قضية الدكتور شنودة‮!‬

بقلم: نبيل عمر

بجدعنة أولاد البلد‮.. ‬شمر الدكتور سيتي‮ ‬زكي‮ ‬شنودة عن ساعديه وأخذ ورقة وقلما وكتب بلاغا إلي النائب العام من‮ ‬20‮ ‬صفحة فولسكاب،‮ ‬نيابة عن كل المصريين رافعا الحرج عنهم‮!‬
الدكتور شنودة‮ ‬يطالب في‮ ‬بلاغه بمحاكمة‮ ‬11‮ ‬مسئولا في‮ ‬مصر‮: ‬رئيس الوزراء الحالي،‮ ‬رئيس وزراء سابق،‮ ‬رئيس مجلس الشعب وثمانية وزراء،‮ ‬أربعة منهم سابقون‮: ‬الزراعة والري‮ ‬والإسكان والصحة والمالية‮!‬
قد تبدو العريضة المقدمة إلي مكتب النائب العام برقم‮ ‬16820‮ ‬في‮ ‬16‭/‬‮ ‬9‭/‬‮ ‬2009‭ "‬هزلية‮" ‬أو‮ ‬،‮ ‬تشبه دعاوي‮ ‬الحسبة التي‮ ‬يتفنن‮ "‬روادها‮" ‬في‮ ‬تضييق‮ "‬نوافذ الحرية علي المجتمع بدعوي‮ "‬حماية الدين‮"‬،‮ ‬مثلما تضيق الحكومة الخناق علي الحريات السياسية بدعوي حماية الاستقرار،‮ ‬لكن عريضة الدكتور شنودة مختلفة تماما
‬أولا‮: ‬هي‮ ‬ليست دعوي حسبة،‮ ‬فهو صاحب مصلحة مباشرة،‮ ‬ليس هو فحسب بل كل المصريين أصحاب مصلحة مباشرة إلا الذين‮ ‬يستوردون طعامعم وشرابهم‮ ‬يوما بيوم من الخارج،‮ ‬وهؤلاء قلة من كوكب آخر منفصل لا تحسب علينا
ثانيا‮: ‬هي‮ ‬دعوي جادة جدا وضرورية،‮ ‬فالجريمة فعلية‮ "‬أركانها المادية متكاملة‮"‬،‮ ‬المتهمون معروفون بالاسم والصفة،‮ ‬ودليل الجريمة‮ ‬يسهل ضبطه وتحريزه وتقديمه للقضاء حين‮ ‬ينظر الدعوي
والأهم أن الدكتور شنودة‮ ‬يعتبر العريضة رقم‮ ‬16820‮ ‬مجرد‮ "‬بلاغ‮ ‬أول‮"‬،‮ ‬كما ورد في‮ ‬نصها،‮ ‬اي‮ ‬أنه مصر علي مواصلة البلاغات إذا لم‮ ‬يحقق فيها،‮ ‬وتحال إلي المحكمة‮!‬ وموضوع البلاغ‮ ‬هو‮ "‬ري‮ ‬ما‮ ‬يقرب من‮ ‬600‮ ‬ألف فدان في‮ ‬أنحاء البلاد بمياه المجاري‮"‬،‮ ‬وهذه جريمة إبادة منظمة ضد الشعب المصري‮!‬
قد‮ ‬يكون الوصف الأخير فيه قدر من المبالغة التي‮ ‬تفرضها طبيعة الجريمة،‮ ‬لكن هذه المبالغة ليست سببا في‮ ‬أن نترك الدكتور سيتي‮ ‬زكي‮ ‬شنودة وحيدا في‮ ‬مواجهة‮ " ‬الحكومة‮" ‬بكل مستوياتها،‮ ‬وهي‮ ‬بالقطع سوف تدافع عن رجالها دفاعا مستميتا،‮ ‬ولن ترضي عن هذه الدعوي بأي‮ ‬شكل من الأشكال،‮ ‬لأنها دعوي‮ "‬واحد من الناس"ضد السلطة،‮ ‬والسلطة في‮ ‬بلادنا لا ترتاح إلي هذا النوع من الدعاوي،‮ ‬فهي‮ "‬تفتح‮" ‬عيون المواطنين علي حقوق لا‮ ‬يعرفونها،‮ ‬و"أفعال‮" ‬هي‮ ‬بعيدة تماما عن أذهانهم،‮ ‬ويخافون من مجرد عبورها علي‮ "‬بالهم‮" ‬في‮ ‬لحظة صفاء وتساؤل‮: ‬هو حالنا في‮ ‬مصر ليه مايل بالشكل ده؟‮!.. ومن هو المسئول بالضبط؟‮!‬
وقد لا‮ ‬يحصل الناس علي إجابات عن هذه التساؤلات الكبري،‮ ‬لكن علي الأقل الناس مسئولة عن الدفاع عن انفسهم،‮ ‬عن صحتهم،‮ ‬عن مصالحهم المباشرة،‮ ‬وأبسط هذه المصالح أن‮ "‬يأكلوا‮" ‬طعاما‮ ‬غير ملوث عمدا‮!‬
ومن هنا لا‮ ‬يجوز ان تكون دعوي الدكتور شنودة فردية،‮ ‬فإذا تطوع هو وتقدم الصفوف،‮ ‬فالعريضة ليست من نوع‮ "‬فرض الكفاية‮"‬،‮ ‬وإنما هي‮ ‬فرض عين،‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون كل واحد منا طرفا فيها،‮ ‬لنحاسب من ارتكبوا جريمة ري‮ ‬أرضنا بمياه المجاري،‮ ‬فهذه جريمة لا تسقط بالتقادم،‮ ‬ولا بالتوقف عنها،‮ ‬صحيح أن الحكومة قررت أن تسن تشريعا‮ ‬يجرم هذا الفعل‮ "‬الجنائي‮"‬،‮ ‬لكن هذا لا‮ ‬يكفي،‮ ‬فالعقاب ضرورة،‮ ‬حتي تعمل الحكومة حسابا للناس،‮ ‬وأنها‮ "‬تدير‮" ‬شعبا له إرادة‮..‬
