معبر رفح.. معبر الموت والإذلال

طلعت الصفدي

بقلم: طلعت الصفدي
أهالي غزة كورق الخريف الباهت.. لا حياة آدمية .. لا دفء في وطنهم.. لا أمان.. يتساقطون بفعل الوجع والقهر والاغتصاب السياسي والجغرافي الإنساني الفلسطيني والإسرائيلي والعربي والإقليمي والدولي ، ودعاة التخلف . التلوث البيئي والحصار ، والسباحة في بحر أهلكته المياه العادمة ، وروث البغال والحمير تستحم فيه أكثر من بني البشر ، ولا فتاوى تجبرها على ارتداء الملابس أثناء السباحة . شح المياه وملوحتها في غزة جراء اغتصاب المستوطنين لآبارها الجوفية ، وسرقة مياهها العذبة لأكثر من ثلاثين عاما ولا زالوا ، والوباء الكبدي ، والفشل الكلوي وأمراض العصر المستعصية على الشفاء تستوطن غزة ، وكلما حاولت أن تشترى سمكة تشم ذيلها قبل رأسها حتى تطمئن أن العفن لم يصل بعد إلى ذيلها . يترنح المواطنون من الكارثة ومن بيع الوطن ونهب غزة وكرامة أهلها . غزة كالموت ..الطاعون البشرى ، طاعون التاسلم استفحل فيها ، فالصراع على الشرعية .. والصراع على الأنفاق .. والصراع على ملكية الأبراج والعقارات وتبييض الأموال ، والصراع على معبر رفح وليس كل المعابر ، وحرف المعركة من الشمال إلى الجنوب ، وتقزيم القضية الفلسطينية إلى معبر رفح ، وفقدان البوصلة وضياعها ..

ويتساءل الفلسطينيون الغزيون ، لماذا تأخر فيروس أنفلونزا الخنازير ؟؟ هل لأنهم محصنون ضد الموت ، ففيهم ما يكفيهم ؟؟ .. فكل فيروسات العصر الامبريالي والرجعى ، والتخلف استوطنت في غزة ، إلا سلطة العقل والتنوير ، وكلما حاول الفلسطينيون الغزيون إعمال العقل هبت رياح السموم لتسحقها ، فالعين لم تعد تسمع ، والإذن ما عادت ترى ، واللسان تحول لشاهد زور وأداة للتضليل والخداع ..
يجرى اغتصاب غزة تاريخا وحضارة ، أمنا وعملا وحياة ، عقلا وتراثا وتسامحا ، وصوت أبو علاء المعرى يردد " هذا ما جناه أبى علىَّ .. وما جنيت على احد " فهذا ما جناه أصبعي علىّ في انتخابات عام 2006 . ما بين معبر رفح ومعبر بيت حانون ( ايرز ) مسافة طويلة من الإدارة والتنظيم والأمن ، صراع بين الشمال والجنوب ، وعلى المواطنين أن يسلخوا جلدهم الطبيعي لينتعلوا أحذية ليس على مقاسهم ، فالجوع أبو الكفار ، والفقر والقهر والإذلال عجلته متواصلة بمتوالية ليست عددية فحسب ، بل بمتوالية هندسية ، وألوا الأمر لا يتورعون عن إذلال المواطن وقهره ،وعليك أيها المواطن أن تبحث عن وسيلة للبحث عن واسطة لتحوز على شرف السفر شمالا أو جنوبا ، ففلسفة المصلحة والكسب غير المشروع هي السائدة ، انهب ما استطعت إليه سبيلا فدوام الحال من المحال . فان لم تنهب شعبك فغيرك سينهبه والأقربون أولى بالنهب ..

