ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

«هيلارى كلينتون» فى مذكراتها: أمير قطر أراد أن يلعب دور «بطل الثورات»

الوطن | 2014-06-20 08:11:00

«كلينتون» أمير قطر كان يهدف إلي تشتيت الانتباه عن تراجع الأوضاع فى بلاده
يمكن القول بأن حنكة «هيلارى كلينتون» السياسية الحقيقية هى قدرتها الفريدة على إنكار «تآمرها».. فى مذكراتها التى صدرت فى أمريكا الأسبوع الماضى فى كتاب حمل عنوان «خيارات صعبة»، تقول وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة إنها حذرت قادة العالم العربى من بقاء الحال على ما هو عليه، ومن قرب «غرق المنطقة كلها فى الرمال» لو استمر الفساد وقمع الحريات وهدر الكرامة الذى تراه فى الدول العربية، لكنها تنكر فى نفس الوقت وجود أى رابط بين ذلك التحذير الذى أطلقته فى بداية يناير 2011، وبين الثورة التونسية التى اندلعت بعد خطابها بيوم. تعلن «هيلارى» ببساطة أنها أطلقت تحذيرها هذا من «الدوحة» عاصمة قطر، التى توحَّش نفوذها الإقليمى بعد سقوط الأنظمة القديمة فى المنطقة، ولعبت دوراً فى دعم وجود الإخوان فى الحكم، لكنها لا تشير من قريب ولا من بعيد إلى أى دعم أمريكى للتحرك القطرى فى تلك الفترة، وترفض بحزم القول بأن أمريكا كانت تدعم الإخوان أو غيرهم فى مصر أو غيرها. إنها سيدة سياسية من الطراز الأول، تعرف جيداً حجم وثقل اللاعبين الذين تتعامل معهم فى المنطقة.. تصف قطر، التى تؤكد اصطفاف مصالحها مع مصالح الولايات المتحدة فى فترات ما، بأنها «أشبه بإصبع صغيرة تخرج من السعودية من الناحية الجغرافية»، لكنها تقول أيضاً إنه «بعد ثورات الربيع العربى كنا نرى (يد) قطر فى كل مكان فى المنطقة». إن النبرة التى تتحدث بها «هيلارى» فى مذكراتها عن قطر هى النبرة التى يتحدث بها أى سياسى عن ورقة محروقة، أداة أدت الغرض منها ولم يعد يُتوقع منها الكثير، سلاح فشل فى تحقيق المطلوب منه، واكتشف صاحبه أنه اعتمد عليه أكثر مما ينبغى، أو أنفق عليه أكثر مما يستحق. إلا أن كتاب «هيلارى كلينتون»، لا بد أن يلقى الضوء على الدور الذى لعبته قطر فى المنطقة فى واحدة من أكثر فتراتها اضطراباً وحدَّة، وهو الدور الذى سيلقى بآثاره على مستقبلها، ثم ينتهى بعد بعض الوقت طال أم قصر.

«كلينتون»: «بن خليفة» و«بن جاسم» دعَّما الإسلاميين لتحويل دولتهما الصغيرة إلى قوة عظمى فى الشرق الأوسط.. ودفتر شيكات بلا سقف لدعم حكم «مرسى» فى مصر

تلعب «هيلارى كلينتون» فى مذكراتها على فكرة أنها كانت «تعلم» ما الذى يمكن أن يحدث فى الشرق الأوسط، لكن دون أن «ترسم وتخطط» ما الذى سيحدث فيه غداً، تريد تقديم نفسها للقارئ على أنها سياسية محنكة تملك أدوات «السياسى» الذى يقرأ الواقع، وليس عقلية «المتآمر» الذى يسعى للعب بأى ورقة ما دامت رابحة، ولا يتردد فى التدخل لقلب المائدة على رؤوس من لا يعجبونه، حتى تسير اللعبة بالقواعد التى يحددها أو يختارها. لا تنكر «هيلارى»، أنها أطلقت سياستها حول التغيير فى الشرق الأوسط من «الدوحة»، عاصمة قطر، تقول: «شعرت بالتعب من تكرار نفس الكلام القديم والمعروف فى كل مرة أذهب فيها للشرق الأوسط فى جولة ما، شعرت أننى أريد أن أقول شيئاً مختلفاً، شيئاً يهز المنطقة فعلاً هذه المرة، وكان (منتدى المستقبل)، المنتظر عقده فى الدوحة فى تلك الفترة، فرصة مناسبة لى لأوصل رسالة للعديد من ملوك الشرق، وأمرائه، وقادته السياسيين، ونشطاء المجتمع المدنى فيه. كنت أعرف أن كثيرين منهم سيكونون مجتمعين فى قاعة واحدة فى توقيت واحد، ولو أننى أردت أن أوضح استحالة الحفاظ على فكرة (بقاء الحال على ما هو عليه) فى المنطقة، كان ذلك هو المكان الذى يمكننى أن أقول ذلك فيه».

وتواصل: «وفى 13 يناير 2011، وصلت إلى الدوحة، ودخلت إلى قاعة اجتماعات مكتظة بالقادة والزعماء العرب. حاولت أن أحدد لهم التحديات التى تواجه المنطقة كأوضح ما يكون؛ البطالة، والفساد، ونظم سياسية ترفض منح المواطنين حقوقهم الإنسانية وكرامتهم. وأضفت: إنه فى أماكن كثيرة، وبأشكال كثيرة، صارت الأساسات التى ترتكز عليها المنطقة تغرق الآن فى بحر من الرمال المتحركة. وقدمت فى تلك اللحظة تحدياً مباشراً للقادة العرب المجتمعين، قلت: (يمكنكم المساهمة فى بناء مستقبل تؤمن به الأجيال الجديدة من شعوبكم، ويمسكون به ويدافعون عنه، ولو لم يحدث ذلك فإن من يروجون للحفاظ على الوضع فى بلادهم كما هو عليه، قد ينجحون فى تأجيل التأثير الكامل لمشكلات بلادهم لفترة ما، لكنهم لن يستطيعوا تأجيل ذلك إلى الأبد».

هل كانت «هيلارى» تعرف إلى أين يمكن أن تقود كلماتها التى قالتها فى بداية شهر ثورة يناير فى مصر؟ هل كانت تقرأ المستقبل، أم كان لديها سبب ما يجعلها تتوقع قرب انفجار الشعب؟ تقول هيلارى كلينتون عن عقلية القادة العرب الذين كانوا يستمعون لخطابها فى الدوحة فى أول يناير: «الواقع أن هناك قلائل من القادة العرب هم الذين يعتادون على سماع النقد علناً ومباشرة، وعلى الرغم من تفهمى لعاداتهم وتقاليدهم، فإننى شعرت فى هذه اللحظة أنه من المهم أن يأخذوا بجدية فى اعتبارهم مدى السرعة التى يتغير بها العالم من حولهم، ولو تطلَّب الأمر منى الخروج على القواعد الدبلوماسية، إذن فليكن. قلت لهم: (دعونا نواجه ذلك المستقبل بوضوح، دعونا نناقش بشكل منفتح ما الذى ينبغى علينا فعله، دعونا نستغل ذلك الوقت لوضع خطط تدريجية، وأن نلتزم بأن تظل هذه المنطقة تتحرك على المسار السليم)».

تقول وزيرة الخارجية الأمريكية: «بعد ذلك الخطاب بيوم، اندلعت المظاهرات فى تونس للمطالبة برحيل الرئيس التونسى زين العابدين بن على، الذى هرب من البلاد ولجأ إلى السعودية، وتحولت الاحتجاجات التى اندلعت بسبب عربة خضار إلى ثورة متكاملة الأبعاد. لم أكن أتوقع أن يتحقق تحذيرى من (غرق المنطقة كلها فى الرمال) على أرض الواقع بهذه السرعة، ولا بهذه الطريقة الدرامية، لكن الآن وصلت الرسالة بشكل لا يمكن إنكاره.

«بن خليفة» دخل إلى غزة فى موكب من 50 سيارة «مرسيدس» لاستعراض نفوذه فى المنطقة.. و«حماس» أرادت إظهار خروجها من ظل «أبو مازن» بهذه الزيارة
هل كان هناك سبب ما لاختيار «هيلارى» للعاصمة القطرية لتوجه منها تحذيرها من التغيير لقادة العالم العربى، أم أن قطر اعتبرت أن اختيار «هيلارى» لها «إشارة» لكى تلقى بثقلها فى العالم العربى الجديد؟

تحكى هيلارى كلينتون فى مذكراتها مثلاً عن اللحظة التى زار فيه أمير قطر السابق «حمد بن خليفة» قطاع غزة مقبلاً من زيارته لمحمد مرسى بعد وصوله إلى الحكم فى مصر، وتحكى عن رؤيتها للطريقة التى تحولت بها هذه اللحظة إلى وسيلة لاستعراض النفوذ القطرى الجديد فى الشرق الأوسط بعد ثورات «الربيع العربى». تقول «هيلارى»: «فى 23 أكتوبر، زار الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى أمير قطر، غزة بناءً على دعوة وجهتها له حركة حماس، كانت تلك هى المرة الأولى التى يزور فيها حاكم دولة ذلك القطاع المنعزل منذ أن سيطرت عليه حماس عام 2007، وكلٌّ من حماس وأمير قطر لعبا على رمزية ذلك الموقف جيداً».

وتواصل: «انطلق الأمير القطرى إلى غزة من مصر فى موكب مهيب من السيارات، مكون من 50 سيارة مرسيدس بنز سوداء، ومدرعات تويوتا المصفحة، فى حين استقبلته حماس بكل مظاهر الترحيب والاحتفال التى استطاعت حشدها، وأعلن إسماعيل هنية، رئيس وزراء حكومة حماس، أن زيارة أمير قطر للقطاع هى إعلان نهاية للحصار السياسى والاقتصادى الذى كان مفروضاً على غزة، وقدم «هنية» زوجته فى أول ظهور علنى لها».

«من جانبه، تعهد أمير قطر بتقديم 400 مليون دولار لجهود إعادة الإعمار فى غزة، وهو مبلغ يفوق كل المعونات التى تتلقاها غزة من المانحين الدوليين مجتمعين. وتتابع «هيلارى»: «بالنسبة لهنية وحركة حماس، كانت هذه الزيارة فرصة للخروج من ظل السلطة الفلسطينية التى يقودها الرئيس محمود عباس، وهى السلطة التى تحظى باعتراف المجتمع الدولى بوصفها القيادة الشرعية للشعب الفلسطينى، أراد هنية أن يظهر من خلال زيارة أمير قطر أن المستقبل قد أصبح مشرقاً بالنسبة للحركة، على الرغم من التضييق الذى بدأ يحاصر مواردها ودعمها سواء من سوريا أو من إيران».

وتواصل: «أما بالنسبة لقطر، فكان الأمر فرصة ذهبية لتتمتع بحالة من النفوذ الإقليمى الذى لم تكن تعرفه من قبل، وأن تقدم نفسها على أنها الراعى الرئيسى للقضية الفلسطينية فى العالم العربى. أما بالنسبة لإسرائيل، فكان الأمر كله مدعاة لقلق متزايد. وبالنسبة للولايات المتحدة، التى ظلت تنظر إلى حماس على أنها جماعة إرهابية خطرة، كانت قطر قد أصبحت معضلة تجسد مدى تعقيد التعامل مع الشرق الأوسط فى هذا التوقيت العصيب والمضطرب».

وتصف «هيلارى كلينتون» قطر فى مذكراتها بأنها: «جغرافياً، تبدو قطر أشبه بإصبع صغيرة ممتدة من السعودية إلى الخليج العربى، لا تزيد مساحتها عن 4400 ميل مربع، لكنها تتمتع باحتياطى واسع من البترول والغاز الطبيعى، وهى بشكل عام واحدة من أغنى الدول فى العالم. وتنتقل «هيلارى» بوصفها من الجغرافيا إلى تاريخ قطر: «خلع الشيخ حمد والده ليصبح أميراً لقطر، ويسعى بعدها لتصعيد قطر على المستوى الدولى. وتحت حكمه، حرص على أن تصبح عاصمته (الدوحة) منافسة لدبى وأبوظبى، كمراكز إقليمية للتجارة والثقافة. وأصبحت قناة الجزيرة أكبر مصدر إخبارى مؤثر فى الشرق الأوسط والمنصة التى تطلق منها قطر نفوذها وتأثيرها فى المنطقة كلها».

وتلاحظ «هيلارى» أن «قطر لم تقطع شوطاً طويلاً فى مجال الديمقراطية أو احترام حقوق الإنسان، إلا أنها حافظت على صلات استراتيجية قوية وروابط أمنية مع الولايات المتحدة، كما أنها تستضيف قاعدة جوية أمريكية رئيسية على أراضيها. كان هذا التوازن الدقيق عرضة للاختبار خلال الربيع العربى».

«كلينتون»: كنا نرى «يد» النفوذ القطرى فى كل مكان فى المنطقة.. والقطريون هرَّبوا أسلحة إلى المتمردين الإسلاميين فى سوريا.. وطائراتهم الحربية ساعدتنا فى ليبيا

وتواصل: «بذل أمير قطر ورئيس وزرائه ما فى وسعهما لاستغلال الاضطرابات الإقليمية، ووضع قطر فى منطقة (بطل الثورات) فى المنطقة، كان كلاهما يستهدف تحويل دويلتهما الصغيرة إلى قوة عظمى فى الشرق الأوسط، من خلال دعم جماعة الإخوان وغيرهم من الإسلاميين عبر المنطقة، فى الوقت الذى شعرت فيه ممالك خليجية أخرى بالقلق من أن هذا المسار يمكن أن يؤدى لاضطرابات وعدم استقرار فى دولهم، إلا أن القطريين رأوا فى ذلك فرصة لبناء نفوذهم مع اللاعبين السياسيين الجدد الذين صعدوا على الساحة، وفرصة كذلك للترويج لقيمهم الثقافية المحافظة، إضافة إلى الهدف الأهم وهو تشتيت الانتباه عن ضعف الإصلاحات التى تتم فى بلادهم هم».

وتتابع «هيلارى» فى مذكراتها: «وباستخدام القوة الناعمة للجزيرة، ودفاتر الشيكات التى لا تعرف سقفاً، صار كلٌّ من الأمير القطرى ورئيس وزرائه يقومان بتمويل محمد مرسى فى مصر، ويهرِّبان أسلحة إلى المتمردين الإسلاميين فى ليبيا وسوريا، وأقاما علاقات وروابط جديدة مع تنظيم حماس فى غزة، بل إن الطائرات الحربية القطرية ساعدت على تأمين منطقة الحظر الجوى فى ليبيا. والواقع أنه أينما أدرت وجهك فى الشرق الأوسط فى تلك الأيام، كان لا بد أن ترى (يد قطر) فى كل مكان، لقد كان ذلك استعراضاً لافتاً للقوة الدبلوماسية، وفى بعض الأوقات كانت جهود قطر تصطف مع جهودنا، إلا أن العديد من الدول العربية رأت أن الدعم القطرى للقوى الإسلامية وللتيارات والعناصر المتطرفة فى المنطقة أمر يفرض تهديدات متزايدة، وظهرت هذه الإشكالية كأوضح ما يكون خلال زيارة الأمير القطرى لغزة».

وتبرهن «هيلارى» على مدى سيطرة قطر، وحمد بن جاسم تحديداً، على حركة حماس فى غزة، عند حديثها عن اتفاق وقف إطلاق النار، الذى عُقد برعاية أمريكية بين «حماس وإسرائيل»، بعد أن أطلقت إسرائيل عملية «عمود السحاب» بغاراتها الجوية ضد غزة، مهددة باجتياح برى شامل للقطاع، رداً على إطلاق حماس لصواريخ ضدها. وتقول «هيلارى» عن هذا الاتفاق الذى وضع «محمد مرسى» فى دائرة الضوء العالمية باعتباره «راعياً للسلام»: «فى 18 نوفمبر 2012، وسط المفاوضات ما بين حماس وإسرائيل، قيل لى إن تحركاتنا الدبلوماسية تواجه موقفاً صعباً، لم تكن حماس ولا إسرائيل راغبتين فى أن تعلنا أولاً التزامهما بوقف إطلاق النار، وهو ما جعلنى أضغط فى اتجاه فكرة وقف إطلاق نار مشترك فى نفس اللحظة من الجانبين، ولتحقيق ذلك، حذرت رئيس الوزراء القطرى حمد بن جاسم قائلة: (حماس تحاول أن تفرض شروطها قبل تنفيذ وقف إطلاق النار، وإسرائيل لن تقبل ذلك أبداً، وليس أمامنا سوى 48 ساعة قبل أن تطلق إسرائيل هجوماً برياً كاسحاً على قطاع غزة)».

وهو أمر يكشف بوضوح أن «هيلارى» كانت تعرف جيداً إلى من تتوجه بالحديث لو أرادت حسم الأمور مع حماس فى غزة، حتى لو كان «محمد مرسى» هو الراعى الظاهر لاتفاق وقف إطلاق النار.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com