ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

• غاندي و مسيرة الملح

مرثا فرنسيس | 2016-04-10 11:33:38

مرثا فرنسيس
المهاتما غاندي، والذي تمثل بصبر أيوب، قاد مسيرة الملح التي قامت على مبادئه في اللاعنف رغم قسوة الإستعمار البريطاني، كي تتعلم الشعوب كيف تحتجّ بأسلوب المقاومة السلمية و فلسفة اللاعنف ( الساتياغراها) والتي تعني( الإصرار على الحق أو قوة الحق)، والتي وقف بها في وجه الإحتلال الذي كان يعتبر وطنه" دُرة التاج البريطاني". كان مؤمناً بثورات تحرير بلاده لأنه آمن بضرورة إسترداد شعبه لحريتهم و كرامتهم وأرضهم، فالملح رمزاً لخبز العهد وعمار البيت والأوطان، وفساده يعني تغيّير طعم الطعام و الخبز ، وكأنها " مسيرة مملحة" فوق جراحه المفتوحة أبداً، نتيجة طغيان الإحتلال الذي مورس على أبناء جلدته من الهنود بعنف وقسوة، وكأن ليس من حقهم العيش بكرامة في أرض أجدادهم التي ولدوا عليها ولم يعرفوا غيرها.

تعلم غاندي كيف يكون التقشف ليتأقلم مع فقره و يروض آلامه الداخلية وهو يعلم أن دمائه مستباحة كل لحظة بين شعبه و ناسه ولكنه كان يشعر بحاجتهم للحرية مثله. تلك المسيرة التي بدأها مع 78 من مؤيديه و حين سار زادت بالآلاف من فقراء شعبه والتي بدأها من مدينة أحمد أباد عام 1930. حين رفض قوانين الإحتلال للمستعمر والتي جعلت إستخراج الملح حكراً عليها، وسط شعب يزداد تعداداً ويتضوع فقراً ومرضاً وتشرداً وغربة. حيث سار بنفسه معهم إلى البحر لإستخراج الملح بعصيان مدني سجله التاريخ إلى أن تمت معاهدة " دلهي"1931 و التي أعطت الهنود حقهم في إستخراج ملح بلادهم.

حمل ثقافته الهندوسية وثقافات كل الأديان التي تعلمها وتأثر بها و أخذ منها روح التسامح كما تأثر بكثيرين من شخصيات السياسة والأدب والدين وبمؤلفاتهم التي شكلت فلسفته الحياتية ومواقفه السياسية ضد الآلة الإستعمارية. نبذ الإرهاب في عز التقتيل المتناحر في الحروب الأهلية قبل التقسيم. كان يرى الإرهاب سلاح الضعفاء لا الأقوياء، و الذين يؤمنون بحقهم في الحياة. إستطاع عن طريق ممارسة طقوس الزهد والنسك عملياً، في طعامه وملبسه وصيامه، وإلتزام الصمت يوم الإثنين من كل أسبوع، فإستطاع تحرير ذاته أولاً ثم تحرير ناسه. فلا يشعر بجوع الفقراء إلا من جاع. حتى أنه إتخذ من الجوع والإضراب المفتوح عن الطعام حد الموت، وسيلة للضغط على الحاكم المستعمر لحل مشاكل سكان منطقته، وكان يتوقف عن صيامه حين تحل مشاكلهم.

- كانت جنوب أفريقيا أرض ميلاده الحقيقي و تربته الفعلية التي أنجبته والتي لم يكن يعلم كثيراً عن الإضطهاد العِرقي والتمييز العنصري( الإبارتيد- Apartheid)، ولكنه سرعان ما تعايش مع الإضطهاد العرقي عندما شجعت حكومة البيض الإضطهاد والتطهير العِرقي في ممارسة معلنة ضد السود من السكان الأصليين وخصوصاً ضد الوافدين الجُدد، وإتخذت إجراءات تعسفية لمنع هجرة المزيد من العمالة الأسيوية إليها وإجبار السكان المقيمين على الرحيل من الأرض و تصعيد فرض الضرائب الباهظة عليهم، بخلاف مطاردات الشرطة لهم في منازلهم وتدمير منظم لمحلاتهم وممتلكاتهم على مرأى ومسمع من حكومة البيض.

عمل غاندي هناك كمحامياً و مدافعاً عن حقوق العمالة الزراعية للهنود والبوير عام 1893 وقبل مسيرة الملح الإحتجاجية. دافع خلالها عن المستضعفين من أبناء الجاليات من فقراء العمالة الهندية، حيث أختار طريق الفقر والفقراء حتى أنه تعلم كيفية التطبيب بالإسعافات الأولية البسيطة لهؤلاء الفقراء، فأسس له وطناً و تربة و أهل بجنوب أفريقيا.

حين أعلنت حكومة البيض إصدار قانون يحظر حق الاقتراع العام على الهنود الضعفاء و العجزة ممن لم تسنح لهم الفرصة في الدفاع عن نفسهم وحقهم وكرامتهم المهدورة حد أن قوات الشرطة كانت تقتحم منازل الهنود لتفتيشها. كان ذلك سبب قوي في إتباع غاندي سياسة اللاعنف حيث تبلورت أفكاره وفلسفته في مواجهة السلطة العنصرية البيضاء وإثبات عدم قانونية هذا القانون الجائر العسفي في حق العمالة المستضعفة. فقام بتحرير آلاف العرائض يشكو الظلم المتصاعد للسلطات الحاكمة، مما عرضه هذا الفعل للإعتقال أكثر من مرة. وكانت هذه أهم إنجازاته لإعادة الثقة للمهجرين من الهنود وتخليصهم من الخوف و محاربة قانون منع حق تصويتهم.

ونفس القانون سنه المستعمر البريطاني في الهند، يكرس به للتمييز ضد "الهنود المنبوذين" وسلب حقهم في الإنتخابات، فتفاوض حتى توصل لإتفاقية " بونا " التي قضت بزيادة عدد النواب وإلغاء تشريع التمييز الإنتخابي ضد "المنبوذين" عام 1932. وكان لدوره الحقوقي أهم ألأسباب لتكوين وبلورة فكره الذي إستطاع به أن يقود "مسيرة الملح". حيث أن المحتل كان واحداً وهي "بريطانيا العظمى" والتي طالب فيها بإستقلال بلاده بحملة عصيان ما بين سنة 1940 – 1941 حين كانت بريطانيا مشغولة بالحرب العالمية الثانية، فلم تكن الهند وقتها في حسبانها، إزاء الخطر الياباني و الذي كانت تخشاه بريطانيا وقتها. تألم غاندي كثيرا حين رأى الإنقسامات التي أعلن عنها رسمياً سنة 1947 وسادت الإضطرابات والإضطهادات الدينية بين الهندوس والمسلمين والذين طالبوا بالإنفصال إلى دولة باكستان، حيث خلّفت تلك الحرب آلاف القتلى ما إعتبرها غاندي كارثة وطنية وتمزقاً للوطن الأم. والتي طالب فيها الهندوس بإحترام حقوق الأقليات المضطهدة من المسلمين، فأعتبروه خائناً لوطنه فقرروا التخلص من صاحب الروح السامية عام 1948 والذي لم يكن يجد له مكاناً حتى في قطار الدرجة الثالثة.فليس لنبي كرامة في وطنه.

- هكذا السياسات الإحتلالية التي ليس لها سوى وجهٍ واحد عبر عصور من الدمار والتي ترفض " التعددية الثقافية والعرقية والمذهبية والفكرية" لإخضاع وإذلال الشعوب المستضعفة من أصحاب الأرض وسرقة تاريخهم بكل ما أوتوا من أساليب التنكيل، كما فعل الرجل الأوروبي بحضارة الهنود الحُمر بأمريكا وعمليات التطهير العرقية والدينية والمذهبية المنظمة التي مورست بالوطن العربي ضد الأقليات المهمشة و الذين عاشوا محرومين من نعمة الحياة كغرباء مطاردين، مستباحة دمائهم كل حين في أوطانهم وأرض أجدادهم التي عاشوا فيها منبوذين، معزولين في" جيتو" عن بقية مجتمعاتهم في أبسط متطلباتهم وأمورهم الحياتية. منبوذين بسبب هويتهم الأصلية أو بسبب معتقداتهم وإنتماءاتهم الدينية أو لغاتهم الأصلية أو ثقافتهم التي هي جزء من نسيج الوطن و التي تذكِّر المحتل بأنه سلب يوماً منهم تلك الأرض بل سلب أبسط حقوقهم في العيش كبني آدمين، في ممارسة حقوقهم وإنتماءاتهم الحياتية بحُرية. وأن ممارستهم لحرياتهم ولعقائدهم الإنتمائية لا تُشكِّل أي إستفزازات لمشاعر الأخرين ولا تهز إيمانهم !. اليوم تمارس داعش نفس الأسلوب في التطهير العرقي و الديني لإستئصال فكر شعوب الوطن العربي كما يحدث الآن بالعراق والشام وكل من لا يُصدَّق على ممارساتهم الداعشية ولا يتبع عقيدتهم الجهادية المتطرفة.

من أهم أقوال غاندي التي مارسها ممارسة فعلية على مدار تاريخه: "ماذا سيغير الدمار الجنونى من أجل الموتي، والذين بلا مأوي، واليتامى الذين يعملون تحت إسم الحرية والديمقراطية أو بسبب الشمولية.. إننا لكي نكسب معركتنا لا بمقدار ما نقتل من خصومنا و لكن بمقدار ما نقتل في نفوسنا الرغبة في القتل ".!

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com