ثلاثية: المؤامرة والخيانة والمقاطعة

إسحاق إبراهيم

بقلم: إسحق إبراهيم
خاض "فاروق حسني" وزير الثقافة المصري معركة شرسة في انتخابات اليونسكو بنزاهة واقتدار، حشدت فيها مصر الرسمية والشعبية كل الوسائل الممكنة -التي لم تتوفر لأي مرشح سابق في أي انتخابات دولية سابقة– للحصول على أغلبية أصوات المجلس التنفيذي للمنظمة والتي يبلغ عددها 58 صوتًا. خسر المرشح المصري معركته خلال الجولة الخامسة والأخيرة بفارق أربعة أصوات وقدم التهنئة في سلوك رائع للمرشحة البلغارية الفائزة "بايرينا بوكوفا" لكن الوزير أطلق تصريحات نارية عقب العودة إلى مصر تمثل  إهانة لأعضاء المجلس التنفيذي وتتضمن اتهامات يعاقب عليها القانون!! وذهبت وسائل الإعلام بمختلف توجهاتها القومية والحزبية والمستقلة إلى شن حملة عنيفة ضد المنظمة وأعضاءها ودورها دون تحديد الأسباب الحقيقية وراء خسارة فاروق حسني –وليست مصر– للمنصب والعبر التي يمكن الاستفادة منها في المستقبل عند الترشح للمناصب الدولية.

تحديدًا جاء أسباب الخسارة كما ذكرها الوزير وأعضاء الوفد المرافق لها:
* وجود دور لعبته الولايات المتحدة الأمريكية لإسقاط المرشح المصري حيث مارس مندوبها ضغوطًا شديدة على الدول الفقيرة عن طريق الوعود بحصولها على معونات أو بتقديم الرشاوى لها.
* وجود لوبي يهودي شن معركة إعلانية وسياسية كبرى ضد ترشيح فاروق حسني لهذا المنصب.
* المنظمة خضعت "للتسييس" وإن ضغوطًا "رهيبة" لمنع مرشح مسلم وعربي من الفوز في الانتخابات.
* الهزيمة تعكس الصراع بين الشمال والجنوب وإصرار دول الشمال "على التحكم دومًا في الجنوب".
* خسارة صوتان في الجولة الخامسة كانت نتيجة "خيانة".

تكشف هذه الأسباب أن المنطق العربي والمصري في تفسير وتحليل الأحداث والظواهر الدولية مازال يعتمد وبشكل كبير على منطق واحدة ومفردات ثابتة لا تتغير منذ ضياع فلسطين في عام 1948. منطق المؤامرة والخيانة، فالمؤامرة كانت من الولايات المتحدة ودول الشمال ضد دول الجنوب أو المرشح المسلم، الخيانة من دولتين انتخبتا فاروق حسني في الجولة الرابعة ثم تراجعت كل منهما في الجولة الأخيرة.

من قال إن فاروق حسني حصل على أصوات دول الجنوب فقط في الانتخابات؟ ومن قال إن هناك إجماع عربي إسلامي إفريقي على فاروق حسني؟
خرجت بعض الدول الأوربية عن الإجماع الأوربي وأعطت أصواتها لفاروق حسني وساندته، وذلك باعتراف الوزير ومنها اسبانيا وايطاليا وفرنسا في نفس الوقت لم يحدث إجماع أفريقي على المرشح المصري بدليل وجود مرشحين الأول مرشح بنين "نورينى كيجانى" والثاني المرشح التنزاني "سوسبيتر موهونجو" إضافة إلى الجزائري "محمد بيجاوى" الذي رشحته "كمبوديا".

بطبيعة الحال الانتخابات –في أي موقع- تحتاج إلى حشد مناصرين وتكوين تحالفات وتفاوض لإقناع الناخبين وهذا ما حدث في انتخابات اليونسكو، فكل دولة لها الحق أن تساند مرشح معين علانية وأن تحشد المناصرين له وتدعوهم إلى انتخابه كما من حق أي دولة أن تهاجم أي مرشح أيضًا علانية طالما لا يتفق مع مصالحها، فكل مرشح يدعو الدول والتجمعات الدولية التي ينتمي إليها إلى مساندته وهو ما فعلته المجموعة الأوربية بالإضافة إلى أمريكا واليابان، فالأمر لا يرتبط بالشمال والجنوب أو المرشح المسلم  وغيره من المرشحين.

أدى تفسير المؤامرة إلى وجود آراء متشنجة  تطالب بانسحاب مصر من اليونسكو فقد طالب كل من جمال زهران عضو مجلس الشعب والنائب الإخواني "محسن راضى" بانسحاب الدول العربية والإسلامية انسحابًا كاملاً من منظمة اليونسكو احتجاجًا على التحالفات غير الشريفة التي واجهت المرشح المصري لإسقاطه!! ودعا رموز في الحزب الوطني لمقاطعة شعبية واسعة للبضائع الأمريكية بسبب موقف إدارة أوباما في الصراع على منصب مدير اليونسكو والذي خسره المرشح المصري فاروق حسني.
وقال نواب في البرلمان تابعون لوطني من بينهم عبد الرحيم الغول وعبد الأحد جمال الدين وآمال عثمان إن واشنطن التي كانت تدعي أنها صديقة لمصر خذلتنا.

هذه الآراء تناست أن الانتخابات آلية ديمقراطية لتداول المناصب القيادية ومن ثم فهناك فائز وخاسر، فهي ليس حرب بها منتصر ومهزوم، وإن أي مرشح مهما كانت نسبة تفوقه قبل إجراء الانتخابات لا يضمن النجاح بنسبة 100% ولذلك جاء تصريح الوزير فاروق حسني ليقطع الطريق على المزايدين وأصحاب البروباجندات الإعلامية وقال: "لن يحدث ذلك ودولة مصر تملك من الإرث الحضاري والثقافي الذي يجعل اليونسكو تفتخر بأنها تتعامل معها، وخطأ كبير أن ننسحب من اليونسكو، ومصر من الدول المؤسسة لها وإذا كنّا نعتمد على خبراء من اليونسكو فإن ذلك يعطي المنظمة قيمة".

إذًا ما أسباب خسارة فاروق حسني؟
ارتكب المرشح المصري أخطاء عديدة أثناء الحملة الانتخابية والتي بدأت منذ إعلان الرئيس في عام 2007 نية مصر ترشيح حسني للمنصب الدولي الرفيع، فالوزير رغم أنه يدرك أن اليونسكو باعتبارها منظمة عالمية تتبنى تداول المعلومات والمعارف والمحافظة على التراث قدم نفسه كمرشح للعرب والمسلمين، وبذلك فقد تعاطف بعض الدول التي لديها علامات استفهام على الثقافة الإسلامية وما يقال عنها بأنها ثقافة منغلقة ترفض الآخر وتتحفظ على معظم منتجات العالم الغربي. وكان يكفي الوزير أن يعلن أنه مرشح لدولة تملك إرث حضاري وإنساني ضارب في جذور التاريخ، حضارة كانت متقدمة ومنفتحة على العالم.

وكذلك عمل فاروق حسني على الوقوف في منتصف الطريق، فتجده يدلي بتصريحات ثم يعود لتبريرها بتصريحات أخرى تبدو متعارضة مع الأولى، وخير مثال على ذلك تصريحاته في مايو عام 2008 التي تضمنت استعداده لحرق الكتب اليهودية إن وجدت في المكتبات المصرية، ردًا على أحد أعضاء البرلمان الذي ادعى وجود كتب إسرائيلية في المكتبات، وحاول حسني بكل الطرق التنصل من هذه التصريحات والتأكيد على أنها «تعبير مجازى خرج في لحظة غضب» وأنه لا يمكن أن يحرق هذه الكتب أبدًا، وأدلى في يونيو ٢٠٠٨ بحديث لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أوضح فيه أسباب رفضه ورفض المثقفين المصريين التطبيع الثقافي لكن فشل في تخفيف حدة الانتقادات والهجوم الضاري الذي شنته جماعات الضغط اليهودية، إضافة إلى أن هذه الازدواجية أظهرت حسني بأنه يتبنى مواقف متشددة من تبادل الثقافات والمعارف مما يتعارض تمامًا مع المؤهلات التي يحتاجها المنصب الدولي.

ولا يخفو على أحد إن اختيارات الدول للمرشحين تتم على أسس علمية منها ما يرجع إلى برنامجه الذي سيعمل على تنفيذه في حالة الفوز ومنها ما يعود إلى الدولة التي ينتمي إليها ومؤهلات المرشح الوظيفية، في هذا السياق وضعت علامات استفهام حول اختيار حسني فمصر دولة شبه ديمقراطية، فالدستور ينص على ضمان حرية الرأي والتعبير لكن في الواقع الدولة تعمل بصورة مباشرة وغير مباشرة على قمع الحريات، والثقافة والفن. ويكفي أن مجموعات مختلفة من منظمات حقوق الإنسان المحلية والعالمية طالبت في بيانات لها قبيل الانتخابات بعدم التصويت لفاروق حسني لأنه فشل في أداء دوره الوزاري.

وعلى سبيل المثال دعت منظمة "مراسلون بلا حدود" ذائعة الصيت أعضاء المجلس التنفيذي للمنظمة: "يجدر بفاروق حسني أن يقدّم الضمانات اللازمة لتمسّكه بقيم المنظمة. وهذا ما لم ينجح في إثباته في الأعوام الاثنين والعشرين الأخيرة كما يفترض به أن يتعهّد بضمان حرية التعبير بلا منازع عبر الإدانة العلنية للانتهاكات المرتكبة ضد حرية الصحافة وعمليات توقيف المدوّنين".

Ishak_assaad@yahoo.com