اللهجات القبطية

مابين القديم والحديث
بقلم الأب/ بيجول باسيلي
الجزء الرابع
إن زمن هذه الكتابات وهو الفترة ما بين القرن السادس عشر والقرن الثامن عشر، والتي كتب فيها هؤلاء الكتاب كتاباتهم، ومن جاء بعدهم ونقل عنهم من بعض الكتاب الأقباط، هذه الفترة ليست إلا فترة الحضيض الأدبي واللغوي، وهي لا تعبر إلا عن مدى التأثر والتلوث والخلل الخطير الذي كان قد أصاب حياة الأقباط بصفة عامة، وهو ما استدعى أن يدبر الله ظهور رجل عملاق مثل البابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح، ليقوم بقوة الله وتدبيره وعنايته ومحبته، بإصلاح كل ما تراكم من تلوث وتأثيرات غريبة وخلل على حياة الأقباط.
 

ثالثا ـ أسطورة عريان أفندي
قصة عريان أفندي، أو أسطورة عريان أفندي، كما يوردها كتاب ساجي الجزء الأول وكتاب تاريخ اللغة القبطية وغيره من الكتب لنفس المؤلف.
قصة غير محبوكة جيداً وبها الكثير من التضارب والتناقض الواضح،
ففي الكتاب الأول ص٨ يقول أنه كان هناك مشروع إتحاد بين الكنيستين القبطية واليونانية في مصر .... ويبدو أن موضوع توحيد اللفظ القبطي ليكون مطابقا للفظ اليوناني كان ضمن المظاهر المرغوب فيها لإتحاد الكنيستين، فتحمس عريان أفندي (هذا) لفكرة تغيير اللفظ القبطي وقام بإعداد وتنفيذ مشروع تقريب اللفظ القبطي ليكون مشابها للفظ اليوناني الحديث، ولم يكن عريان أفندي يعرف أن ما يفعله إنما هو خطأ فاحش وجريمة في حق التراث القبطي لأنه بالنسبة لمعارف أهل زمانه لم يكن في الغالب يعرف أن هناك فارق بين أصوات الحروف اليونانية في نطقها القديم عنها في نطقها الحديث،
وفى الكتاب الثاني ص ٣٦ يقول
أن المعلم عريان أفندي تخلى عن اللفظ القبطي الأصيل باستحداث لفظ مشوه دخيل يتفق مع اللفظ اليوناني الحديث عن طريق الاستعانة بمدرس يوناني من المدرسة العبيدية بالقاهرة.
فرواية الكتاب الأول تقول لنا أن عريان أفندي كان يجهل (لم يكن يعرف) أن هناك فارق بين اليوناني الحديث والقديم.
ورواية الكتاب الثاني تقول أن عريان أفندي قد استعان بمدرس يوناني من المدرسة العبيدية بالقاهرة ،فإذا كان عريان أفندي لا يعرف حسب الرواية الأولى، فهل كان أيضاً المدرس اليوناني الذي استعان به ـ حسب الراوية الثانية ـ كان هو الآخر لا يعرف.
فأي الروايتين نصدق وأيهما نكذب، هل كان عريان أفندي يعرف، (نتيجة استعانته بالمدرس اليوناني من المدرس العبيدية بالقاهرة)، أم أنه كان لا يعرف؟!!
هناك أيضاً جانب آخر هام في هذه الأسطورة الملفقة، وهو موضوع أنه كان هناك مشروع إتحاد بين الكنيستين القبطية واليونانية في مصر ... ويبدو أن موضوع توحيد اللفظ القبطي ليكون مطابقاً للفظ اليوناني الحديث كان ضمن المظاهر المرغوب فيها لإتحاد الكنيستين.
أقول أن هذا الكلام لا أساس له ولا سند إلا في إدعاءات واتهامات من يريدون أن ينالوا من مكانة وسمعة رجل من أعظم رجال القبط وهو البابا كيرلس الرابع الملقب عن استحقاق وجدارة بلقب أبو الإصلاح،
لأن فكر جميع آباء الكنيسة القبطية وتعليمهم حول موضوع الوحدة الكنسية أو الإتحاد، هو مفهوم وتعليم واضح كل الوضوح بأن الإتحاد هو إتحاد في الإيمان والعقيدة، أما موضوع اللغة والألحان والفنون وغير ذلك، فهذا كله تراث شعبي، ولكل شعب الحق بل الواجب أن يقوم بالمحافظة على تراثه وحمايته من التلوث وتنقيته من الشوائب،
فالكنيسة القبطية متحدة إتحاداً كاملا مع الكنيسة الحبشية ومع الكنيسة السريانية ومع الكنيسة الأرمنية منذ زمن طويل، ويذكر لنا التاريخ أن جميع أساقفة الحبشة كانوا أقباطا، يرسلهم بابا الإسكندرية إلى هناك، واستمر الوضع هكذا حتى وقت قريب، عندما قام البابا كيرلس السادس برسامة أول بطريرك "جاثليق" للكنيسة الحبشية من الأحباش أنفسهم.
كذلك يذكر لنا التاريخ أن أكثر من بطريرك من بطاركة الكنيسة القبطية كان سريانيا.
ورغم ذلك لم يحاول أي جانب أن يفرض أو أن يطلب من الآخر أن يغير أو أن يقرب لغته أو ألحانه أو فنونه أو أي شيء من تراثه ليقترب من لغة أو فنون أو ألحان الآخر، لأن جوهر الإتحاد هو الإيمان والعقيدة فقط وليس أي شيء آخر.
وهناك نقطة أساسية وهامة أخرى، وهي أن صاحب الإدعاء بأن موضوع توحيد اللفظ القبطي ليكون مطابقاً للفظ اليوناني الحديث، كان ضمن المظاهر المرغوب فيها لإتحاد الكنيستين، فاته بكل أسف أن اللفظ الذي كانت تستخدمه الكنيسة اليونانية في ذلك الوقت، كان هو اليوناني القديم وليس اليوناني الحديث، كما تخيل صاحب هذا الإدعاء الباطل،
وهذا ما يؤكد بطلان هذا الإدعاء ومخالفته للحقيقة وتصادمه مع الواقع والمنطق.
إذ كيف يمكن أن يكون هذا التوحيد هو التغيير إلى شيء هم كنسياً لا يستعملونه أصلا.!؟
رابعاً ـ الإدعاء بأن البابا كيرلس الخامس كان يصلي بتلك اللهجة المخالفة والتي يسميها صاحبها بالفظ البحيري القديم.
ينفي هذا الإدعاء الباطل ويكذبه تماما، تسجيلات الدكتور راغب مفتاح (١٨٩٨ ـ ٢٠٠١)
رائد الألحان القبطية، والذي وهب كل ما يملك من الجهد والمال في هذا المجال، وعاصر ستة من الآباء البطاركة منهم البابا كيرلس الخامس ( ١٨٧٤ ـ ١٩٢٧).
أي أن الدكتور راغب مفتاح رأى البابا كيرلس الخامس وسمعه وخدم معه كشماس، وكان عمره عند نياحة البابا حوالي ٢٩ سنة، وكان محبا لألحان الكنيسة وتسابيحها يحفظها ويرددها مع المعلم ميخائيل البتانوني، ثم قام بعد ذلك بتسجيلها له على جهاز تسجيل صوتي، ربما يكون جهاز التسجيل الصوتي الأول الذي يدخل أرض مصر بعد جهاز التسجيل الذي كانت تمتلكه الإذاعة المصرية في ذلك الوقت.
ولقد جلس البابا كيرلس الخامس على كرسي مار مرقس أكثر من نصف قرن من الزمان، فقد أعتلى الكرسي المرقسي في نوفمبر١٨٧٤م وتنيح في أغسطس ١٩٢٧م أي أن مدة جلوسه على الكرسي تبلغ حوالي ٥٣ عاما.
ولو كان البابا كيرلس الخامس، ضد ما أصلحه البابا كيرلس الرابع، وكان يريد أن يهدم ما فعله أبو الإصلاح، لكان في استطاعته أن يقوم بذلك دون أدنى مشقة، ففترة رياسته الطويلة كانت تتيح له تربية أجيال وأجيال حسب التعليم والنطق الذي يريده.
ولكن شهادة هذا الرجل (الدكتور راغب مفتاح) وهي شهادة رجل معاصر للبابا كيرلس الخامس، وكأحد الذين عايشوا وشاهدوا وسمعوا كل ما كان فعله أو يقوله البابا، تنفي تماما وتكذب هذا الإدعاء الباطل على البابا كيرلس الخامس هو أيضاً.
خامساً ـ يجب ملاحظة نقطة هامة وهي أن البابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح، هو الذي كان يتولى ويقود بنفسه الإشراف على تعليم اللغة القبطية، وأن أول من عينه ليقوم بمعاونته في ذلك، لم يكن هو المعلم عريان، بل كان البابا قد أسند هذه المهمة إلى أحد الآباء الذين كانوا يجيدون اللغة القبطية والألحان، وهو القمص تكلا، أما عريان أفندي فقد جاء بعد القمص تكلا وخلفاً له، ولم يكن سابقاً بل كان لاحقاً له.
فقضية أن عريان أفندي هو الذي اخترع وهو الذي أساء، وكان يجهل .. وكان يعلم .. وكان.. وكان.. إلى آخر كل هذا الكلام الملفق الذي يتصادم مع الحقائق ويخالف المنطق فلا يمكن الاعتماد عليه أو الركون إلى صحته أو الاستشهاد به.
والنقطة الثانية الهامة في هذه الملاحظات، حول خطورة هذا التعليم المخالف في حد ذاته على وحدة الكنيسة وصلواتها وطقوسها وألحانها وما يسببه من انقسام وبلبلة وانشقاق، فإذا سُمحَ لفرد معين يدعو إلى العودة إلى الوراء إلى إحدى اللهجات القديمة، حتى ولو بفرض أن هذا الذي يدعو إليه هو اللهجة القبطية البحيرية القديمة حقيقة (رغم أن ذلك غير صحيح بالمرة) فلماذا لا يسمح لغيره أن يدعو وأن يعلم اللهجة الصعيدية القديمة، وله حجته في أن غالبية جامعات العالم تقوم بدراسة هذه اللهجة الصعيدية القديمة وليس البحيرية، ويقوم ثالث يدعو إلى اللهجة الفيومية القديمة، ورابع وخامس ...
وهكذا يجد الأقباط أنفسهم أمام مجموعة من اللهجات القديمة والتي كانت توجد في ظروف معينة، ونشكر الله أنها توحدت منذ القرن الحادي عشر، في لهجة واحدة موحدة لجميع الأقباط في كل مكان، فهل بعد أن توحدت لهجة الأقباط يأتي من يريد أن يفرقها، وبعد أن تجمعت يأتي من يريد أن يمزقها ويشتتها، وبعد أن تناسقت يأتي من يريد أن يبلبلها.

جميع الحقوق محفوظة لـ دراسات مصرية، موقع تابع للأقباط متحدون

© 2006 Copts United  http://www.copts-united.com/, all rights reserved .
Best view : IE6 ,IE7  Screen resolution 800 by 600 pixels