طفشان يا بلد طفشان

سحر غريب

بقلم: سحر غريب
المهاجرون العائدون في زيارات لمصر لهم صفات موحدة من الصعب تجاهلها، فهم يرتبطون بحبل وهمي غير منطقي رغمًا عنهم ببلدهم الأم مصر، ويكون شعارهم.. وطني لو شغلت بالخُلد عنه لنازعتنى إليه في الخلد نفسي (يبدو أن لنيل مصر قدرات جاذبة لا يشعر بها المقيمين بها الشاربين من مياه مجاريها)، ولكن هؤلاء المهاجرون لا يلبثون إلا أن يحمدوا ربهم على فرارهم خارج الوطن، فعيوب البلد تقابلهم بسرعة وترحب بهم على بوابة الدخول، ولا تتنظر عليهم حتى يشمون نفسهم بين أحضان وطنهم وتذكرهم بالسبب الأساسي لهجرتهم.
لي أصدقاء منتشرين في جهات الدنيا الأربعة، فمنهم من هاجر إلى كندا ومنهم من هاجر إلى أستراليا ومنهم من هاجر إلى أمريكا، ودائمًا ما تتشابه حكاياتهم وشكواهم من بلدنا مصر والحياة الغير آدمية التي يعيشها شعب مصر، فالشوارع غير الممهدة والبلاعات التي تتفنن الحكومة في جعلها سببًا لتدمير عفشة أجدعها عربية بسبب علوها بصورة غير طبيعية، والحوادث التي تقابلك وفرار المواطن قائد السيارة الذي تسبب في الحادث دون أدنى ضمير يُذكر، ولا تنسى المياه العادية التي تصيب أطفال المُهاجرين بالمغص الدائم طوال فترة الرحلة لأن معدتهم بسكويت لا تستطيع هضم مياهنا شوفوا إزااااااااااي؟
أما بقى لو بقالهم سنين غايبين ومحتاجين لتجديد رخصة قيادتهم أو بطاقاتهم الشخصية فالوكسة هنا كبيرة، فيتم معاملتهم على أنهم أجانب حتى يثبت العكس، فالتذاكر مضاعفة والبقشيش أمر قهري، وطبعًا حكومتنا الغالية خافت على المهاجرين منها من نسيان فوت علينا بكرة شعار مصالح مصر الحكومية الرسمي فجعلت تجديد البطاقة الشخصية أمرًا واجب النفاذ، فيجب على الشخص الطفشان أن يزور مصالحنا الغير إنسانية ليعلن ولائه للبلد ويغير من بيانات البطاقة، رغم أن كلمة طفشان تكفي، ولو سألنا موظف حكومي مخضرم جرب مثلاً التعامل مع هؤلاء المواطنين العائدين سيرد عليك بأن فلوسهم ريحتها حلوة بس مناخيرهم في السما وبيطالبوا بحاجات مش موجودة عندنا.
طبعًا ناس متعودين على التعامل باحترام وعارفين أن من حقهم كمواطنين الحصول على حقوقهم كاملة دون الحاجة لدفع رشاوى لكن على مين يا إما الدفع يا إما المرمطة.
حقًا أشعر بأني أكره بلدي عندما أراها من خلال عيونهم، أتمنى أن يأتي اليوم الذي يزورونها فيه ولا يتمنون السفر منها منذ أول يوم تطأ أقدامهم أراضيها، نفسي يتمنوا يرجعوا يعيشوا فيها لكن هيهات فهذا من المستحيلات.