ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

تجديد الخطاب الدينى

على محمد الشرفاء | 2015-12-09 08:53:33

فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب الموقر

تحية الإسلام والسلام

لقد تشرفت بمقابلتكم فى مشيخة الأزهر صباح يوم 20 يونيو 2010، وسلمتكم رسالة باليد موضوعها «إنشاء مرجعية للدعوة الإسلامية»، وذكرت فيها ما يلى: يعيش المسلمون فى كل بقاع الأرض فى حالة من التشرذم والتناقض فى عرض الخطاب الدينى، مؤدياً لمن يستقبل الدعوة الإسلامية وما يشوبها من تناقضات إلى خلق بلبلة فكرية لكل متلقٍ لها من المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، مما يسهم (ذلك الوضع) فى استغلال مواطن الضعف لاستخدامها سلاحاً ضد الإسلام، خاصة ما يساعد فى تلك المواقف المتشددة، التى تتعارض وروح التسامح فى تعاليم الإسلام، ونظراً لوجود مئات المراكز الإسلامية فى دول العالم تقوم بأعمال الدعوة الإسلامية، لا يوجد بينها رابط أو تنسيق، أو أن يكون لديها خطة واضحة المعالم محددة الأهداف قادرة على بلورة حقيقة الرسالة الإسلامية ومقاصدها الإنسانية والحضارية المبنية على الرحمة والعدل والسلام، فإننى أرى أنه يوجد فراغ هائل على المستوى العالمى فى مجال التوجيه والإرشاد برعاية الرسالة المحمدية السامية ولا يوجد من لديه القدرة والريادة وتقدير تلك المسئولية العظيمة غير الأزهر الشريف، كما يلى:

أولاً: يتم تشكيل لجنة من بعض علماء الإسلام المختصين فى مجال الدعوة، الذين لهم اتصالات سابقة مع مختلف الهيئات الدولية فى مجال الحوار الإسلامى مع أهل الكتاب.

ثانياً: تكون مهمة اللجنة إعداد وثيقة بشعار «الإسلام رحمة وعدل وسلام» يوضح فيها ما تدعو إليه الرسالة من أجل أن تتحقق للإنسان حياة كريمة دون تفرقة فى الدين والمذهب أو الجنس واللون، لتحقيق إرادة الله فى الأرض. حيث يجتمع كل الناس بهذه الآية، إخوة فى الإنسانية يجمع بينهم التعارف والتعاون والمودة والتسامح، لتعيش كل الشعوب فى أمن وسلام، ويكون بعد ذلك الحكم لله وحده فى التفضيل بينهم، بحيث تكون هذه الوثيقة رسالة الإسلام للإنسانية جمعاء تستهدف تبيان حقيقتها والعون والتفاؤل فى مستقبله، وتهون عليه تقلبات الدهر بالصبر والإيمان.

ثالثاً: تتم دعوة رؤساء ومديرى المراكز الإسلامية فى الدول التى لا تدين بالدين الإسلامى، إلى مؤتمر تحت رعاية مشيخة الأزهر، لتكون بداية لمؤتمر للمراكز الإسلامية تتكرر لقاءاته كل سنة فى القاهرة، وليناقش المؤتمر الوثيقة المعدة من قبل مشيخة الأزهر، لتبدأ انطلاقة جديدة للدعوة الإسلامية، ويتم تأسيس مرجعية دائمة للمراكز الإسلامية، وما سيترتب على ذلك من تفاعل وتكامل وتصحيح بعض المفاهيم التى تنتقص من سلامة العقيدة، وتزيل مما شاب صورة الإسلام والمسلمين بعض السلبيات، التى كونت بعض الصور المسيئة لرسولنا عليه الصلاة والسلام، فى عقول بعض المفكرين فى الغرب، حيث يعتبر هذا المؤتمر أول جمعية عمومية تنعقد من أجل الدعوة الإسلامية فى جميع أنحاء العالم.

رابعاً: يتم انتخاب مجلس إدارة مكون من سبعة أشخاص، وتكون مدة العضوية سنتين، حيث يعاد انتخاب أعضاء جدد كما يتم انتخاب مجالس تنفيذية فى كل دولة من رؤساء المراكز الإسلامية من تلك الدول.

خامساً: ينشئ مجلس إدارة المؤتمر مركز اتصال وتنسيق فى مشيخة الأزهر، ليتولى الاتصال المباشر مع المراكز الإسلامية فى دول العالم، ويحقق التنسيق والتشاور فى كل ما يمكن أن يحقق التلاحم والتعاون بين الفروع والمراكز. وانتهت الرسالة المذكورة أعلاه.

وللأسف الشديد لم أتلقَ من فضيلتكم أى رد مرحب بالاقتراحات السابقة من أجل تصحيح صورة الإسلام وما شابها من تشوهات ظالمة بسبب سلوكيات متآمرة على دين الحق والحرية والسلام، وكنت أتصور أن رسالتى لفضيلتكم ستشحذ همتكم وتشمرون عن سواعدكم من أجل وضع استراتيجية فى كيفية تحقيق تلك الأهداف التى تسعى لحماية قيم الإسلام وأهدافه، فضيلة الإمام..

تمر الأمة العربية والإسلامية فى هذه الأيام بمنعطف خطير اختلطت فيه الأمور والتبست فيه المفاهيم وتصدّعت معانى الرحمة، حيث حلت محلها القسوة، وتبدلت الألفة، حيث أصبحت الضراوة سلوكاً، والشراسة وسيلة، فاهتزت قيم الإسلام النبيلة، فأقفرت القلوب وجفت الدموع من العيون، وتعالت صيحات الاغتيال باسم الإسلام دين الرحمة والعدل والسلام، فاكفهرت الوجوه، وتبلدت المشاعر الإنسانية، حيث بدأ ينشأ مناخ كريه يفيض بالعداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع حين طفا على السطح أناس يدّعون العلم والمعرفة ونصّبوا أنفسهم أوصياء على الدين وعلى الناس، والله سبحانه حدد بوضوح مسئولية نبيه، صلى الله عليه وسلم، بقوله «لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ».

ولقد قيض الله لمصر العروبة أن يحمل رايتها رئيس آمن بالله، مخلصاً له الدين، وآمن بمحمد، صلى الله عليه وسلم هادياً ومبشراً ونذيراً، فاكتسب الإخلاص لدينه وأدرك مسئوليته فى تصحيح مفاهيمه وتأكيد قيم الحرية والعدل والرحمة والسلام، فأعلن صيحة، توقظ المهتمين بشئون الدين والمتعهدين للدعوة الإسلامية، يطالبهم بتصحيح الخطاب الدينى، لأنه أدرك أن ما يجرى على الساحة العربية والإسلامية والدولية استمد أفكاره من روايات ضالة ومفاهيم جانبها الصواب وعقول مغيبة هجرت كتاب الله وما حوى من قيم وأخلاق تستند للرحمة والتسامح والمحبة. وللأسف حتى الآن، لا نجد صدى لتلك الصيحة المخلصة ولم يتقدم المثقفون والمفكرون مع مشيخة الأزهر، للبحث عن الوسائل والآليات التى يتحقق بها تصحيح مفاهيم لأمم مضت تركت لنا أسباب الفرقة والصراع، ونقلت لنا كل الأفكار الفاسدة والحاقدة، واستمرت فى تفريق شمل الأمة واستمرار النزاع إلى يومنا هذا. ويحذّرنا الله بقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِى شَىْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ» (الأنعام: 159).

كما جاء بقوله تعالى: «وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» (الأنفال: 46) وكأن صيحة الحق لم تهتز لها عقولنا ولم تتفاعل معها مشاعرنا.

إن الأمر خطير يحتاج إلى شجاعة المواجهة مع أنفسنا أولاً، ومع تراكم الأفكار الشاذة فى عقولنا، ومع تقديسنا لبعض خلق الله، والله سبحانه وتعالى يحذرنا بقوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ» (آل عمران: 23).

فالموقف جلل، يتطلب سرعة التجاوب مع صيحة الحق التى أطلقها السيد الرئيس، وكان الأولى أن يبادر الأزهر منذ زمن بعيد، لكن الكل مستكين، والكل لا يعنيه ذلك الأمر، خوفاً من نقد أو مجاملة لسلطة أو دولة، أو تجنباً لإثارة الغبار عليه، ولم يدرك أن المسلم لا تأخذه فى الله لومة لائم.

ودعائى لسيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يرزقه الله ببطانة صالحة مؤمنة كإيمانه، مخلصة كإخلاصه وتفانيه فى سبيل الله والوطن، أسوة به، تعينه على الخير وتحمل معه المسئولية، وتسعى بجهد مخلص فى تحقيق آماله لخير مصر والعالم العربى والإسلامى.

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ

*مدير ديوان الرئاسة السابق - دولة الإمارات العربية المتحدة
نقلا عن الوطن

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com