أمهات مثاليات

د. فكرى نجيب أسعد

بقلم: فكرى نجيب أسعد
" لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون "
( مت 22 : 14 )
يسعدنى أن أقترح بوضع موضوع عن أحد الأمهات القديسيات للكنيسة فى الخدمات الكنيسية لمختلف الأعمار كل عام بمناسبة عيد الأم ، ثم العمل على جمعها مكتوبة أو مسجلة ليتم وضع منها كتيبات أو نبذات أو وضعها على أحد المواقع الإلكترونية وذلك بعد حذف ما هو مكرر منها لتكون سبب بركة للجميع . وهو أقتراح أنقله إليك عذيذى القارىء بتصرف من موضوع تحت عنوان : " حول أعياد القديسين " من مجلة الكرازة التى يرأس تحريرها صاحب القداسة البابا شنودة الثالث .
لقد أخترت عن عام 2012 م سيرة الأم القديسة افروسينا أحد الأمهات المثاليات القديسات لكنيستنا القبطية الأرثوذكسية لأقدمها لك للبناء عليها بالأضافة أو أجراء التعديلات اللازمة عليها لتتناسب مع كل عمر.

نشأتها
ولدت القديسة أفروسينا فى عام 1228 م وتيتمت من والديها منذ الصغر فتولى رجل وزوجته ليس لهما أطفال تربيتها، وكانا تقيان يخافان الله. وتعنى كلمة أفروسينا بهيجة .
نمت أفروسينا فى الفضيلة وأحبت حياه البتولية وهجرت ملاذ العالم وشهواته ، وكانت منذ الصغر منفردة فى المنزل ولا تميل إلى الاختلاط الكثير بالناس وكانت تصوم يومين يومين وتصلى الصلوات المستمرة فى عزلتها .
ذات يوم طلبها شاب ليتزوجها لما تتمتع به من سيرة جميلة مرضية أمام الرب ، ولما علمت بذلك قصت شعرها حيث كانت ترغب فى حياه الرهبنة دون أن تخبر من توليا رعايتها بذلك ، فحزنا جداّ حيث كانا يريدان زواجها والفرح بها كابنة لهما ، ولما علما الشاب الذى طلبها بذلك حزن كثيراَ وشق ملابسه ، ولما تحقق بنفسه من تصميمها على عدم الزواج ورغبتها فى حياه الرهبنة ترك الزواج ولم يتزوج غيرها .
ذات ليلة رأت أفروسينا شيخاَ حسن المنظر وله هيبة حسنة وقد أقتلع شعراَ من لحيته وأعطاها لها قائلاَ : " خذى ذلك ليكون معك " وكأنه يدعوها بذلك لمشاركته لحياه النسك لاستحقاقها لها . فلما رأت ذلك زاد إشتياقها نحو الرهبنة وطلبت من الرب أن يعينها ويقويها للسلوك فيها .
أن متوليا رعايتها لما رأيا شدة عزمها المبارك نحو الرهبنة يئسا منها فأرادا أن يسلماها لرئيسة دير مارجرجس للراهبات بزويلة ، وكانا ذلك بغير رضاهما لأن مكانتها عظيمة جداَ عندهما لما تمتع به من سيرة حسنة يشتاق الكثير من الأباء والأمهات أن يكون لهم أبنة مثلها .

