CET 00:00:00 - 18/08/2009

مساحة رأي

بقلم: لطيف شاكر
.... واذن فلا يري التاريخ الصحيح في موقف العامة وزعمائها وأهل الرأي فيها أثراً لفكرة الاستقلال الوطني ولا يسجل إلا لمصري واحد من أهل هذا العصر فضل اعتبار الاحتلال الفرنسي.. لا فترة نحس، يرجى زوالها وعود الى ما سبق، بل بدء حياة جديدة لمصر والمصريين مهدت لها الحملة الفرنسية بقطع التبعية العثمانية وهدم قوة المماليك، وذلك المصري هو المعلم يعقوب حنا.... (د. محمد شفيق غربال(
يقول دكتور محمد صبري في مؤلفه (تاريخ مصر الحديث) يعقوب في بداية الاحتلال الفرنسي التحق بخدمة ما يلي: ان الفرنسويين الذين دخلوا مصر اصدقاء، يحملون راية جديدة، وهي راية الحرية، وبارح مصر على رأس وفد مصري مؤلف من أعيان القبط، وكانت فكرته الأساسية مخاطبة انكلترا في امر استقلال مصر، ولكن وفاته العاجلة في الطريق قضت فجأة على مشروع مفاوضة دول اوربا في ذلك الاستقلال.
الذي يبحث ويتحقق إلى ما كتبه المؤرخين وهم كثر في شأن المعلم يعقوب لا يجد فيه البته نعرة العنصرية، فيقول دكتور لويس عوض: أن يعقوب نفسه يؤكد ان موقفه (غير متحيز) لطائفة دون طائفة، مما يوحي بأنه كان على الأقل يصور نفسه ممثلا لكل طوائف الشعب المصري، لا فرق في ذلك بين المسلمين والأقباط او بين الأكثرية والأقليات.
وتكتب الدكتورة ايريس حبيب المصري في مجلدها الرابع في هذا الشأن: الذي يتضح لنا من تتبع سيرة الجنرال يعقوب انه وإن يتطلع نحو استقلال الوطن، ونحو تأليف جيش وطني، لم يكن خادما لكنيسته إطلاقاً، بل لقد اتخذ احيانا موقفا معاديا منها، فلم يقل أحد عنه حتى مادحوه، أنه بنى كنيسة او اوقف عليها شيئا من امواله الطائلة، ولا انه صرف على ترميم كنيسة، أو نسخ الكتب الكنسية أو ساهم في أي مشروع كنسي 
ويقول يعقوب نخله روفيله في كتابه "تاريخ الأمة القبطية" المطبوع سنة 1898 في زمن قريب من أحداث الحملة الفرنسية والمعلم يعقوب : وسار يعقوب هذا في خطه مخالف ما كان عليه أبناء جنسه من حيث الهدوء والسكينة والصبر والاحتمال، وفداء أرواحهم.. وبذل المال والعطايا، بانه فضلا عن مخالفته لهم في الزي والحركات اتخذ له امرأة من غير جنسه بطريقة غير شرعية، على ان رجال الدين، ولاسيما البطريرك لم يكونوا راضين عن تصرفاته وأحواله – وان ما كان بينه وبين الرئاسة الكنسية من منازعات ومشاحنات دفعه إلى التجرأ على الدخول إلى الكنيسة ممتطيا جواده - معتذرا عن هذه الجسارة بان من كان جندياً مثله يلزم ان يكون على الدوام على أهبة الاستعداد, وهذا لا يمنعه من تأدية الفرائض الدينية (والعهدة على الراوي).
ويقول الجبرتي الذي كان كارهاً ليعقوب ومعاصرا له: ان ما اعتقده البطريرك مخالفا وحسبه تهورا وخروجا عن الحد، كان سببا في حفظ حياته وحياة كثير من الأقباط، لاسيما سكان الأزبكية حينما أختل النظام عند استعداد الفرنسيين للجلاء، ودخول عساكر العثمانيين وتحريض نصوح باشا قائدهم بالفتك بالنصارى وابادتهم.
ويؤكد كثير من المؤرخين انه لولا فيلق يعقوب لما نجا اقباط القاهرة من موت محقق بيد نصوح باشا وأعوانه العثمانيين والمماليك ورعاع المسلمين.
 وهل كان يعقوب منفردا في خدمة الفرنسيين؟
يذكر الاستاذ عبدالعزيز جمال الدين صاحب موسوعة "تاريخ مصر" في مجلده الرابع: أن الشيخ البكري كان يوالي الفرنسيين، ويرسل اليهم الأطعمة وخلافه، وقد خلع الجنرال كليبر (القائد الفرنسي) عليه خلعة عظيمة بعد تناوله الغذاء معه , ومع عدد من شيوخ الأزهر.
كما يبين كتاب الكافي الجزء الثالث بان كليبر منح الشيخ محمد الطناوي رتبة الاغا لتعاونه الحسن مع الجيش الفرنسي.
وقد دعا مراد بك الكبير - مسلم - الجنرال كليبر واعوانه إلى وليمة اعدها لهم في جزيرة الدهب، وبعد الغذاء قدم مراد بك هدايا وغنايم كثيرة جداً ومنها أربعة آلاف رأس من الضأن وعجول البقر، وقد قلده كليبر إمارة الصعيد من جرجا إلى إسنا.
ويقول د. احمد مجاهد رئيس هيئة قصور الثقافة في جريدة روز اليوسف بتاريخ 5-6-2009 ان الفيلق الذي كان المعلم يعقوب قائده ضم عددا كبيراً من المسيحيين، وان الشخص الثاني في قيادة هذا الفيلق بعد المعلم يعقوب كان شخصاً مسلماً.
ويذكر جاك تاجر المؤرخ الانجليزي في كتابه "اقباط ومسلمون" بانه بالرغم من تحيز الجبرتي ضد يعقوب إلا انه قال (على ان الأقباط لم يكونوا اول من زود الجيش الفرنسي بالرجال، فقد سبقهم إلى ذلك عمر الفلقجي الذي توسط لمغاربة الفحامين وجمع منهم ومن غيرهم عددا وافرا وعرضهم على ساري عسكر الفرنسي، فاختار منهم الشباب والأقوياء وأعطاهم سلاحا وآلات حرب ورتبهم عسكرورئيسهم عمر الفلقجي).
ويضيف جاك تاجر عن المماليك: أنهم انضموا إلى الفرنسيين بعد المغاربة، أما الأقباط فكانوا آخر من التحق بالجيوش الفرنسية.
وعندما اراد نابليون مشاركة المصريين معه في الحكم شكل مجلس اسماه شئون الديوان وكان هذا المجلس منوطا بتوصيل الأمور والأحداث للحاكم الفرنسي وتقديم المشورة له، شكله نابليون من شيوخ الأزهر الذين استقبلوا هذا بامتنان, مع عدد من الفرنسيين وقد خلا التشكيل من الأقباط ترضية للمسلمين وتنفيذا لسياسته في محاباته للمسلمين على حساب الأقباط.
ومن طرائف القول، ان مراد بك في ولائه للفرنسيين كان اول من يبعث برسائل تعزية مؤثرة في مقتل كليبر مستنكرا هذا العمل الخسيس، كما وصفه في رسائله ووصف القاتل سليمان الحلبي بانه خائن قليل المروءة.
وقد امتدحه القائد الفرنسي مينو بقوله عن مراد بك (أنه احد مواطني الجمهورية الفرنسية). وحينما توفى مراد بك نعاه الجبرتي بأسوأ نعي قائلا بانه كان من أعظم الأسباب في خراب مصر بما حدث منه ومن مماليكه من جور وظلم.
ويقول دكتور لويس عوض في كتابه (تاريخ الفكر المصري الحديث) انه بعد إخماد ثورة القاهرة الثانية اشار مينو القائد الفرنسي على اعضاء الديوان – المشكل من المسلمين دون المسيحيين – ان يرسلوا تهنئة إلى بونابرت بمناسبة تعيينه قنصلا اول في فرنسا وان يبدو رغبتهم في انضمام مصر إلى فرنسا نهائيا، وبادر المشايخ (البكري، الشرقاوي، محمد الأمير، المهدي، الصاوي، الفيومي، الرشيدي وعبدالرحمن الجبرتي المؤرخ المعروف) باعداد الخطاب اللازم في هذا الشأن..!!!.
هل كانت مصر تحكم من حاكم مصري قبل الاحتلال؟
في هذا المقام يقول د. محمد شفيق غربال شيخ المؤرخين وإمامهم الآتي: (اول ما في تأييد يعقوب للتدخل السياسي الغربي :هو تخليص وطنه من حكم لا هو عثماني ولا هو مملوكي، وإنما مزيج من الفوضى والعنف والإسراف ولا خير للمحكومين فيه ولا للحاكمين إذا اعتبرناهم دولة قائمة مستمرة...
وثاني ما في التأييد :هو إنشاء قوة حربية مصرية مدربة على النظم العسكرية الحديثة الغربية. والذي نروم أن نذكره وننبه إليه هنا في ضوء الوثائق التي وجدت حديثاً في محفوظات وزارة الخارجية الإنجليزية ,هو ان فكرة الاستقلال المصري كانت الهدف الأساسي ليعقوب ومن أجله ترك مصر إلى فرنسا ثم إلى انجلترا فيما بعد,لعرض مشروع الاستقلال المصري ولديه في جعبته من الأسباب والمبررات والإقناع لفرنسا وانجلترا والمزايا التي ستعم عليهما بعيدا عن سلطة الباب العالي والمماليك، إلا ان لحظنا العاثر وافته المنية بعد أربعة أيام من ركوبه المركب المتجه إلى فرنسا (مشروع الاستقلال اسرى به يعقوب لكابتن المركب جوزيف ادموتور بالإضافة إلى لاسكارس المترجم وسكرتير الجنرال يعقوب وقاموا بعرض مشروعه لاستقلال مصر على الحكومة الانجليزية والمسئولين الفرنسيين).
ويظن بعض المؤرخين، مثل جورج دوان انه لولا وفاة الجنرال يعقوب عميد الوفد المصري سنة 1801، وهو الشخصية الوحيدة ذات الهيبة بين أعضاء الوفد لاستمع نابليون إلى مشروع استقلال مصر، وربما تغيرت نتيجة لهذا النصوص الخاصة بمصر في معاهدة اميان المشئومة (المعاهدة اعطت مصر للباب العالي نهائياً عن طريق الحكومتين الانجليزية والفرنسية).
الفرق بين عمر مكرم والجنرال يعقوب نحو الاستقلال
يقول المؤرخ العظيم د. شفيق غربال: أنه يوجد فرق كبير بين يعقوب وعمر مكرم، فيعقوب يرمي إلى الإعتماد على القوة المدربة وعمر مكرم يعتمد على الهياج الشعبي الذي يسهل إثارته ولا يسهل كبح جماحه، والذي قد يصل سريعا لتحقيق اغراضه، ولكنه لا يصلح قاعدة العمل السياسي الدائم المثمر، فكما ان العامة سريعة الهياج في أوقات الخلل وإضطراب الحكم، فهي ايضا سريعة القنوط خصوصا إذا اصطدمت بجند مسلحين.
كما ان الأعمق من هذا فان عمر مكرم لم يفكر في تكوين قوة عسكرية وطنية، لانه لا يتصور مصر إلا خاضعة لحكم المماليك تحت سيادة الباشا التركي، ولا يرمي إلى أبعد من هذا.. أما يعقوب فله شأن آخر إذ أنه لا يريد عودة المماليك والعثمانيين لحكم البلاد، وإنما يعمل على ان تكون لفئة من المصريين يد في تقرير مصير الوطن، بدلا من ان يبقى حظهم كما كان سابقا  قاصرا على التفرج او الاشتراك في نهب المهزومين.
ويذكر الجبرتي بان الألبانيين (من ألبانيا حاربوا مع الأتراك ومنهم محمد علي) كانوا يرددون على مسامع العامة (نحن مع بعضنا وانتم رعية تخضعون لمن ينتصر منا).
ويقول د. لويس عوض: هكذا دفعت عمر مكرم معتقداته ان يقاتل الفرنسيين تحت اللواء العثماني والمملوكي ودفعت يعقوب معتقداته ان يقاتل العثمانيين والمماليك تحت اللواء الفرنسي.
ألا يستحق هذا الرجل" الجنرال يعقوب" الوطني ان تخلد ذكراه بدلا ان يتهم بالخيانة، وأن يوضع في مقدمة صفوف الأبطال الأحرار.. بدلا ان ينعتوه بأسوأ الإتهامات – لقد اراد ان يخلص مصر من قبضة أسوأ محتل في التاريخ واشر خلق الناس الأتراك والعثمانيين كما يذكر المؤرخ عبدالعزيز جمال الدين ...يقول مرشد الإخوان المسلمين: نوافق ان يحكمنا ماليزي او اندونيسي (صومالي, يمني...) مسلم عن ان يحكمنا مسيحي (قبطي مصري أصيل) يا للخزي والعار والتخلف..!!
ولهذا السبب اغفلوا ما قام به الجنرال يعقوب القبطي نحو استقلال مصر, ورموه بابشع الإتهامات بقصد الطعن في وطنيته لتعاونه مع المحتل الفرنسي لتحرير الوطن من يد الأتراك والمماليك وأصبح النور ظلاماً،واضحي الابيض اسود , والحكمة تبررت منهم,والتعصب اعمي عيونهم في وضح النهار ... ويا للعجب!!
وللحديث بقية.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق