ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

23 يوليو / 25 يناير

بقلم :حلمي النمنم | 2016-07-27 21:48:55

 حين تحرك الضباط الأحرار فى الحادية عشرة من مساء 22 يوليو، كانوا مجموعة صغيرة، ولم يكن لهم احتكاك كبير بالشعب، لكنهم فيما بعد احتكوا بالشعب المصرى، وتحول تحركهم إلى «ثورة» بالمعنى الحقيقى للكلمة، خاصة حين تبنت المطالب الوطنية الكبرى، وأهمها تحقيق الجلاء التام للقوات الإنجليزية عن الأراضى المصرية، كانت هذه القوات طبقاً لمعاهدة سنة 1936، خرجت من ثكنات قصر النيل بالعاصمة، وتمركزت فقط حول منطقة القناة، وظل جلاء القوات البريطانية عن منطقة القناة مطلباً يهتف به الجميع، إلى أن تحقق باتفاق الجلاء سنة 1954، ولم يتوقف الإنجاز عند هذا الحد، بل امتد إلى تأميم قناة السويس، وهو القرار الذى أعلنه الرئيس جمال عبدالناصر مساء 26 يوليو سنة 1956، وكانت القناة تمثل جرحاً وطنياً غائراً منذ هزيمة عرابى سنة 1882، وربما من قبلها، ذلك أن إدارة القناة ودخلها لم يكونا لمصر ولا للمصريين، قبل سنة 1882؛ ومن المهم القول إن «تمصير القناة» كان مطلباً يتردد بين المصريين طوال الوقت، حتى إن طلعت حرب له كتيب فى هذا الموضوع، صدر سنة 1898، ومع اشتداد المقاومة حول القناة سنة 1950، ارتفعت المطالبات بتأميم القناة، واستعمل فريق من المثقفين مصطلح «تأميم القناة».

 
وهكذا فإن الثورة التى لم تبدأ شعبية يوم 23 يوليو، وقامت على أكتاف نخبة من أواسط الضباط، صارت شعبية بامتياز، وكان عين قادتها، خاصة جمال عبدالناصر، على الشعب المصرى، وهكذا اتجهوا إلى الشعب فى خطابهم وفى قراراتهم، ومن العبارات الشهيرة «الشعب هو السيد».. «الشعب هو القائد والمعلم».. وفى أغنية محمد عبدالوهاب التى كتبها حسين السيد «دقت ساعة العمل الثورى»، نستمع فيها نصاً «الثوار همَّا الشعب والأحرار همَّا الشعب».
 
«الشعب هو السيد»، لم يكن شعاراً، ولا خطاباً إعلامياً وسياسياً فقط، قُصدَ به دغدغة مشاعر الجماهير، بل كان واقعاً فعلياً، على مستوى كثير من الشعارات السياسية والتنفيذية، التى اتخذت فى تلك الفترة، فضلاً عن التوجه السياسى العام للدولة، وهكذا كان لدى ثورة يوليو اتساق – إلى حد كبير – بين الخطاب السياسى المعلن والسياسات العامة.
 
المسألة كانت معكوسة تقريباً فى ثورة 25 يناير، التى هى فى جوهرها ثورة شعبية، حيث تحرك ملايين المواطنين ونزلوا إلى الشوارع، فى حماية القوات المسلحة وبدعم من مجلسها الأعلى، احتجاجاً على «التوريث السياسى»، وبعض المظالم الاجتماعية، لكن بعد 11 فبراير، وتخلى الرئيس الأسبق حسنى مبارك عن الحكم، إذا بمجموعة أو بعض المجموعات تزعم احتكار الثورة وملكيتها لها، وقام بعض الشباب المتهورين بما يشبه سباب الشعب، وجدنا عبارات تُكتب على الحوائط مثل.. «آسفين يا شهيد.. الشعب طلع عبيد»، وخرج بعضهم على عدد من الفضائيات ليؤكد هذا المعنى ويلحّ عليه، بدلاً من نفيه، وكان أن تقدم تنظيم سرى وإرهابى ليحكم قبضته على الأمور، ويصادر الثورة لحسابه وحساب أعضائه، فيما عرف إعلامياً باسم «أخونة الدولة»، ويطيح بالجميع، فضلاً عن التفريط فى بعض الثوابت الوطنية، كما وضح فى سيناء، ومن هنا احتاجت ثورة يناير إلى موجة أخرى أو ثورة أخرى تصحيحية، ثورة 30 يونيو المجيدة بحق.
 
المعنى فى كل هذا أن تكون عيوننا على الشارع، وإلى الشعب، فى قطاعاته العريضة، وليس إلى مجموعات مغلقة، هذا ما ضمن النجاح لثورة 1919 ولزعامة سعد زغلول، كانت عيون سعد زغلول على الجماهير، يخاطبهم هم ويتحرك نحوهم، وهذا ما أخذه عليه بعض رفاقه، وانشقوا عليه فيما بعد وكونوا حزب «الأحرار الدستوريين»، ونفس المعنى هو الذى خلق زعامة عبدالناصر، وكانت الجماهير سنده فى مواجهة خصومه، ومعظمهم كانوا من العتاة، خاصة من كانوا بالخارج، أو لهم ارتباطات وثيقة بالخارج، مثل تنظيم الإخوان «الإرهابى».
 
خطأ ثورة 25 يناير، أن بعض الشباب تصوروا الحياة العامة مغلقة عليهم، وأنها تبدأ وتنتهى بهم، يمكن أن تكون هناك مجموعة مغلقة وعقلية الشلة أو عقلية العمل خفية وخوفاً من العلنية لأسباب سياسية وأمنية، لكن تأتى لحظة تزول فيها عوامل الخوف والخفية، ويكون مطلوباً العمل وسط الجماهير، معهم وبهم، وليس إملاء عليهم، وهذا ما لم يدركه بعض شباب 25 يناير، وقدموا خطاباً كان به درجة مكشوفة من الاستعلاء على المواطنين حيناً والمنّ عليهم حيناً آخر، وهذا أفقدهم الكثير من التعاطف، وجعل بعض المواطنين من البسطاء يحملون رفضاً خاصاً لهم، رغم أن أهداف ثورة يناير لم يكن هناك اختلاف عليها، ذلك أن «العيش والحرية والكرامة الإنسانية» هى أهداف ومطامح إنسانية وعادلة تماماً، لا يمكن الاختلاف عليها.
نقلا عن المصرى اليوم
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com