CET 00:00:00 - 26/05/2009

مساحة رأي

بقلم: محبة متري
أقبَلَت عليّ بثغرها الباسم وشعرها الكستنائي المنسدل على كتفيها, ووجهها الذي يشع بالبراءة والجمال, إنها إبنتي الكبرى ذات السبعة عشر ربيعًا, عائدة من نزهة للتسوق مع صديقاتها تحمل بعض المشتروات, ودار بيننا هذا الحوار:
* أمي..
- نعم يا حبيبتي.
* قررت ان أصبغ شعري باللون الأشقر الذهبي.
- ماذا؟!! قررتِ؟! ما هذا الذي تقولين هل فقدتِ عقلك؟ بالطبع لا أوافقك, إن لون شعرك الطبيعي رائع ومميز ومناسب للون بشرتك, ثم أن تغيير لونه لا يناسب سنك وسيتلفه وستبدين في مظهر سيئ.
* ولكن يا أمي كل صديقاتي يفعلن ذلك.
- الله قد خلقنا جميعًا في تناسق وانسجام فهل تعترضين على ما حباك الله بك من جمال طبيعي؟ ثم أن هذا لا يليق.
(فجأة وجدتها تضغط على أسنانها بشدة وقد نفذ صبرها في حركة متوازية بين زاوية الفم ونظرة شاذرة من العين في غيظ شديد لي وكأنها تنظر إلى كائن من كوكب آخر.)
* أمي لماذا لا يليق؟ ومعظم الخادمات المسئولات عن اجتماع الشابات في الكنيسة يفعلن ذلك ويغيرن لون شعورهن بألوان جذابة باستمرار.
- إنهن متزوجات وأكبر منك سنًا, ثم انظري إليّ, إنني لم أستعمل مستحضرات التجميل قبل الزواج, وحتى بعد الزواج لم أستخدم صبغة الشعر أبدًا, انسي هذا الموضوع, ماذا اشتريتِ دعيني أرى.
(بخيبة أمل واضحة فتحت اللفافة التي في يدها, ثم نظرت إلى ما بداخلها بإعجاب شديد)
* اشتريت بعض الملابس انظري إنها من المتجر الشهير الذي يعرض أحدث الأزياء بالمدينة.
- ما هذا الذي اشتريتيه؟ ذوقك عجيب, يا ليتني خرجت معك, إنها لا تصلح لك فهي غير محتشمة بالمرة وملفتة للنظر, بدون أكتاف, بدون أكمام, بدون قماش!!!, اذهبي فورًا للمتجر واستبدلينها بملابس تناسب سنك.

تركتني إبنتي متذمرة وهي تهدد وتتوعد بأنها ستنفذ كل رغباتها حتى ولو لم أوافق.
أخذت أفكر في الأمر وأنا مندهشة كيف دارت عجلة السنون سريعًا هكذا ولم تعد إبنتي هي نفس الطفلة الصغيرة التي ترضى وتقتنع بأي شيء, بل أصبحت شابة جميلة لها شخصيتها المستقلة وتمر بمرحلة حرجة في نموها الجسدي والنفسي تحتاج إلى معاملة من نوع خاص وإلى مزيد من الحنان والتفاهم, فجأة تذكرت قصة طريفة كنت قد سمعتها من أحد خدام الرب المحبوبين:
تحكي عن أحد الأزواج لاحظ أن زوجته أعتادت أن تطهو السمكة بطريقة غريبة فهي تقسمها إلى جزئين قبل أن تقليها, وعند التقديم لا يستسيغ شكلها في الطبق فالتقسيم يفقدها المنظر المبهج الشهي وهو يريدها سمكة كاملة سعيدة شهية, وكلما سألها عن السبب أجابت "هذا ماعلمتني إياه أمي"!, وفي أول دعوة للغذاء لخطيب الإبنة لاحظ الخطيب أن والدة عروسه تقدم له السمكة في الطبق وهي مقسمة إلى جزئين, فتساءل عن السبب في داخله وهل هو نوع من البخل حتى يأكل جزءًا صغيرًا؟؟, وأخيرًا جعله فضوله يسألها عن السبب فأجابت "هذا ما علمتني إياه أمي"!, وأخيرًا عندما اجتمعت الأسرة بالكامل على مائدة الطعام عند الجدة وقدمت لهم نفس الصنف الواضح أنه مفضل لديهم بنفس الشكل, سالوها جميعًا في صوت واحد عن سبب تقديم السمكة بهذه الطريقة فأجابت ببساطة: "لأن الإناء الذي أقلي فيه السمك صغير الحجم ولا يسع إلا لنصف سمكة فقط ولم أغيره منذ زمن فأنا مضطرة لذلك" فانفجروا جميعًا في الضحك, لأن الزوجة هنا بالرغم من أن لديها آنية للطهو من كل الأحجام اعتادت على تقليد أمها دون تفكير.
وها أنا ذا أطبّق نفس النظرية مع إبنتي, أفرض عليها نفس السلوكيات والأساليب التي نشأت عليها لمجرد أنني نشأت عليها دون أن أفكر أن هناك فرقًا شاسعًا بين الجيلين, وظروفًا مختلفة لكل منهم, وأن لكل إنسان شخصيته وميوله.
نحن دائمًا ما نطالب أبناءنا بالإكرام والطاعة ونذكرهم بالآيات المعروفة "أكرم أباك وأمك", "أطيعوا والديكم في الرب" وننسى قول الكتاب "أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ لِئَلاَّ يَفْشَلُوا."(كولوسي 3 : 21).
فهل حقًا نغيظ أبناءنا دون أن ندري؟ وهل يمكن أن ندفع أحبائنا إلى الفشل؟ وما هي الحالات التي يحدث فيها هذا؟

