سليمان جودة
تشعر وكأن ما يدعو إليه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ويتبناه هذه الأيام، نوع من التكفير عن ذنب كانت بلاده طرفًا فى ارتكابه ذات يوم.

فالرئيس ماكرون يرفع لواء عقد مؤتمر دولى تحت شعار «حل الدولتين» والمؤتمر يجرى التجهيز له منذ فترة برئاسة سعودية فرنسية مشتركة، وقد تحدد له يوم ١٧ من هذا الشهر فى نيويورك حيث مقر الأمم المتحدة.

والهدف أن تقوم دولة فلسطينية ذات سيادة إلى جوار الدولة العبرية، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة التى ستقوم.. وإذا كنت قد قلت إن الدولة الفلسطينية ستقوم إلى جانب الدولة العبرية، فلابد أن أستدرك لأقول أن إطلاق مسمى دولة على إسرائيل هو من نوع الشىء الافتراضى، لأن الحرب التى تواصلها على الفلسطينيين فى قطاع غزة، بل وفى الضفة، تقول إن هذه ليست دولة، وإنها لا صلة بينها وبين مفهوم الدولة الذى تعرفه العلوم السياسية ويضع ضوابطه القانون الدولى، ولكن موضوعنا هو سعى فرنسا بقوة نحو عقد المؤتمر، ثم ترويجها طوال الوقت له، والعمل باستمرار على إنجاحه.

أما لماذا يبدو الحماس للمؤتمر وكأنه تكفير عن ذنب فرنسى قديم؟ فلأن العقل الباطن ربما يقول للفرنسيين إنهم كانوا سببا فى خروج المشروع النووى الإسرائيلى إلى النور.. فلولا فرنسا فى الأصل ما كان لإسرائيل مفاعلات نووية، وما كانت هذه المفاعلات قد وصلت إلى حد إنتاج قنابل نووية تهدد أمن المنطقة والعالم من وراء المنطقة.

ولم تكن المساعدة الفرنسية فى المشروع النووى الإسرائيلى هى الذنب الفرنسى الوحيد، ففى ١٩٦٧ كانت الطائرات الفرنسية من طراز ميراج هى التى استخدمتها إسرائيل فى احتلال أرض ليست لها ولم تكن لها فى أى يوم.

ربما لهذا السبب يبدو ماكرون متحمسًا لمؤتمر يقيم دولة فلسطينية على الأرض المحتلة، وربما لهذا السبب يشعر الرئيس الفرنسى مما يراه من وقائع حرب الإبادة ضد الفلسطينيين أن بلاده كانت طرفًا فى إمداد كيان اسمه إسرائيل بالسلاح النووى مرة والتقليدى مرةً ثانية.

وحين يأذن الله للدولة الفلسطينية أن تقوم، فسوف تكون فرنسا قد كفّرت عن ذنبها القديم، وسوف تكون قد غسلت يديها من ذنب ليس كأى ذنب.. فهو ذنب دولة لا ذنب فرد.
نقلا عن المصرى اليوم