طبائع النيل

فرانسوا باسيلي

"في أغسطس من كل عام... تحتفل مصر بأعياد وفاء النيل"
بقلم: فرانسوا باسيلي
النيل بيت الفقير
سرير الغريب ومأواه
يفتح صدره للميت.. الحي
كي يوقظ الروح فيه
ويبعثه عاريًا
أو يضم رفاته
يبسط كف مواساة
للذي جاء يجهش في الليل
يمنحه كوب ماء
بغير شماتة
يجيء له الصابرون
الذين بلا سند
يجلسون على ضفتيه
بغير مبالاة

قد يحلمون قليلاً
وقد ينفخون بناياتهم
وقد يرفعون الصلاة
ويستنجدون بمن أرسل النيل
يمشي الهوينى
ويحمل آلامهم في خطاه
ولا يتعجل أحلامهم
ولا يدع الحادثات تؤرقه

فالجميع من الأرض للأرض
والأرض مضجعه ومداه
تقوم الممالك صاعدة
ثم تهوى على ضفتيه
لا يشغل البال بالقادمين وبالرائحين
فللأرض دورتها
وكل إلى حين
وتبقى على ضفتيه الرياحين
والناس يبقى لها الله

***
للنيل طبع المسنين
حكمة طول السنين
وصبر جميل
ومعاناة
***
للنيل طبع المصلين
والكاهنات
وآية مَن رفعوا الصلوات
إلى خالق العالمين
لأول مرة
وللشمس أسروا
على شهب المركبات
وعادوا من السموات
بنور مبين
وبأبواب مملكة الخلد
والشهد
والجسد المتجدد بالموت
والراحلين
***
للنيل طبع المحبين
يرغي ويزبد
على صخرة الرغبات
ويحمل ماء الجسد
ليروي ورود الحنين
وعشب العشيقات
فيغرقهن بشهد له وزبد
فتولد منهن بنت له
وولد

***
للنيل طبع فتى عاشق
وأحلام من داعبته الصبايا
ومن هام خلف هواه
ومن قطع الليل في سهر
ومناجاة
وفي الفجر يوقظه الشوق
والشمس تبعث فيه الحياة
وتهيج فيه الأساطير
وريح الخماسين تلثمه
وتدغدغه
وتهيئه ليذوق جلال الهوى
وينال الذي يتشهاه
وتعلمه
كيف يصقل سطح المياه
ويفرده كالمرايا
ليغري العذارى به

فيقبلن يتجملن
وينظرن فيه
فيعكس أحلامهن هوى وهدايا
ويذهلهن عن الوعي
يترنحن ويسقطن في حضنه
فيغسلهن بماء لديه
ويغمرهن فيتوردن
يصرن عرائس نيل
ويخرج من نسلهن
إلى الأرض جيل
وبعده جيل
ويمضي زمان
ويأتي
زمان
جميل