حقوقيون ليبيون ينتقدون بشدة بلدهم لتنفيذها أحكامًا جائرة بإعدام مصريين

ريان آدم

* الرابطة الليبية لحقوق الإنسان: لا يوجد في ليبيا قضاء مستقل ..والإعدام جريمة ضد الإنسانية
كتب: ريان آدم - خاص الأقباط متحدون

انتقد حقوقيون ليبيون ممارسات سُلطات بلادهم تجاه مسجونين مصريين وأجانب ينتظرون تنفيذ أحكام إعدام، حيث قالت أمس الرابطة الليبية لحقوق الإنسان إنها تعرب تمام عن أسفها من أنباء إعدام 12 شخصًا، يوم 9 أغسطس 2009 في سجن "الكويفية" سيئ السمعة بضواحي "بنغازي" معتبرين أن الإعدام جريمة وليس عقوبة وأنه فعل ضد الإنسانية.

وقالت المؤسسة الحقوقية: إذ تدين الرابطة بشدة عملية القتل هذه باعتبارها انتهاكًا للحق في الحياة وهو أسمىَ حق بدونه يفقد الإنسان جميع حقوقه، تود التذكير بأنها لم تكف منذ إنشائها عن المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام بمختلف مسمياتها، ليس في ليبيا فحسب بل في جميع أنحاء العالم.

حقوقيون ليبيون ينتقدون بشدة بلدهم لتنفيذها أحكامًا جائرة بإعدام مصريينويعكس هذا الموقف المبدئي حرص الرابطة على تعزيز الحق في الحياة كما يعكس إدراكها بأن الاستهانة بحياة الناس واسعة الانتشار في ليبيا التي لا يتمتع فيها الإنسان حتى الآن بحماية قانون عادل وقضاء مستقل، كذلك يمثل الإعدام عقوبة قاسية لا إنسانية ومناهضة للفلسفة الاجتماعية الرامية إلى المحافظة على حياة الإنسان لا إهدارها.

وللرابطة اعتقاد راسخ بأن الخطأ (الجريمة) يجب أن لا يقابل بخطأ الإعدام الأكثر ضراوة وخطورة على العلاقات الإنسانية بل يتعين إرساء أسس رصينة لتوجيه الأفراد بصورة بناءة نحو مجتمع يكافح ضد الفساد والجريمة. هذا وقد أثبتت التجارب في ليبيا وفي غيرها من البلدان أن التوسع في تطبيق عقوبة الإعدام والتي ينتمي معظم المهددين بمخاطرها إلى الفئات الفقيرة والمهمشة، لم يخفف من موجات الإجرام. وما إعدامات اليوم إلا دليل آخر بأن هذه الإعدامات لن تخفف من موجات الإجرام مثلما فشلت سابقاتها، أي الإعدامات في السنوات القليلة الماضية من ارتكاب الأعمال التي أدت إلى إعدامات اليوم.

كذلك فلن تردع إعدامات اليوم أفرادًا آخرين من القيام مستقبلاً بنفس الأعمال التي سوف تجرهم أيضًا إلى المشنقة إذا لم تبادر الدولة بإلغاء هذا العقوبة اللا إنسانية واستبدالها ببرنامج عملي متين لتوجيه الناس بصورة بناءة نحو مجتمع يكافح من أجل العدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسة.

إن الأولى بالسلطة في ليبيا التخلي عن هذه العقوبة والاكتفاء بوسائل ردع أخرى عند الضرورة مثل الحبس مع جعل السجون مؤسسات إصلاحية حقيقية يتم تعليم النزلاء فيها التحلي بالصبر والأخلاق الحميدة والابتعاد عن اللجوء إلى العنف وتعليمهم احترام الآخر والتعامل معه برفق ولين والأخذ بأيديهم حتى يصبحوا مواطنين صالحين يعرفون حدود حريتهم وحدود حريات الآخرين وإدماجهم من جديد في المجتمع ليعيشوا فيه وبه مثلهم مثل غيرهم من المواطنين.

انتقد حقوقيون ليبيون ممارسات سُلطات بلادهم تجاه مسجونين مصريين وأجانب ينتظرون تنفيذ أحكام إعداموتابع البيان شديد اللهجة: أكد خبر الإعدام على أن الأشخاص الذين اعدموا قد قاموا بـ "جرائم قتل عمد" وذلك في محاولة من وسائل الإعلام غير الحرة (لا تجيز السلطات الليبية الصحافة الحرة) لتبرير هذا العمل المنافي لحقوق الإنسان والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو: هل هؤلاء فقط هم الذين قاموا في ليبيا بجريمة قتل عمد؟ أين القضاء الليبي من قتلة شهداء بوسليم والقتل الجماعي المتعمد لمئات المساجين؟ كم مجرم متورط في مجزرة "بوسليم" قدم القضاء الليبي ليس للمحاكمة التي لا تبدو أنها على أجندته بل فقط للتحقيق؟ هل وجه القضاء الاتهام لأي شخص في تلك الجريمة المروعة؟ لقد حقق القضاء مع أهالي الضحايا الذين طالبوا علنا بمعرفة حقيقة ما جري لأقاربهم في "بوسليم" وطالبوا بالتحقيق مع المتورطين في تلك الجريمة، إلا أن "القضاء" لم يتجرأ حتى الساعة على توجيه اتهاما للمسئولين الحقيقيين عن تلك الجريمة (واضحة المعالم) والمعروفين لديه؟ هل ليس من حق الليبيين -والأمر كذلك- التساؤل عن نزاهة القضاء الليبي واستقلاله وهل لم يحن الوقت بعد لتخليص القضاء وتحريره من قبضة السلطة؟ أين هم قتلة أطفال بنغازي (أطفال الإيدز)؟ لم يعد هناك أدنى شك في أن الطاقم الطبي البلغاري لم يكن مسئولاً عن ما جرى في مستشفى الأطفال في بنغازي وبأنه قدم ككبش فداء بغية التغطية على المجرمين الحقيقيين الذين تاجروا في الأدوات الطبية وعرّضوا حياة أطفال ليبيا للتهلكة.

أين هو القضاء الليبي من هذه القضية؟ أين هم المتهمون؟ أين هم المجرمون؟ ألا يحق لليبيين توجيه النقد للقضاء الذي تخلى في هذا الملف عن واجبه في معرفة الحقيقة وردع المذنبين لصالح خدمة الأهداف السياسية والدبلوماسية الآنية للسلطة؟ هل صدرت تعليمات للقضاء بقفل الملف حتى ولو كان على حساب الحقيقة وحقوق أهالي الأطفال؟ هل يمكن للقضاء الليبي المندفع في إصدار أحكام الإعدام على هؤلاء المهمشين أن يلجأ إلى نفس الاندفاع لفتح تحقيقًا مستقلاً بالتعاون مع مؤسسات حقوقية دولية مشهودًا لها بالمهنية والنزاهة والاستقلال للوصول إلى الحقيقة وتحديد المسئوليات في هذا الملف الذي لن يغلق بالتقادم. إن إصدار أحكامًا بالإعدام على "رقاد ريح" والتملق لـ "لمجرمين" الكبار(القطط السمان) الذين يقفون وراء جريمة "بوسليم" وجريمة أطفال الإيدز وجرائم قتل عمد أخرى والتودد لهم لا يوحى بوجود قضاء مستقل في ليبيا.

إن وجود القضاء المستقل والعادل يتطلب فيما يتطلب ليس فقط توجيه الاتهام إلى مجرمي "بوسليم" وأطفال الإيدز، بل أيضًا توقيف ووضع على ذمة التحقيق كل من قام أو ساهم مباشرة أو بطريقة غير مباشرة في قتل الليبيين ضحايا جرائم قتل عمد ومنهم قتلة الشهداء الشيخ البشتى ودبوب وبن سعود ومصطفى رمضان ومحمود نافع وعامر الدغيس وحسين الصغير ومحمد حمى وحفاف والحضيرى والدكتور النامى والدينالى والعارف وكل الليبيين الآخرين الذين فقدوا حياتهم تعسفًا.