مئات الحكايات ، والقصص الخيالية تسمع ،وترى،وتلمس وتحس بها مع كل زفير وشهيق ، مع كل آذان لصلاة ، في السيارة ، والديوان ،في السوق والمحلات التجارية القفراء إلا من السلع المهربة ، في الجامعة والمسجد ، وفى كل تجمع عن ما يجرى من امتهان لكرامة الفلسطيني الغزى ، مع كل قرار بفتح معبر رفح المتنفس الجنوبي الوحيد إلى العالم الخارجي ، عمليات نصب واحتيال المسافرين ، والرشاوى والمحسوبية حدث ولا حرج ،، والدفع بكل أنواع العملة ، وعليك أن تحفظ سر من أغتصبك وإلا لن تسافر ، وستموت قهرا ووجعا . ترى اسمك في الباص الأول تستعد للسفر وتودع الأهل والأصدقاء فلا أحد يعلم متى تعود من رحلات العذاب التي تنتظرك .. لتصبح أو تمسى فتراه مشطوبا ، أو تراه في آخر الدور، وعائلة المسئول الكبير لها حق الأولوية في الدور الأول ، ادفع بالتي هي أحسن ، ومن لا يملك الدفع عليه أن يصاب بالجلطة الدماغية أو بفقدان الوعي الآدمي .. أما التنسيق الذي يتم عبر السفارة المصرية وأجهزة الأمن المصرية تتأخر بفعل التغييرات المناخية والزلزال الذي يحيل تلك الأسماء إلى سراب .. وبين حانا ومانا يتحمل المواطن الغزي كل صنوف العذاب والقهر . فهل هو صراع بين الإخوة المصريين والحكومة المقالة ؟؟ 

 تتحول صالة سعد صايل مكان التجمع للمواطنين المسافرين إلى فوضى ومهانة ، للمرضى والمسنين والطلاب والمعتمرين والحجاج وأصحاب الفيزا والاقامات، والمضطرون للسفر تحت الحاجة الماسة والاضطرارية ، أولئك الذين حصلوا على تنسيقا بالسفر سواء من السفارة المصرية ، أو أجهزة الأمن المصرية أو التنسيق من جهاز الأمن الداخلي لحكومة حماس ، وبالطبع الأولوية لمن يسيطر على غزة ويحكمها ، وتتعدد أشكال سحق آدمية الإنسان الفلسطيني فلا نظام ولا تنظيم ، لا إدارة ناجعة ، ولا اهتمام بمشاعر الناس وهمومهم ، خصوصا المرضى والعجزة ، وكشوف الأسماء المدونة على مواقع ألشبكة العنكبوتية غير دقيقة ، تذهب ولا ترى اسمك ، وتستخدم أجهزة الحكومة المقالة العنف والضرب ، والتمرجل عليهم ، وكأن القادمين هم ليسوا من أبناء جلدتهم ، على الرغم أن قليلا من التنظيم والإدارة ، وقليلا من الرشاوى ، وقليلا من التنسيق مع الأشقاء المصريين ، سيحل كافة الإشكاليات ، ويفسح المجال لكل المسافرين بالسفر دون عناء ونكد وإحباط .
  ألا يكفى الدماء التي تسيل من أبناء شعبنا جراء انهيار الأنفاق بفعل الإهمال ، أو بفعل قذائف الحقد الإسرائيلي ، وسلطتنا الوطنية الفلسطينية الرشيدة في سبات عميق ، كأن ما يجرى لأهالي غزة لا يعنيهم ، وربما لا يريدون أن يتدخلوا في الشؤون الداخلية لإمارة غزة وحاكميتها ، جرائم ترتكب والصمت من ذهب ، فهل نحن وطن واحد وشعب واحد ؟؟ من هو المسئول عن حماية المواطن والحفاظ على كرامته ؟؟ ما هو دور القوى السياسية ومنظمات حقوق الإنسان ومكونات المجتمع المدني التي فقدت رصيدها ومصداقيتها في ملاحقة كل من يمتهن كرامة الإنسان الفلسطيني ويعتدي على حقوقه العامة والخاصة ؟؟ وكيف يمكن أن تتبنى قضايا وهموم المواطنين ، وتدافع عنهم ، أليس المدخل للعمل السياسي هو العمل الاجتماعي والديمقراطي؟؟

طلعت الصفدى غزة – فلسطين
Talat_alsafadi@hotmail.com
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع