيتو البابوي"
محرر الأقباط متحدون
الاثنين ٥ مايو ٢٠٢٥
محرر الأقباط متحدون
قبل يومين على دخول الكرادلة الناخبين إلى كابلة السكستين بالفاتيكان، في خلوة تستمر لغاية انتخاب الحبر الأعظم الجديد، نستعرض أبرز الأحداث التي طبعت جلسات الانتخاب السابقة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. من بينها قيام إمبراطور النمسا عام ١٩٠٣ بوقف عملية الانتخاب منعاً لاختيار الكاردينال ماريانو رامبولا، وقرار بيوس العاشر القاضي بإلغاء حق النقض، أو الفيتو، الذي كانت تمارسه في السابق الأنظمة الملكية الكاثوليكية، وكان أمراً مقبولاً لدى الكنيسة مع أن هذه الأخيرة لم تمنح هذا الحق رسميا.
الدستور الرسولي Commissum nobis الذي صادق عليه البابا بيوس العاشر في العشرين من كانون الثاني يناير ١٩٠٤ هدف إلى منع أي تدخلات خارجية في عملية انتخاب البابا وضمان الحرية التامة للكرادلة خلال عملية الاقتراع. هذا الدستور جرد بعض الدول الكاثوليكية من حق استأثرت به ومارسته لأول مرة في كونكلاف العام ١٩٠٣ الذي التأم بعد وفاة البابا لاوون الثالث عشر عن عمر تسعين عاماً، في العشرين من تموز يوليو من العام نفسه.
عن هذا الموضوع حدثنا Alejandro Mario Dieguez المسؤول في قسم الأرشيف الرسولي منذ العام ١٩٩٩ والمكلف بتنظيم الوثائق التي تعود إلى القرنين التاسع عشر والعشرين. وقال إنه خلال ذلك الكونكلاف وجد مجمع الكرادلة نفسه أمام ترشيح وُصف بـ"القوي" لأمين سر الدولة السابق الكاردينال ماريانو رامبولا، وكان رجلاً معروفاً على الصعيد الدولي، وصاحب سياسة معادية لألمانيا والنمسا المجر وإيطاليا، وتسعى إلى التقارب من فرنسا وروسيا. وكان بالتالي مرشح فرنسا الوحيد ويخيف دول الحلف الثلاثي.
تابع المسؤول الفاتيكاني يقول إن اثنين وستين كاردينالا ناخباً شاركوا في الكونكلاف، ولم يحضر اثنان، هما الكاردينال باتريك فرنسيس موران الذي لم يصل في الوقت المحدد إلى روما قادماً من سيندي، والكاردينال الطاعن في السن ميكلانجيلو شيليزيا، الذي كان مريضا ووافته المنية في السنة التالية. وأضاف أن تشكيلة مجمع الكرادلة كانت تعكس آنذاك الطابع الأوروبي للكنيسة، حتى أن الكاردينال الوحيد غير الأوروبي كان جايمس غيبونز، أسقف بالتيمور في الولايات المتحدة. وكان يوجد أيضاً عدد لافت للكرادلة المختارين من قبل حكومات أخرى وفُرضوا على روما بموجب معاهدات أو امتيازات قديمة.
وكان الاسم الأكثر تداولاً، خلال جلسات التصويت الثلاث الأولى، الكاردينال الصقلي رامبولا. ما حمل أحد الكرادلة وهو أسقف كراكوفيا Jan Maurycy Paweł Puzyna de Kosielsko على أن يعلن باسم إمبراطور النمسا اللجوء إلى حق الفيتو منعاً لانتخاب الكاردينال الصقلي. ويقول السيد Dieguez إنها كانت المرة الأخيرة التي تدخلت فيها السياسة بشكل فاضح من أجل التأثير على نتائج الكونكلاف. وبعد ذلك وقع اختيار الكرادلة على بطريرك البندقية، جوزيبيه سارتو، الذي انتُخب في الرابع من آب أغسطس ١٩٠٣، واختار اسم بيوس العاشر.
في معرض حديثه عن الدستور الرسولي Commissum nobis قال المسؤول الفاتيكاني إن هذه الوثيقة رمت إلى منح الكنيسة الحرية التامة في عملية انتخاب الحبر الأعظم، بعيداً عن التدخلات الخارجية. وأضاف أن كونكلاف العام ١٩٠٣ تم بموجب قوانين وإجراءات مختلفة عن تلك المتبعة اليوم. فكان من الصعب جداً أن يتمتع الكرادلة الناخبون بالخصوصية لأن الفاتيكان لم يكن "المدينة – الدولة" التي نعرفها اليوم لأنها أبصرت النور لاحقاً مع البابا بيوس الحادي عشر، بابا المصالحة. إذ كانت القصور والمباني مفتوحة على بعضها، وخاضعة لمراقبة أجهزة الاستخبارات الإيطالية والأجنبية. وهذا الأمر جعل البابا لاوون الثالث عشر يُفكر في إمكانية أن يُنتخب خلفه خارج روما، في مالتا، أو إسبانيا أو سويسرا، تفادياً للضغوطات السياسية. كما أن إقامة الكرادلة كانت تولد مشاكل من الناحية اللوجستية، وذلك قبل بناء بيت القديسة مارتا، عام ١٩٩٦، برغبة من البابا يوحنا بولس الثاني من أجل توفير مكان لإقامة الكرادالة المشاركين في الكونكلاف.
فيما يتعلق بسرية عملية التصويت لضمان حرية الاقتراع، يتم اللجوء اليوم إلى أجهزة إلكترونية للتشويش ومنع تسريب المعلومات إلى الخارج. أما في كونكلاف العام ١٩٠٣ وُضع جهاز هاتفي للتواصل مع الخارج بتصرف أمين سر الكونكلاف Rafael Merry del Val لكن مع ذلك بقيت شكوك تتعلق بعزلة الكرادلة الناخبين عن العالم الخارجي تماما، خصوصا عندما شاء الكاردينال المجري Kolos Vaszáry أن يتناول الطعام من يد طاهيه الشخصي، وتم إدخال الأطباق إلى الفاتيكان.
في ختام حديثه لموقعنا قال Dieguez إن الأرشيف السري الفاتيكاني يحتوي على وثائق خاصة بالكونكلاف بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر. وفي القرنين الماضيين تُجمع الوثائق في أمانة سر الدولة، وتتعلق بتنظيم عمليات الانتخاب وتضم لوائح بأسماء الكرادلة الناخبين، وخرائط تُظهر غرف إقامة الكرادلة، فضلا عن نماذج لبطاقات الاقتراع، علماً أن تلك التي استُخدمت لم تُحفظ لأنها تُحرق مع نهاية كل عملية تصويت.