وقد لا‮ ‬يستطيع كل أهل مصر أن‮ ‬ينضموا للدعوي،‮ ‬فمن الناحية العملية قد‮ ‬يكون الأمر صعبا للغاية،‮ ‬والبديل هو تأسيس لجنة من الشخصيات البارزة في‮ ‬المجتمع،‮ ‬المهمومة بما‮ ‬يجري‮ ‬فيه،‮ ‬وتحلم بإنقاذه من الحال المائل الذي‮ ‬هو عليها،‮ ‬وتخاطب مجلس نقابة المحامين بما لهذه النقابة من تاريخ عريق في‮ ‬الدفاع عن القضايا الوطنية ومصالح الشعب،‮ ‬ثم ترفع دعوي قضائية مباشرة ضد كل من تثبت الأوراق والمستندات والوثائق وشهادة الشهود وبعضها منشور في‮ ‬الصحف أنه ضالع في‮ ‬الجريمة بشكل فعال أو مشارك فيها بقبولها أو السكوت عليها وهو‮ ‬يعلم كل العلم‮ "‬بحجم‮" ‬الأضرار البالغة التي‮ ‬تسببها سواء لصحة الناس أو الأرض الزراعية او البيئة،‮ ‬وبعدها تعلن عن فتح الباب لكل مصري‮ ‬يريد أن‮ "‬يعمل‮" ‬توكيلا لها في‮ ‬القضية لتمثلهم أمام هيئة المحكمة،‮ ‬خاصة أن مصر هي‮ ‬الدولة الوحيدة في‮ ‬العالم التي‮ ‬تسمح بمرور مياه الصرف الصحي‮ ‬المختلط بالصرف الصناعي‮ ‬في‮ ‬شبكات مكشوفة تخترق المجتمعات العمرانية والزراعية‮.‬
وهذه قضية حياة أو موت،‮ ‬فعدد ضحايا الجريمة علي مدي‮ ‬أكثر من عشرين عاما قد‮ ‬يرتفع إلي ملايين عاشوا علي‮ "‬طعام مسموم‮"‬،‮ ‬لا‮ ‬يفلح تخزينه في‮ ‬درجات حرارة منخفضة جدا أو‮ ‬غسله أو طهوه بالغلي‮ ‬في‮ ‬تقليل سميته الخفية أو المختفية عن العين وحاسة الشم،‮ ‬إذ لا‮ ‬يمكن لأي إنسان تمييز الثمار المروية بالصرف الصحي عن‮ ‬غيرها،‮ ‬فشكلها لا‮ ‬يتغير ولا طعمها،‮ ‬بل العكس‮ ‬يحدث،‮ ‬لأن هذه المياه الملوثة بها مواد وفضلات عضوية،‮ ‬صحيح هي‮ ‬شديدة الضرر،‮ ‬لكنها في‮ ‬نفس الوقت تجعل الثمار أكبر حجما وربما أزهي‮ ‬لونا،‮ ‬كما أن هذه المياه تسمح بتوغل الديدان داخل أنسجة الثمار،‮ ‬وهو ما‮ ‬يفسر لنا اكتشاف بعض الديدان داخل الثمار المغلقة،‮ ‬مثل البطيخ‮.‬
وهذه السموم لها ألف وجه قبيح،‮ ‬فهي‮ ‬تؤثر علي مستوي التركيز والذكاء والاستيعاب،‮ ‬ومع نظام تعليمي‮ ‬سيئ للغاية،‮ ‬ينتهي‮ ‬الأمر حتميا إلي تبلد العقول وتخلفها خاصة عند الأطفال‮!‬
أما وجود نسبة عالية من العناصر الثقيلة،‮ ‬خاصة الكادميوم والرصاص والنحاس والألومنيوم فهي‮ ‬تضرب أجهزة الجسم بشراسة وقسوة،‮ ‬فيصاب الإنسان بالفشل الكلوي والكبدي وضعف المناعة والسرطان‮.‬
فكيف لا نرفع دعوي ونحاكم كل من أجرم في‮ ‬حق الناس،‮ ‬خاصة أن كارثة الري‮ ‬بمياه المجاري‮ ‬لن تنتهي‮ ‬سريعا،‮ ‬بالرغم من التصريحات الرسمية،‮ ‬فأين ستذهب هذه المياه ونحن لا نملك محطات معالجة لمياه الصرف كافية؟‮! ‬
وكما قلت من قبل في‮ ‬مقال‮ "‬مطلوب محاكمة هؤلاء فورا‮" ‬المنشورهنا قبل أسبوعين،‮ ‬قد تكون هذه الدعوي هي‮ ‬سبيلنا إلي الإصلاح الذي‮ ‬ننشده ولا نعرف كيفية الوصول إليه،‮ ‬هي‮ ‬تجميع الإدارة الشعبية في‮ ‬قضية عامة بعيدا عن الألاعيب السياسية والتنظيمات الباحثة عن السلطة والجماعات الساعية إلي امتيازات‮..‬
فهل نملك الشجاعة أم ماتت قلوبنا؟‮!‬

نقلا عن جريدة الوفد

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع