ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

الطريق إلى تصنيع مصر

د‏.‏ طه عبد العليم | 2015-12-20 12:28:04

باستعارة كلمات حكمة صينية، فان خبرة البلدان الصناعية- الجديدة والصاعدة- تؤكد: أنه ليس هناك طريق ممهد فى البداية للتقدم نحو التصنيع، لكنه يُشَقُ، حين يسير كثير من الناس فى اتجاه واحد. ويتحقق هذا بتعبئة طاقات الأمة تحت قيادة ملهمة، تمتلك الرؤية والإرادة، وهذا ما فهمه محمد على وطلعت حرب وعبدالناصر، فحققت مصر الحديثة إنجازات مرموقة؛ رغم إخفاقات ينبغى التعلم من دروسها. ويرتكز رهانى على دور تاريخى للرئيس السيسى فى مواجهة تحدى التصنيع، على إرادته الحاسمة- كما تبين قيادته صراع المصير لانقاذ مصر من حكم وإرهاب الفاشية التكفيرية المدعومة بقوى خارجية تنشد تركيع مصر، وقدرته على الإنجاز- كما تجلت فى تنفيذ المشروعات الكبرى للقناة والطاقة والطرق، واستقلال رئاسته عن جماعات الجشع المنفلت والفساد المنظم.

وتوضيحا لمفهوم التصنيع وتأكيدا لحتميته، أسجل أولا، حقائق أبرزتها منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) فى تقرير التنمية الصناعية لعام 2013، أهمها أن التصنيع، خاصة، والتنمية الاقتصادية عامة، يعنى تغيير هيكل الاقتصاد والصناعة بالتحول من القطاعات والصناعات والأنشطة ذات الإنتاجية الأدنى إلى أخرى تتسم بإنتاجية أعلي. ويتحقق هذا التغيير بالارتقاء من استخدام التكنولوجيا المنخفضة إلى استخدام التكنولوجيا الأكثر تقدما، ومن ثم من القيمة المضافة الأدنى إلى القيمة المضافة الأعلي. وأن ما يميز الصناعة التحويلية عن القطاعات الأخرى هو قدرتها على توليد ايرادات متزايدة وإنتاجية أعلي؛ نتيجة للتحديث التكنولوجى ووفورات الحجم وتقدم تقسيم العمل. وأن للتصنيع آثارا رئيسية على تنمية قطاعات الاقتصاد الأخري؛ لأنه يحفز زيادة الطلب علي: منتجات الزراعة والتعدين وزيادة جودتها، وخدمات المصارف والتأمين والاتصالات والمعلومات والتجارة والنقل وغيرها من القطاعات. كما تولد الصناعة التحويلية قدرات تنافسية تنتشر الى غيرها من القطاعات؛ وذلك عبر دورها الرائد والقيادى في: تراكم رأس المال، والتحديث التكنولوجي، وخلق المهارات.

وثانيا، أن خبرة العالم- كما يخلص التقرير المذكور- تؤكد أن مفهوم التنمية الاقتصادية يرتبط ارتباطاً وثيقا بتغيير هيكل الاقتصاد، أى التكوين القطاعى للناتج المحلى الإجمالي، بالتحول من الأنشطة منخفضة الإنتاجية (ذات الفرص المحدودة لتسريع التغير التكنولوجى وتعظيم القيمة المضافة)، إلى الأنشطة المرتفعة الإنتاجية (ذات الفرص الأكبر للابتكار وزيادة القيمة المضافة، والتى تصبح أساس التغيير الهيكلى والتنمية الاقتصادية). والتصنيع، هو المحرك الرئيسى لتغيير الهيكل الاقتصادى والتنمية الاقتصادية، بتحويله للموارد من الأنشطة منخفضة الإنتاجية الى الأنشطة مرتفعة الإنتاجية. ويتحقق التغيير الهيكلى للصناعة التحويلية ذاتها بالتحول التدريجى من الصناعات ذات التكنولوجيا المنخفضة، إلى الصناعات ذات التكنولوجيا المتوسطة والعالية، بارتقاء المحتوى التكنولوجى وتعظيم القيمة المضافة للأنشطة الصناعية. وتزيد مساهمة الصناعة التحويلية فى النمو على حصتها فى الانتاج، كما يرتبط التصنيع بنمو أسرع فى انتاج وانتاجية قطاعات اقتصادية أخري، وثمة علاقة ايجابية قوية بين درجة تنوع الاقتصاد؛ وبين زيادة القدرات الصناعية. ويخلق التصنيع مزايا التخصص ووفورات الحجم والتقدم التكنولوجى وتطوير المهارات (فى جانب العرض) وأسعار ملائمة ومرونة الدخل (فى جانب الطلب)؛ وتسهم هذه وتلك فى تزايد الانتاجية والعمالة والدخل وتوليد مكاسب متنامية من المشاركة فى تقسيم العمل الدولي.

وثالثا، أن مجموعة كبيرة من الدراسات التجريبية- كما سجلت ادارة الشئون الاجتماعية والاقتصادية بالأمم المتحدة- قد أثبتت الارتباط الإيجابى الوثيق بين النمو الاقتصادى والتغيير الهيكلى فى الصناعة التحويلية؛ حيث كانت مجموعات البلدان التى حققت أسرع نمو خلال الفترة 1970- 2007 هى البلدان التى تقدمت على طريق التصنيع. وعلى النقيض فان البلدان التى تراجع فيها التصنيع، حققت نموا متواضعا جدا لنصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى فى ذات الفترة. ووفقا للبنك الدولي، تبين دراسة استقصائية اقتصادية واجتماعية عالمية أنه بين 13 اقتصادا واصلت النمو بمعدل 7 فى المائة على الأقل لمدة 25 سنة بعد الحرب العالمية الثانية، وشملت اقتصادات تفاوتت وبشدة من حيث مواردها الطبيعية وكثافتها السكانية، أظهرت الصناعة التحويلية نموا أسرع فى ثمانية اقتصادات، شهدت تغييرا هيكليا نحو التصنيع، فزادت حصتها من الناتج المحلى الإجمالي. وأوضح تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، أنه فى البلدان المتحولة للتصنيع ارتفعت مساهمة القيمة المضافة للصناعة التحويلية فى الناتج المحلى الإجمالى من نحو 16 فى المائة إلى نحو 21 فى المائة، وزادت حصتها من الصادرات الصناعية العالمية من نحو 14 فى المائة فى عام 1997 إلى نحو 30 فى المائة فى عام 2011.

ورابعا، أن التصنيع يعنى إعادة بناء الصناعة والاقتصاد على أساس الأساليب الصناعية للإنتاج والمنجزات الحديثة للعلم والتقنية. ويتطلب إنجاز مهام التصنيع التحديث التكنولوجى للصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتحديث الفروع التقليدية للصناعات الخفيفة والغذائية والاستخراجية، وتطوير صناعة المعادن الأساسية، وإكمال تنويع البنية الاقتصادية بإقامة الفروع الصناعية التى تتمتع بعلاقات تشابك أمامية وخلفية مع غيرها من قطاعات الاقتصاد، والانتقال من التجميع الى تطوير الصناعة الثقيلة، وخاصة بتأسيس وتحديث صناعة بناء الآلات لرفع إنتاجية العمل والارتقاء بنوعية المنتجات المصنعة. وبغير التصنيع لا سبيل لبناء أسس الإندماج المتكافيء فى الاقتصاد العالمي. وتأمين أسبقية تطوير الصناعة التحويلية هو سبيل مواجهة مشكلات البطالة والفقر، حيث بلغ استيعابها المباشر للعمالة وفى الخدمات المرتبطة بها أكثر من خمسمائة مليون فرصة عمل فى عام 2013. ومع كل فرصة عمل يتم إيجادها فى الصناعة التحويلية يتم إيجاد فرصتين عمل أو ثلاث فرص عمل خارجها، ولا يقتصر التصنيع على تعزيز أعداد العمالة وإنما أيضا يعزز نوعيتها وانتاجيتها ودخلها. وقد وفر ارتقاء التصنيع فرصا أوسع لعمل النساء، وقاد لتحسين أجور العمالة فى الخدمات اللازمة للصناعة التحويلية، وارتبط بزيادة العمالة فى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والعاملين لحسابهم الخاص وفى القطاع غير الرسمي، الذين يمثلون ما يقرب من نصف العمالة فى الصناعة التحويلية، وهو نصيب متزايد.
نقلا عن الأهرام

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com