النيروز عيد لكل المصريين

لطيف شاكر

بقلم: لطيف شاكر
يحتفل الشعب المصري يوم 11 سبتمبر والموافق أول توت بعيد النيروز والنيروز   كلمة مصرية قديمة اصلها نياروز وهي اختصار لجملة نيارو ـ ازمو ـ أروؤو أي ‏(‏ بارك مياه الانهار‏),‏ وبذلك يكون معني العيد هو‏:‏ عيد بركة الانهار‏,‏ والمقصود بها النيل وروافده‏.‏
و النيروز هو عيد رأس السنة المصرية  وهو أول يوم في السنة الزراعية الجديدة ,  و ذلك لأن في ذلك الوقت من العام هو ميعاد أكتمال موسم فيضان النيل سبب الحياة في مصر.. و لما دخل اليونانيين مصر أضافوا حرف السي للأعراب كعادتهم (مثل أنطوني و أنطونيوس ) فأصبحت نيروس فظنها العرب نيروز الفارسية ..

ومنذ أكثر من‏5000‏ سنة‏,‏ وقبل أن تظهر أية مدينة أخري علي وجه الارض‏,‏ استطاع المصريون ان يضعوا مقياسا للزمن والذي يعد من أدق المقاييس‏.‏ وضعه الملك توت ـ لذلك يطلق في بعض الأحيان علي هذه السنة المصرية اسم السنة التوتية ويعتقد ان توت ينتمي الي مدينة الاشمونين‏,‏ وقد كرم المصريون توت ودعوه رب العلم والقلم وكلمة رب تعني سيد ولا تعني إله ولهذا قال المؤرخ الإغريقي هيرودوت‏(484‏ ـ‏406‏ ق‏.‏ م‏)‏ والملقب بأبي التاريخ‏:‏ وأما ما يتعلق بأمور البشر فالجميع علي اتفاق فيه وهو ان المصريين اول من ابدع حساب السنة وقسموها إلي أثني عشر قسما بحسب ما كان لهم من علم النجوم‏..‏
وقد وضع توت اساس تقويمه عندما لاحظ ان نجم الشعري اليمانية   أكثر نجوم القطب الأكبر إنارة‏,‏ كما أنه أكثر إنارة من الثوابت جميعها‏,‏ تشرق وتغرب مقارنة بالشمس في ابتداء زمان الفيضان النيلي الذي عليه تتوقف حياة المصريين وثروتهم‏,‏ فجعل هذا الزمان بداية السنة المصرية‏.‏ واعترافا من المصريين بفضل هذا الرجل النابغة‏,‏ فقد اطلقوا علي الشهر الاول من السنة المصرية اسم توت وكانت مدينة الاشمونين تحتفل برأس السنة المصرية‏(‏ القبطية‏)‏ طوال الشهر تكريما له واعترافا بفضله واعتزازا انه أحد أبنائها‏.‏

كان من مظاهر احتفال المصريين برأس السنة أو‏(‏ إكليل السنة‏)‏ كما يسمي في اللغة المصرية‏,‏ ان الملك ـ أو من ينوب عنه ـ كان يتصدر هذه الاحتفالات‏,‏ ليس فقط لانه كان عيدا قوميا اصيلا يشترك فيه الجميع‏,‏ ولكن ايضا لان الكهنة قد ألبسوه حلة دينية بتأليه النيل الذي يفيض علي مصر بالخيرات والوجود‏,‏ بالإضافة إلي أنه هيأ للمدينة أن تظهر لاول مرة علي وجه الارض‏.‏ من قصص النيل المجيد ـ التي سجلها إميل لودفيج في كتابه النيل حياة نهر ـ أن أحد الفراعنة عندما أراد ان يصف حكمه بالمجد الذي هو أحد عناصر الخلود صرح قائلا‏:‏ يمكن للناس ان يقولوا عني ذات يوم انني كنت نيلا.
ومن أجل الاحتفال برأس السنة المصرية شيد المصريون معابد خاصة‏,‏ ومن اشهر هذه المعابد التي مازالت باقية حتي الآن كوثيقة تاريخية تشهد بروعة هذا الاحتفال‏,‏ معبد دندرة الذي شرع في إقامته بطليموس الثالث عشر‏(47‏ ـ‏43‏ ق‏.‏م‏)‏ ليتقرب الي المصريين‏,‏ وتم بناؤه في عهد طيباريوس قيصر‏(14‏ ـ‏37‏ م‏),‏ ويحتوي بداخله علي اثني عشر عمودا ضخما يمثل كل عمود فيها شهرا من اشهر السنة‏.‏ وفي عام‏1822‏ م نقل من هذا المعبد الي باريس الحجر الشهير الفريد المنقوشة عليه الابراج الفلكية والذي اودع وقتها بالمكتبة الاهلية هناك‏.‏

وبعدما دخلت المسيحية مصر علي يد القديس مرقس    عام‏64‏ م‏,‏ حافظ المصريون جميعهم علي الاحتفال بهذا العيد باعتباره اساسا عيدا قوميا لا دينيا‏,‏ وكان الجميع يتبادلون فيه الزيارات‏,‏ بالاضافة إلي أنهم كانوا يحرصون علي الذهاب الي المعابد او الكنائس لتقديم الشكر علي وصولهم لبدء العام الجديد سالمين ,  وكانت الدولة الرومانية الوثنية الحاكمة لا تتعرض للاحتفال بهذا اليوم للمسيحيين باعتباره عيدا وطنيا وليس دينيا‏,‏ فالتقويم ليس من وضع الاديان بل من وضع علماء الفلك‏,‏ إلا ان الدولة الرومانية ظلت تضطهد المسيحيين طوال القرون الاربعة الاولي حتي إن اكثر شهداء الاقباط استشهدوا في عصور ثلاثة من الاباطرة اضطهدوا المسيحية في مصر بنوع خاص‏,‏ وهم سبتيموس ساويرس‏(193‏ ـ‏211‏ م‏),‏ وديكيوس‏249‏ ـ‏251‏ م‏),‏ ودقلديانوس‏(284‏ ـ‏305‏ م‏)‏ لكن الاخير كان أشدهم ضرواة‏.‏

وربط الاقباط ‏ ذكري شهدائهم في عهد دقلديانوس الدموي والمتوحش‏..‏ ببداية العام القبطي الجديد‏1724 , والشهور القبطية يعمل بها الفلاح المصري حتي تاريخه في وضع البذور وجمع المحاصيل لكل انواع الزراعة والنوات الجوية المختلفة.
أما عن النيروز الفارسية فتعني اليوم الجديد (ني = جديد , روز= يوم ) و هو عيد الربيع عند الفرس و منه جاء الخلط من العرب بين عيد النيروز المصري والنيروز الفارسي .
ويعتبر عيد النيروز المصري  هو اقدم عيد  لاقدم أمة عاشت  الحضارة القديمة .

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع