CET 00:00:00 - 25/08/2009

مساحة رأي

بقلم: منير بشاى
سواء عن طريق التوريث أو المبايعة أو التعيين أو الإنتخاب (على الطريقة المصرية)، أو بأى وسيلة أخرى إبتكرها الإنسان، فإن الدلائل كلها تشير الى أن رئيس مصر القادم هو جمال مبارك. بل ويتوقع الكثير من المراقبين السياسيين أن هذا سيتم فى موعد أقرب مما نظن.
ومع أننى مثل الكثيرين لا أحبذ مبدأ التوريث، ولكن للضرورة أحكام، فشخصيا أفضل جمال مبارك على كل البدائل الخطيرة الأخرى التى تنتظر الفرصة لتقفز على الحكم. ونفضيلى للرجل يبنى على أساس أنه رجل مدنى يأتى بعد أكثر من نصف قرن من حكم العسكريين. ثم هو شاب متفتح ومتعلم وذو ثقافة غربية ويتمتع بثقة وتأييد العالم وهذا سيجنب البلد إحتمال الصدامات الدولية ويضمن إستمرار سياسة السلام القائمة.
ولكنى كقبطى من حقى أن أتساءل: ماذا عن موقف الرجل من القضية القبطية؟ وربما يكون الجواب على هذا قد جاء ضمن ما أطلقه جمال مبارك مؤخرا من تصريحات التى تعطينا  لمحات عن بعض آرائه فى المسألة القبطية. فى تصريحات له بتاريخ ١٢ أغسطس ٢٠٠٩ جاء قوله: " أحب أن أشير إلى أنه هناك مشكلات للمسيحيين فى مصر. لكن حلها يأتى بالحوار الهادئ والمصارحة والمكاشفة".

الجديد فى هذا التصريح أن جمال مبارك، إذا وصل فعلا لحكم مصر، سيكون أول رئيس مصرى منذ سنة ١٩٥۲ يعترف أن للمسيحيين مشكلات، وهذه خطوة ايجابية تحسب له.  فالمشكلات القبطية كثيرة ولا داعى لإنكارها ومن أمثلتها الغبن فى التمثيل النيابى والإستبعاد من الوظائف القيادية، والتعنت فى تصاريح بناء الكنائس، وتصاعد العمليات الإرهابية ضد المسيحيين،وخطف القاصرات،  وغيرها...
وكانت الحكومات السابقة تتعامل مع هذه المشاكل بالمراوغة والخداع والكذب. فكانت تنكر أن للأقباط مشكلة وتصر على أنه لا توجد تفرقة بين المواطنين على أساس الدين. ومن وقت لآخر كانت تصدر القرارات الصورية لإعطاء الأقباط بعض المزايا الشكلية التى لا تغير من الواقع شيئا.  فمثلا عندما قررت الحكومة إعتبار عيد الميلاد عطلة رسمية كان قد إتخذ هذا القرار لأن المواطنين المسلمين لن يضايقهم أن يأخذوا يوم أجازة من ناحية، ومن الناحية الأخرى لأن القرار لا يتعارض مع تعاليم الإسلام. ولكن الأمرليس كذلك بالنسبة لعيد القيامة الذى يصطدم مع العقيدة الإسلامية ولذلك لن تفكر الدولة فى إعتباره عطلة رسمية. والحكومة تدعى دائما أنه تصرح ببناء الكنائس ولكنها دائما تشترط توقيع رئيس الجمهورية وموافقة الأمن وهى شروط يمكن أن تكون تعجيزية.

وعندما تصاعدت شكوى الأقباط  من أنه لا يوجد محافظ  قبطى واحد أعطوهم محافظا  قبطيا ولكن اتضح أن هذا المحافظ لا يحمل من المسيحية غير إسمه. وربما هذا يوضح مغزى ما قاله الرئيس مبارك للصحفى الأمريكى تشارلى روز عندما أثارمعه موضوع الإصلاح فكان رد الرئيس مبارك " لو الشعب عاوز إصلاح حنديله إصلاح".  ومن المفارقات المضحكة أن هذا فى حد ذاته يبدو أنه منتهى الديمقراطية بمعنى أن الشعب هو الذى يقرر ما اذا كان يريد الإصلاح من عدمه. وكأن هناك احتمال أن الشعب لا يريد الأصلاح وهذا يتفق مع رغبة الحكومة.  أما إذا أصر الشعب على الإصلاح على غير رغبة الحكومة  فسيأخذوا من الحكومة شيئا يشبه الإصلاح شكلا ولكنه لا ينتمى الى الإصلاح من قريب أو بعيد. والدولة عندها هذه المقدرة العجيبة للمناورات لتنفذ فى النهاية ما تريده. وهذا كان دائما واضحا فى تعاملها مع المشكلة القبطية.

وربما من هنا جاء تصريح جمال مبارك ان حل مشكلات الأقباط يأتى بالحوار الهادئ والمصارحة والمكاشفة. وبمعنى آخر أنه قد يغير من الطريقة المتبعة حاليا من التلاعب للوصول للهدف. 
ومع أن هذا التغييرفى طريقة التعامل مع المشكلة القبطية إيجابى ومطلوب ولكننى أشك فى أنه سيغير من جوهر الأمور شيئا. فما زلت لا أفهم حاجة القضية القبطية الى مزيد من (الحوار الهادىء). أى جوانب فى القضية غامضة تحتاج الى توضيح؟ لقد قتلت القضية بحثا ولا يتبقى سوى صدور قرارات جمهورية تصلح الغبن. هذا طبعا إذا كانت هناك رغبة لدى الدولة فى ذلك.

ثم ما معنى كلمة مصارحة؟ هل يقصد السيد جمال أنه سيفضى لنا (صراحة) بما كنا نعرفه دائما وما كانت الحكومة تحاول أن تنكره وهو أن الحكومة لا ارادة لها فى اعطائنا شىء من حقوقنا؟.  هل سيقول لنا: لن أكذب عليكم أو أخدعكم وأقولها لكم (على بلاطة) إن لكم مشكلات (لا أنكر ذلك) ولكن الوقت غير مهئ الآن لإعطائكم حلولا لهذه المشكلات لأن ذلك (بصراحة)  سيثير مشاعر الغضب عند (حبايبكم) شركاء الوطن ويخل من التوازنات الموجود (فى النسيج الواحد) ويهدده بالتهتك. ومن صالح الحكومة والشعب (بما فيهم الأقباط) أن يستمر الوضع على ما هو عليه.
وحتى يعطى جمال مبارك للأقباط بصيصا من الأمل سيطالبهم باستمرار (الحوار الهادئ). وهذا معناه أن الحوار يجب أن يكون هادىء بمعنى أنه غير مصرح للأقباط أن يغضبوا على الظلم أو يرفعوا أصواتهم مطالبين بالمساواة. وستستمر الوعود أن الحل قادم فى الطريق وعلى الأقباط أن لا يفقدوا الأمل. وفى هذه الأثناء سيستمر الإعلام المصرى فى ترديد الإسطوانة المشروخة عن النسيج الواحد والمودة التى تربط عنصرى الأمة. وستستمر سياسة (شيطنة) أقباط المهجر إذا تجرأو وفضحوا ما يجرى فى مصر من ظلم ويعتبروهم خونة يستقووا بالأجنبى ويشوهوا سمعة مصر.

خلاصة الكلام أن ما تريده الحكومة المصرية هو استمرار الوضع القائم من غبن ضد أقباط مصر. وفى نفس الوقت لا تريد أحدا منهم أن يغضب أو يثور أو يعكر مزاج الحكومة بإثارة هذه المشكلات أو المطالبة بحلول حقيقية لها.
فالحل الأمثل عند الحكومة المصرية لمشكلات الأقباط هو أن الأقباط (يحّلوا) عنهم!!

Mounir.bishay@sbcglobal.net

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٥ تعليق