لمحة عن أديرة وادي النطرون في القرن التاسع عشر

د. ماجد عزت اسرائيل

بقلم: د. ماجد عزت إسرائيل
وادي النطرون ليس مجرد اسم لمنطقة جغرافية على أرض مصر، وإنما منطقة تلبس ثوب التاريخ وتتشح برداء الدين وتنطق بجمال الطبيعة، فوادي النطرون أحد المنخفضات التي تقع في الصحراء الغربية من مصر، والتي تضم الواحات: الخارجة والداخلة في الجنوب ثم الواحات البحرية والفرافرة في الوسط ثم منخفض وادي النطرون والقطارة وواحة سيوة في الشمال. وتقع هذه المنخفضات فوق مستوى سطح البحر، على خلاف وادي النطرون ومنخفض القطارة حيث يهبط الوادي عن سطح البحر بنحو ثلاثة وعشرين مترًا.
وقد اتخذ الوادي أكثر من اسم عبر التاريخ، فقد أطلق المصريون القدماء عليه اسم (سخت – حمات) أو سكة همام وتعني حقل الملح وذلك لتوفير ملح النطرون فيه وأطلق عليه اسم حقل البلح لوفرة أشجار النخيل، وكذلك باسم (بثت – بت) وتعني بحيرة السماء وقد ذكر هذا الاسم في فنون الأهرام كمكان لإنتاج البخور.
وأطلق على الوادي "سكيتس" Scetis وتعني مكان النسك وقد اشتق من هذا الاسم كلمة تنطق بالعربية باسم "إسقيط"، كما عرف باسم "برية ثيهات أو (شيهيت)" ويتكون من مقطعين، الأول ويعني يزن والثاني ويعني القلوب ومعناها ميزان القلوب أي المكان الذي يزين الله فيه قلوب ساكنيه ليعرف مقدار محبة كل واحد منهم له، وعرف بوادي الملوك نسبة إلى الأميرين "مكسيموس ودماديوس" ابنا الملك فالنتيانوس الذي صار إمبراطورًا لروما سنة 364 وعشقا الرهبنة في وادي النطرون، وعُرف بوادي" هبيب" نسبة إلى "هبيب بن حزام بن عفاف الغفاري أحد أصحاب رسول الله (ص)"، وهو أحد عرب فزارة، وأطلق على الوادي اسم "وادي النطرون" لاستخراج مادة النطرون من بحيراته، وكانت تُسمى "بالاطرون"، ومن ثم فقد سمي الوادي بوادي النطرون.
كما عُرف الوادي باسم "الطرانة" وهي ولاية تقع على فرع رشيد، كان ينقل إليها النطرون من الوادي، وهي التي ارتبطت مع الوادي بنشاط تجاري زاهر.
وكان أول ظهور للرهبنة الانفرادية في وادي النطرون، وللرهبنة قدسية خاصة في المسيحية بدأت مع ظهورها وذلك بمرور العائلة المقدسة في الوادي أثناء هروبها من وجه "هيرودس" ومباركة الطفل "يسوع" لأركان هذا الوادي، فهرع إليها العديد من المتوحدين منذ العصور الأولى للمسيحية.
ووادي النطرون يزخر بأعداد كبيرة من الأديرة والقلالي، وقد بلغت نحو مائة دير، ويذكر الرحالة "روفينوس" الذي زار الوادي حوالي (351م) أنه في الوادي نحو خمسين ديرًا، ثم صارت عشرة أديرة، ممتدة غربًا على جانب برية شهيت بين مديرية البحيرة والفيوم، ولكن أحداث الزمان والغزوات المتلاحقة أبادت الكثير من أديرة الوادي ولم يبق الآن من الأعداد الكثيرة سوى أربعة وهي حسب تاريخ نشأتها: دير البراموس، ودير أبا مقار، ودير الأنبا بيشوى، ودير السريان. وهي التي قاومت الزمن، وعواصف الرمال، وهجمات البربر، وظلت قائمة بينما تهدمت أديرة أخرى أو اختفت تحت كثبان الرمال.
وقد ذكر "عمر طوسون" من الأديرة القديمة التي اختفت: دير يوحنا القصير، ودير الأرمن، ودير إيليا (للأحباش)، ودير أبانوب، وقد قامت منذ سنوات حفريات كشفت عن أجزاء من هذه الأديرة، وهي عرضة أيضًا لأن تردمها الرمال مرة أخرى إذا لم يتم الحفاظ عليها.

مجموعة صور لوادى النطرون - اضغط الصورة للتكبير