CET 00:00:00 - 01/03/2009

مع رئيس التحرير

هل هناك علاقة بين الهندسة والإعلام؟ سؤال يراودني من حين لآخر -والمقصود هنا هو إعلام الصحافة التقليدية أي إعلام الكلمة-.
وقد تكون الإجابة بالنفي، فلا توجد علاقة سواء من الناحية النظرية البحتة أو من ناحية المنظور العلمي المطلق بين الصحافة والهندسة، حيث أن مبادئ الهندسة لا تقبل التأويل أو التفسير فتكون لها براهينها التي تقبل الصواب وترفض الخطأ، أما الكلمة فتتمثل قوتها في تأويلها -ويتمثل ضعفها في فهمها بمعانيها المجردة وليست بما يُستَشف من وراء الحروف-.
فالكلمة تحجز لها موقعها الخاص في عقل الإنسان ومنه لها تأثيرات عِدة من انفعال غاضب رافض إلى تأييد مطلق مُناصر وغيرها من الانفعالات والانفلاتات الإنسانية، أما الهندسة فقد تُجهدك في فهمها لأنها لا تقبل أن تُفهم خطأ، فإما استوعبتها وأحببتها أو أخفقت وتركتها وهنا قد نلجأ إلى الكلمة لتبرير عدم فهمها والتبريرات عديدة والكلمة تعطيك حرية اختيار المبررات.
لماذا هذه المقدمة؟ ببساطة لأني وجدت نفسي ودون سابق إنذار أو تخطيط قد انتقلت بعد 25 عام من الانخراط في مجال هندسة الكمبيوتر وبرمجة العقول الالكترونية للقيام بوظيفة معينة وكمعاصر متفاعل ايجابياً مع التطورات التكنولوجية القافزة أي من مجال الفهم المطلق إلى مجال الإعلام الصحفي بما يغور بي في بحر الكلمات المنسقة بمختلف أنماطها الكتابية من مقالات إلى حوارات فتحقيقات وتقارير وغيرها من الأدوات الصحفية المعروفة.
والمفاجأة هي القبول السريع المتبادل بيني وبين المجال الجديد، فوجدت نفسي أنغمس في هذا المجال رويداً، يجذبني إليه بشدة فمَلكني وتملّكني، ولعل اختلاف نوعية العقول التي تعوّدت على التعامل معها طوال 25 عاماً من عقول تنفذ ما يُكتب لها من برامج دون كلل أو ملل أو اعتراض إلى العقل البشري بكل ما يمتلكه من خلايا حية يتأثر بما يقرأ وينفعل فيكتب ويجادل ويحلل وهذا من أحد أهم أسباب التجاوب والانجذاب والتوافق السريع.
وبدأ العمل في المزج بين ما تقدمه العقول الإلكترونية من تقنيات فنية والعقول البشرية وما تخرجه من إبداعات فكرية.
وتحوّل موقع "الأقباط متحدون" من موقع إلكتروني يُحدّث حسب ما يتلقاه من مقالات أو أخبار عن أحداث قبطية طائفية هامة أو عاجلة -تأتي بطريقة غير منتظمة- إلى جريدة إلكترونية يومية ومنبر إعلامي ينقل فكر وحدث ورأي ورؤية وقضية بأقلام شابة وجدت نفسها في الموقع، فشكّلَته بحيوية الشباب فنبضَّ بقلمهم وفكرهم ونجحت التجربة لنكون أول جريدة إلكترونية مصرية قبطية لها كُتّابها ومُراسليها وإدارتها.
ووجدت نفسي من سعداء الحظ الذين كان لهم فرصة العمل والتعاون مع الخبرة والشباب، والخبرة متمثلة في شخصية فريدة من نوعها، شخصية تجمع بين الصرامة في العمل وجمال الإنسانية شخصية، تتفاعل بشدة مع هموم الوطن وأبنائه الصغير قبل الكبير، الفقير قبل الغني، ولا تكل عن العطاء بكل ما تُعنيه كلمة عطاء من معاني شاملة، والاهتمام بأدق التفاصيل سواء التفاصيل التي تتعلق بخصوصية العمل أو بهموم الأقباط والمصريون بغض النظر عن كينونتهم الدينية.
وهو فعلاً تنطبق علية مقولة (إن مصر بأبنائها وهمومها وإخفاقاتها ونجاحاتها وحضارتها عايشة داخلة يتفاعل معها ويؤثر فيها ويتأثر بيه).
إنه شخصية لها حضور مؤثر، لا تكل من الاستمتاع بالجلوس معها وتبادل الآراء، أنه الرجل الذي بنيَّ هذا الصرح وتبناه، فكبر الموقع وكبر معه الشباب بفكرهم ووجدوا فرصتهم للإبداع سواء معه مباشرة أو بدعمه وتشجيعه لهم.
 من مميزات الصحافة الالكترونية إنها خليط بين الصحافة التقليدية والتكنولوجيا الحديثة مما جعلني أُرضي ميولي الهندسية التقنية إضافة إلى المتعة المكتسبة من فن تنسيق الكلمات وإبداع إدخالها عبر لوحة المفاتيح التي تحوّل ضربات الأصابع إلى نبضات فكرية تُشع فكراً يظهر على شاشات الكمبيوتر.
ودور الهندسة هو التفنن في طرق عرض تصميم الموقع ليصل إلى فكر القارئ بطرق تجمع بين سهولة التصفح ويسر الانتقال من موضوع لآخر وبين الموضوعات المختلفة وسرعة التحميل وفن اختيار الألوان والأشكال الهندسية حتى يسهل التواصل بين المتصفح وما يحتويه الموقع من مواضيع ومعلومات.
ولهذا لم اشعر يوماً ما إني قد ابتعدت عن مجال الهندسة بل اكتسبت بالإضافة لهذا المجال معرفة طرق (هندسة الكلمة).
يا له من مجال شيق.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٣ صوت عدد التعليقات: ٢١ تعليق