رهبانتها :
لا يجب أن نكون معطلين أو سبب عثرة ياأخوتى لمن يقصدون حياه الرهبنة ، واعتبار أن مفارقتهم لنا خسارة بل هو فى الحقيقة مكسب كبير لنا، فانهم سيعودون يتحدون بنا بصورة أفضل وأكثر قوة لنا وهو ما سيتم توضيحه بمشيئة الله فى هذه الرسالة الصغيرة لك .
لقد عاشت القديسة أفروسينا منذ دخولها الدير بالمحبة الكاملة نحو الرب ونحو الآخرين. فلقد كانت لا تلازم فقط الصلوات والصوم وقراءة الكتاب المقدس والعمل بوصايا الإلهية التى تعكس محبتها للرب ، بل كانت أيضاَ تلازم خدمة الجميع فى بشاشة وصبر وشكر ممجدة الله فى كل حين . وقد زادت أفروسينا فى النسك وإقتناء الفضائل كالمحبة ، والرحمة والصدقة الخفية للمحتاجين ، والصبر والأحتمال تحت رعاية رئيسة الدير وهى أم نقية قديسة كان الرب يشع عليها نوراَ عظيماَ نازلاَ من السماء عليها رأته القديسة افروسينا فى أحد صلواتها معها .
عندما تنيحت رئيسة الدير أقاموا القديسة افروسينا رئيسة للدير لما تتمتع بها من فضائل عظيمة كالمحبة والأتضاع التى فاقت بهما أخوتها بالدير .
أرشدت القديسة أفروسينا الراهبات بالوعظ والتعليم الروحانى وتداريب النسك والجهاد والصلاه والسهر ... وكان الراهبات إذا تخاصمن تعظهن بالكلام الروحانى مبكتة ذاتها إلى أن تربح نفوسهن وتقيم صلحاَ وسلاماَ بينهن .
" طوبى لصانعى السلام لأنهم أبناء الله يدعون "
( مت 5 : 9 )
من أقوالها :
+ إن ملكوت السموات لا يقتنى بذهب أو فضة ، لكن بالاتضاع ونقاوة القلب والمحبة الصادقة لكل أحد .
+ الذى يقصد خلاص نفسه يجب أن يعطى فضة لمن يشتمه ويحزنه ، حتى يكتسب فضيلة الآتضاع .
+ إذا أساء إليك أحد بكلام ردىء فاطلب من الله أن يغفر له وأن لا يحسب عليه تلك الخطية .

أظهر الله فضائلها ومواهبها إذا أعطاها الرب موهبة كشف أفكار الناس ، وموهبة الشفاء وصنع المعجزات ويظهر عمل القديسة النقية القلب مع الذين أختاروا بحريتهم الشخصية أن يعيشوا فى العالم خارج أسوار الدير فى الآتى :
+ كانت القديسة تشارك كل ما هو فى ضيقة وشدة روحية بالصلاه من أجله إلى أن تزول عنه ضيقته وشدته ويتقدم فى روحانياته، وكانوا يعملون كل ما تنصح به القديسة ، أما الذين فى ضيقة مادية من المحتاجين والأيتام كانت توفر له الكسوة وتبذل كل جهد عند الأراخنة حتى تزول عنه ضيقته المادية مع مساعدته فى الطلب من الله عنه.
+ تترفق بالخطاه الذين يسلكون طريق غير مستقيم وتعطيهم الرجاء وتبذل نفسها عنهم حتى يعطيهم الرب توبة صادقة كتوبة الأبن الضال .
+ تشدد قلوب الذين فى ضيقة ، الراغبين الخروج عن الإيمان المسيحى ، وكانت تردهم بصلواتها وتعاليمها المحيية ، وتشدد قلوبهم بالتمسك بالإيمان المسيحى.
+ تعظ وتملأ بالعزاء الروحانى الذين قطع رزقهم ومنعوا من أعمالهم بسبب الأضطهاد .
+ تصلى من أجل الذين يعانون من أمراض وكان الرب يستيجيب لطلباتها ويصنع على يديها الشفاء ، وكانت توصى الذين صنع الرب معهم معجزة سواء من أخوتها فى الدير أو من الذين خارجه بان لا يشيع خبرها لتخفى فضائلها وتبطل عنها المجد الباطل وقتال عدو الخير .

معجزات شفاء للقديسة :
من المعجزات التى أجراها الرب بواسطة طلبات القديسة أفروسينا أمام عرش النعمة الإلهية والتى أقتدرت كثيراَ فى فعلها أذكر :

شفاء من الجزام والرمد :
كانت أمرأه متزوجة مصابة من مرض الجزام ، أنفق أموالاَ كثيرة على الأدوية وللأطباء دون جدوى ن ولما أنقطع رجاؤها ولم تجد شفاءَ ، حضرت إلى القديسة افروسينا وتضرعت إليها لكى تصلى من أجلها . طلبت القديسة من الرب أن يشفيها ، فاستجاب طلبتها وشفاها من مرضها هذا ، ولم يبق أى أثر فى جسدها لذلك الجزام ثم عادت وحضرت إلى القديسة مرة أخرى حيث أصيبت فى عينيها برمد شديد وسألتها أن تسأل الرب من أجل شفائها بعد أن أنفقت أيضاَ مالاَ كثيراَ على الأطباء دون اى شفاء ، فصلت لأجلها فشفيت من الرمد الذى كانت تعانى منه .

شفاء من سم :
كانت أخت راهبة قد أكلت طعاماَ فاسداَ فحدث لها مغص وظهر على جسدها مرض جلدى وقطع الأطباء الأمل فى الشفاء ، فقالت للقديسة افروسينا : انظرى لي فإن الأطباء قالوا إن هذا المرض لن يزول عني فقالت لها القديسة لا تسمعى كلامهم واخذت دهن ودهنت بها جسدها فانشف المرض وصار كالقشور وزال عنها المرض تماماَ وعاد جسدها كما كان أولاَ . هكذا يفعل الرب أحياناَ مع الإنسان المريض بأن يتحرك فى الوقت المناسب بالشفاء عن طريق قدسيه عندما يفشل العقل البشرى والأذرع البشرية بالشفاء .

شفاء من حمى :
إنسان كان عنده حمى شديدة طالت لمدة كبيرة وقد استعمل أدوية كثيرة دون أن يشفى بل وازداد المرض عليه فأرسل للقديسة افروسينا وسألها الصلاه لأجله لكى يشفى من مرضه هذا ، فأخذت القديسة جرة ماء وصلت عليها وأرسلتها ليستحم بها فاستحم بذلك الماء وللوقت زال عنه الحمى وبرىء جسده تماماَ بقوة الرب يسوع المسيح وصلوات القديسة افروسينا .

شفاء من كساح :
كانت راهبة تسمى مرثا عندها ألماَ شديداَ بالمفاصل ، إلى أن صارت كسيحة ، وأنطبقت أصابع كفها ، وكانت فى حزن شديد بسبب ذلك ، أرسلت إلى القديسة افروسينا تسأل الصلاه من أجلها فأرسلت لها القديسة قائلة : أصبرى إلى النيروز وسيزول عنك هذا جميعه .
ولما كان النيروز أرسلت تلك الراهبة إلى القديسة تذكرها بالوقت الذى قالت عنه فأخذت القديسة زجاجة ماء وصلت عليها وأرسلتها لها مع تلميذتها وقالت لها : صلى على الزجاجة المزمور الكبير ( 118 ) وأعطيها لها ففعلت كذلك ، فأخذت الراهبة هذا الماء واستحمت به ، وبعد ثلاث ساعات عادت أصابعها إلى ما كانت عليه أولا.َ
وفى ثانى يوم ذهبت إليها القديسة افروسينا قائلة لها : انهضى فأجابتها لا أستطيع ذلك ، فصلت عليها ولوقتها نهضت قائمة وزال عنها جميع الألم ، ففرحت فرحاَ عظيماَ .
وكان كل من يسمع بذلك يمجد الله المنعم على قديسيه بهذه الموهبة العظيمة .
نياحتها :
تنيحت القديسة افروسينا فى 9 أمشير عام 1024 للشهداء الموافق 16 فبراير عام 1308 م أى منذ سبعة قرون تقريباَ وكانت مدة حياتها يزيد قليلاَ عن الثمانين سنة واستراحت من تعب العالم وأحزانه وحضر الأب البطريرك البابا يؤنس البطريرك ال 80 واجتمع الكهنة والأراخنة والشعب وصلوا عليها فى البيعة المقدسة بالتسابيح كما ينبغى وهم فى حزن لفقدهم تلك الجوهرة النفيسة ، كنز التعاليم والروحانية المحيية .ويوجد جسدها المبارك بدير الشهيد مارجرجس للراهبات بحارة زويلة .
بركة صلواتها فالتكن معنا جميعاَ آمين

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع