CET 00:00:00 - 04/05/2010

مساحة رأي

بقلم : نجيب جبرائيل
نتناول اليوم صورة من صور التمييز بين المواطنين في البلد الواحد وفي ظل معيشة واحدة و تحت علم واحد .
وما سوف أسرده اليوم تمييزًا بقوة القانون، بل في نظري أبشع صور التمييز لأنه تمييز  يكرس ويقر الجريمة  ضد المسيحيين، جريمة يحميها  القانون بعدم  وضع عقوبة على مرتكبها. 
فجريمة الزنا في القانون المصري مُعرفة بأنها مواقعة رجل لامرأة أجنبية  عنه - أي غير زوجته - أو مواقعة امرأة لرجل أجنبي عنها - أي غير زوجها-  والحكمة من  تجريم وتحريم الزنا هو منع اختلاط الأنساب.

ثم سرد قانون العقوبات  المصري محددًا ومعددًا  وسائل إثبات الزنا  فحصرها على النحو الآتي :
1-قيام حالة التلبس - أي هي مشاهدة الزاني والزانية في حال ارتكابهما الواقعة المحرمة.
2-وجود رسائل غرامية أو مراسيل تؤكد وتؤيد هذا المعنى أو هذه الواقعة .
3-وجود شخص أجنبي في بيت مسلم مخصص للحريم.

ونترك الشرطين الأول والثاني لأنهما لا يحتاجان إلى شرح، ونأتي إلى الوسيلة الثالثة في إثبات الزنا، وهي وجود شخص أجنبي - أي شخص غير محرم، أي غير زوجها  في بيت يسكنه حريم،  ولكن بشرط أن يكون هذا البيت لشخص مسلم الديانة، وقد نصت المادة (276) من قانون العقوبات بأن الأدلة الثلاثة هي أدلة قانونية لا يُقبل الأثبات بغيرها.

وقبل أن  أشير لهذا الشرط ومدى أثاره الوخيمة وغير  المبررة  والتمييزية .
إنني أتناول لماذا كُتب هذا المقال حيث عودت  قرائي الأعزاء أنني حينما أتناول موضوع معين لا بد أن أدلل عليه بوقائع عملية ويتلخص ما أقوله بالآتي:
كنت منذ عدة شهور في إحدى محاكم الجيزة الجنائية "محكمة جنح" حيث كًلفت بالدفاع عن زوج مسيحي ارتكبت زوجته الزنا مع شخص مسلم الديانة في منزل الزوجية " أي منزل الزوج المسيحي  وزوجته "  وكانت الطامة الكبرى التي أعطاها القانون للتمييز بين المسلم  والمسيحي أن حضر محامي الزوجة الزانية ودفع بدافع قانوني له كل الحق فيه  بأن طلب البراءة على أساس أولاً :  انتفاء حالة التلبس  ثانيًا : عدم وجود مراسيل  وخطابات غرامية " الشرطين الأولين "وانتفاء الشرط الثالث حيث أن الجريمة لم تقع في بيت لمسلم مخصص للحريم، إذ إن مفهوم المخالفة وقعت في بيت  مسيحي.

نعم إن المحكمة عاقبت المتهمة بثلاثة سنوات سجن ليس لأن الجريمة ارتكبت في منزل الزوج "الشاكي" وإنما لانني كمحامي عنه أثبت أن هناك علاقة سابقة بين المتهمة و الشخص الذي ارتكب معها الزنا، إذ إنها قد اعتادت أن تذهب إليه في منزله في غيبة زوجها وحال وجود الأخير في العمل .

إلى هنا الواقعة انتهت ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وما أتساءل بشأنه أننا نرى أن التمييز والاضطهاد الذي يمكن أن يكون  مشاعًا يقع من ممارسات الأفراد أو الهيئات المسئولة مثل عدم تعيين أستاذ قبطي في أي من أقسام أمراض النساء في أي جامعة مصرية أو تعنت جهة الإدارة في إعطاء تصريح بترميم دورة  مياة  أواتهام ضابط بالتستر على اختفاء فتاة أُجبرت على إشهار إسلامها.

أما إذا كان التمييز أو الاضطهاد يأتي ممنهجًا بقوة القانون، بل أن القانون ينص عليه ويحميه -  بل في اعتقادي أن القانون بتركه وعدم معاقبته لمن يرتكب الزنا في بيت المسيحي ويرخص للمحامي أن يتمسك بهذا الدفع أو هذه الرخصة إنما يحرض على ارتكاب الزنا صراحة في بيوت المسيحيين، إذ إن من يرتكب هذا الفعل يعلم أنه لا يُعاقب طالما أنه لم يُضبط متلبسًا، بل أن القانون لن يعاقب على تلك الجريمة التمييزية بين الأقباط والمسلمون، بل إنه أيضًا يساعد على نشر الفسق والرزيلة بين أفراد المجتمع.

وهل تتصور أن يرتكب مسيحيًا جريمة زنا في بيت مسلم ولا يُعاقب . أنتم رأيتم ما فعل وماذا عسى أن يُفعل في  "قضية جرجس بارومي في فرشوط ".

إنني لا أُسمي ما يقره القانون المصري في هذا الشأن مجرد تمييز بين المواطنين بحسب الدين فحسب بل أُسميه أيضًا صورة من صور " العنف الطائفي ضد الأقباط" لأنه ليس بالضرورة أن يكون  العنف متمثل في استخدام سلاح أو أدوات القمع أو عنف مادي أو دموي، وإنما التحريض على ارتكاب جرائم ضد المسيحيين ولا يعاقب عليها القانون إنما هو قمة العنف، كمن يرتكب جريمة بطريق السلب ولا يعاقب عليها القانون .

والغريب في هذا الشان أن القانون المصري يعاقب كل من يتعرض لأنثى في الطريق العام بالقول أو بالفعل أو بالإشارة على نحو يخل ويخدش الحياء، وتصل العقوبة إلى الحبس الوجوبي. أفلا يجدر  للمشرع المصري أن يُعاقب الجاني في مثل الحالات سالفة الذكر بدلاً من أن يستعمل تلك الرخصة للحصول على البراءة.

إنني أطالب المشرع المصري بسرعة تعديل نص هذه المادة ومساواة المواطنين جميعًا بأن يعاقب على تلك الجريمة أيا كان مكان وقوعها ولا يوصف الجريمة على أساس الدين أو العرق، بل أن المرأة المسلمة أيضا تعاني من هذا الاضطهاد اذ لا يُعاقب زوجها في حالة ارتكابة جريمة الزنا إلا إذا ارتُكبت في فراش الزوجية، بمعنى أنه إذا ارتكب الزنا خارج فراش الزوجية لا يعاقب مطلقًا بل يعتبر مجرد شاهدا.

أليس هذه دعوة أيضًا لارتكاب الرجال للزنا طالما لم تُرتكب الجريمة على فراش الزوجية.
نحن نحتاج إلى تعديل تشريعي لا يقوم على أي مرجعيات دينية إنما يقوم على أساس المواطنة والدولة المدنية .

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٣ صوت عدد التعليقات: ١٢ تعليق