أزمة منتصف العمر الرائعة

مادلين نادر

عرض: مادلين نادر
تؤكد "ايدا يوشان" في كتابها أزمة منتصف العمر الرائعة على أن مرحلة منتصف العمر(45 : 60 سنة) تعد هي الوقت المناسب ليحصد الإنسان ما زرعه خلال سنوات طويلة .وهي بذلك ترفع الوشم الغبي لهذه المرحلة العمرية بأنها "سن اليأس" وتعيد للمرأة دورها الإنساني والإبداعي الممتد ما امتدت بها الحياة.
 
تبدأ الكاتبة أول فصول الكتاب بالإجابة على تساؤل هام يتبادر إلى الإذهان عند قراءة عنوان الكتاب، فتجيب على سؤال: "ما وجه الروعة؟" وتشير إلى أن هذه المرحلة تعد مرحلة لمزيد من النمو والوعي، والفترة التي يبتعد فيها البعض عن الاهتمام برأي الآخرين فيهم، ويكون اهتمامهم منصبًا على حسن تقديرهم لأنفسهم، وهنا تكمن روعة هذه المرحلة.

تجدر الإشارة إلى أن الكاتبة قدمت كتابها وهي على أعتاب الخمسين من عمرها، لتقوم بذلك بنفض غبار الأفكار والاتجاهات التي تشربتها حتى النخاع في طفولتها ومراهقتها، والتي تقول إن النمو الذهني والتعلم امتيازات للطفولة فقط، فتؤكد من خلال تجاربها وتجارب زوجها المحلل النفسي، أن العكس تمامًا هو الصحيح، فما يحصل بعد السن العشرين لا يقل أهمية وخطورة عما حصل قبل هذه السن، وتقول "ايدا لوشان" في بداية كتابها: "إن التحليل النفسي بسبره أغوار -سنوات التكوين- أدى إلى تشويه رؤيتنا، وقادنا إلى الطريق السهل من الاعتقاد بالجبرية المطلقة.

 فالكثير منا وقد نشأ في ظل الثورة التي حصلت في علم النفس في الخمسين عامًا الماضية، يصل إلى الخلاصة الخرقاء، حيث إن معظم توجهاتنا وقيمنا الأساسية تعود بجذورها إلى خبرات الطفولة، فإننا نتوقف عن القيام باختيارات حقيقية ذات معنى ونحن كبار، لذلك تعتبر الكاتبة مرحلة منتصف العمر هي الفترة التي يمكن المرء فيها أن يُكوِّن ذاته بكل العمق والصدق، ففي هذه المرحلة نكون أشد استقلالية من أي وقت مضى، ويصبح في إمكاننا اكتشاف طبيعتنا وتأكيد تفردنا، كما أننا نملك من أجل إعادة تقويم ذاتنا كل النضج والحكمة والقوة التي جمعناها خلال ما عشناه.

وتقارن الكاتبة بين موقف النساء والرجال في منتصف العمر، وتؤكد أن المرأة أشد قبولاً لهذه المرحلة، لأن النساء يملكن القدرة على أن يتحدثن، فتتدفق مشاعرهن تدفقًا ويشعرن بمخاوفهن وغضبهن في وضوح تام، وهن في حالة دائمة من الفحوص والتقويم لحياتهن، أما الرجال فأقل مرونة وأدنى تبصرًا، ويحجبون أنفسهم عن إدراك مشاعرهم، كأن لسان حالهم يقول: "لم أبقَ الرجل الذي تعودت أن أكونه". ويحتل موضوع الاحتفاظ بالجاذبية الجنسية الأهمية الأولى لدى الرجل في منتصف العمر، إذ يشعر بإحباط ويأس شديدين من تراجع قدرته الجنسية.. فيوهم نفسه بأنه لا يزال مرغوبًا وفتيًا...

إن شبح الخوف من العجز الجنسي، مع تقدم السن، يتلاشى بقدر ما يجد كل رجل جوهره الخاص، وتفرده، وقدرته الإنسانية على الحب والعمل والعلاقة الوثيقة بالحياة.

وتخصص "لوشان" فصلاً كاملاً في الكتاب لإنعاش الروح تعلمنا فيه كيفية تركيز الانتباه داخل الذات، وكيف ننأى بأنفسنا عن المؤثرات الخارجية التي تمنع صلتنا بمشاعرنا وأفكارنا العميقة.. وتعتبر الكاتبة أحلام اليقظة مصدرًا رائعًا لإنعاش الروح.. والأطفال يفهمون ذلك بالسليقة، أما الكبار فيعتبرونها "فعلاً لا شيئًا".

وترى الكاتبة أننا يجب أن نولّد في داخلنا إحساسًا عميقًا بالحيوية والرضى، لمجرد أن نكون مع ذاتنا، ففي واقع الأمر ثمة رفيق واحد يمكنك الاعتماد عليه طوال حياتك هو نفسك، فيجب أن تربطك بها صداقة قوية وهادفة.. كما تظهر الكاتبة أن أهم أسباب التدهور الذهني والجسدي للأشخاص، هو اعتزال الأدوار، التي كانت تمنح المرء الهدف وسبب وجوده.

وتجيب الكاتبة في الفصل الأخير للكتاب عن تساؤل حول إمكانية وجود نهضة وتغيير وتطوير في منتصف العمر؟ وتؤكد أن ذلك ممكنًا ولكن فقط حينما يكون لدينا القدرة على التعامل مع التغيير بإيجابية بدلاً من إنكار وجوده ومحاولة أن يبقى الحال على ما هو عليه.. وتشير الكاتبة أيضًا في هذا الصدد إلى أهمية الإرادة في تحقيق ذلك، وتكون مرحلة منتصف العمر هي الوقت الذي نبدأ فيه بإرضاء أنفسنا، وكلما أرضيناها أكثر كلما أصبحنا أكثر سعادة.