ماذا تبقىَ لنا؟

نشأت عدلي

بقلم : نشأت عدلي
جاءني صديق عزيز جدًا على نفسي ومعه أسرته.. تحدثنا عن العلاقات الإنسانية فتحدثت مع بناته، فإذ بابنته تتحدث -وهي في قمة الأسى- عن زميلاتها في المدرسة، وعلى العلاقات المبنية على المصلحة.. فزميلتها عندما كانت تجاورها في الفصل وكانت لها الصديقة الوحيدة وعندما انتقلت إلى فصل آخر انقلبت هذه العلاقة بل انتهت.
وتتحدث وهي في قمة المأساة: لماذا أصبح الناس هكذا؟ فأثارت في داخلي حزن شديد على جيل شوّهته المصالح، وأصبحت هي الأساس في العلاقات الإنسانية وكانت تحاول أن تؤثر على أبيها أن تنتقل من هذه المدرسة إلى أخرى، فسألتها هل تضمني أن تكون هناك علاقات غير مبنية على المصلحة؟ ودخلنا في مناقشة تكاد تكون مأساوية بيننا.

وانتهينا إلى أن الوجه الإنساني قد تشوه بدخول جرثومة التعصب إلى داخل النفوس ولوّثت البراءة الفطرية حتى في نفوس الأطفال وتغلغلت حتى وصلت إلى مفارق النفوس وأصبحت مريضة حقدًا، وتساءلت: مَن الذي تسبب في هذه الحالة المرضية التي وصلنا إليها؟؟ مَن الذي ساعد على تشوه الوجوه البريئة فأصبحت ملوثة؟؟
لقد سألت أبنتي مرة عن أصدقائها وزملائها في الجامعة، فإذ بها تجاوبني بحزم وقرف: ماليش لا زمايل ولا أصحاب إلا واحدة معايا في السكن!
واحدة فقط يا سادة في كلية بها آلاف الطلبة!! ولما سألتها عن السبب؟ أجابت بأنه لا يوجد الآن صداقة قائمة على الصدق، ولكن على المصالح والرغبات، فَصَمتّ ولم أجد إجابة بل لقد ارتحت نفسيًا لتفكيرها هذا.
لم أشجعها، ولكني لم أعارضها.
وأخذن الزوجات تتحدث عن علاقاتهم بين جيرانهم.. فأسمع بذهول عن أنه لا توجد أي علاقة سوى بجارة أو اثنان على الأكثر.. ويمكن أن تكون علاقات باهته لا تتعدى التحية.

لقد علمتهن الأيام والأحداث أن يفترقن وأن تكون الأسر متفرقة... تباعدت منازلنا مهما كان تقاربها... أصبحت النفوس نافرة... الكل قابع في مكانه... بعيد كل البعد عن أي أحداث نمر بها... أصبح الهم الجاثم على صدورنا (كيف نعيش؟؟).
نجري ونلهث من أجل توفير راحة لأبنائنا.. نسينا العلاقات الإنسانية وأواصر المحبة والعشرة وكأنها حلم وصحينا منه.. نجحت الوسائل الإعلامية في أن تزرع بذور التفرقة حتى بين أفراد البيت الواحد.. نجحت في أن تجعل نظرات الازدراء تحوط كل المختلفين عقائديًا مع العقيدة الرسمية للبلد... رسمتنا وكأننا غرباء.. كنبت شيطاني ظهر فجأة بدون جذور.
لقد تبنوا اندثار أواصر المحبة الحقيقية بيننا.. وأصبحت من الماضي.. من هذا الزمن الذي نطلق عليه الزمن الجميل.. وها هم ما زالوا مستمرين في هذه السياسة.. إلى متى؟؟ لا نعلم... فماذا يتبقى لنا بعد أن تباعدنا وبعد أن بدأت علاقات المحبة بيننا تحتضر؟؟