ولكي أعرف الإجابة من مصدر موثوق به قررت أن أجتمع بأبنائي الثلاثة وهم في مراحل عمرية مختلفة, تتراوح من 8 إلى 17 سنة, وتأملنا سويًا في الآيات السابقة ثم طرحت عليهم سؤالي الآتي "ما الأشياء أو التصرفات التي تجعلكم تغتاظون وتتضايقون مني أنا ووالدكم؟"!.. فوجئ أولادي بالسؤال وتسابقوا في الإجابات وعلى ما يبدو فإنهم شعروا بأنه أفضل موضوع يمكنهم التحدث فيه باسترسال.. وأنا أنقل لكم إجاباتهم بنفس أسلوبهم:

1- لما بتفرضوا رأيكم علينا وبتتعاملوا معانا بالطريقة التي اتربيتوا بيها مع إن الدنيا غير الدنيا.
2- ساعات بتفرقوا بيننا في المعاملة وتميزوا واحد فينا عن التاني وده يعتبر ظلم.
3- دايمًا تنتقدونا لما نعمل حاجة غلط لكن لما نعمل حاجة صح مش بتشجعونا أو تكافئونا.
4- لما أحيانًا تهينونا أو تأنبونا قدام الأهل والأصحاب.
5- لما مش بتسيبونا نختار أصحابنا براحتنا وتقولوا أن الصديق ده مش كويس وابعد عنه مع إني شايف أنه كويس وباحبه.
6- لما بتتدخلوا في اختيارنا لنوع دراستنا أو هواياتنا.
7- مرة تعاقبونا وتزعلونا ومرة تانية تاخدونا بالحضن وتطبطبوا علينا ومش بنبقي عارفين إمتى هتعاقبونا وإمتى هتبوسونا!
8- الممنوعات الكتيرة, كله لأ لأ, والتركيز على المذاكرة وبس.
9- عصبيتكم وانفعالكم السريع بتتعبنا وبتخلوا مشاكلكم تأثر علينا.
10- بتستخفوا برأينا وبتعتبرونا عيال وما تشركوناش معاكم في اتخاذ قرارات تخص الأسرة.
11- بتخافوا علينا من كل حاجة ومش بتدونا حرية التصرف مع إننا كبرنا ونقدر نتصرف زيكم.
12 – مش بتسيبوني ألعب على الكمبيوتر براحتي وتقولوا الإمتحان قرب "رأي إبني الصغير"!

وعند انتهاء صغيري من كلماته لم أتمالك نفسي جريت إليهم, أخذت ثلاثتهم في حضني, قلت لهم إني فخورة بهم, وأن كل أجاباتهم مقنعة وسوف آخذ كلماتهم بعين الإعتبار وأتجنب في المستقبل ما يضايقهم, ثم وجهت كلامي إلى إبنتي الكبرى وقلت لها: يا حبيبتي إنني أترك لك مطلق الحرية وأنا أعلم أنك لن تسيئي استخدامها وسيكون كل من يراكِ يعرف أنك إبنه لله, فابتهج وجهها وتبدلت أساريره من حالة التشنج السابقة إلى صفاءه ووداعته وتحولت نظرة الغيظ إلى نظرة امتنان.
وانا الآن أود أن اسمع أرائكم أخوتي الأحباء كيف ومتى نغيظ أبنائنا, سواء ما زالوا أطفالاً أم في مرحلة الشباب, وهل نربيهم بتأديب الرب وإنذاره كما ذكر الكتاب في افسس ( 6: 4 ) "وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ، بَلْ رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ."؟؟
عمومًا أحب أن أطمئنكم أن ابنتي لم تصبغ شعرها حتي الآن.. ربما لأنها ما زالت تفكر!!

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٦ صوت عدد التعليقات: ٢٦ تعليق