نادر شكرى 
للمرة الأولى يتطرف عمل درامى لقضية هامة تتعلق بحرية ممارسة الشعائر الدينية ، ونجح الكاتب إبراهيم عيسى فى الدخول وسط الأشواك لكشف وتعرية التيار المتشدد ، الذى يستخدم الدين كستار لجرائمه ، ويسقط القناع عن وجههم ، ويعرى تطرفهم فى مضايقة الاقباط ،فى حقهم إقامة الشعائر الدينية فى بعض الأحداث التى وقعت ببعض القرى ، احتجاجا على صلوات الاقباط ، او رفض بناء كنيسة .
 
ونجح مسلسل " حضرة العمدة " بطولة الفنانة روبى ، ولأول مرة يكشف عن بعض الأمور المسكوت عنها ، والتى لم يحاول أى شخص فى عمل فنى الدخول فيه ، سوى بنشر وإنتاج الأعمال الفنية التقليدية ، التى دائما ما يظهر القبطى مرقس مع جاره فى علاقة الحب والحديث عن الاخوة والنسيج الواحد ، دون كشف بعض الامور التى كانت تسبب تصدع فى العلاقة بين ابناء الوطن الواحد ، ولاسيما داخل القرى ، بسبب فرض الوصاية من قبل التيارات المتطرفة التى دائما ما تحاول استغلال الدين لتحقيق أهدافها الخفية فى زعزعة المجتمع .
 
للمرة الاولى وبشكل واضح يتم تجسيد الواقع الذى حدث فى عدد من القرى ، ان يظهر الاقباط وهم يصلون داخل منزل فى افتقاد الكاهن لهم ، لعدم وجود كنيسة بقريتهم ، وعندها يظهر التيار المتشدد الذى يسرع الى المنزل ، عندما علم بدخول  الكاهن للمنزل ، ويتم تهريب الكاهن خوفا على حياته ، ويساهم فى تهريبه احد المسلمين المعتدلين الذى يرفض اسلوب التيار المتشدد ، ويبدأ التيار المتشدد فى تحذير الاقباط من الصلاة بالقرية ، وهم يحاصرون المنزل ، وتظهر النساء والأطفال فى حالة رعب خوفا من الهجوم عليهم .
 
ليأتى يوم الاحتفال بالعيد ويذهب الكاهن ليبارك الأقباط الذين يتجمعون فى منزل " عم حنا " هذا الرجل الحكيم الذى هو اول شخص يسكن بالقرية وأول من قام ببناء منزل بالقرية ، ويصل الخبر للمتشددين الذين أسرعوا فى التجمهر والتوجه لمنزل عم حنا ، وهم يحملون الاسلحة للاعتداء عليهم ، ولكن بعض اهالى القرية اكتشفوا ذلك ، فقام أحدهم  بابلاغ " حضرة العمدة الدكتورة صفية " التى عينت كأول امرأة لعمدة قرية " تل شبورة " ، فتسرع الدكتورة صفية ومعهما عدد من مسلمى القرية والشباب الذين يعملون ببيت الفن بالقرية ، ليتصدوا للتيار المتشدد ، وتقف الدكتورة صفية والمسلمون معه امام بيت " عم حنا " ، فى مواجهة التيار المتشدد ، الذى تحجج بتواجده لمنع وجود كنيسة بالقرية ، وانهم يدافعون عن الدين ، ويدور حوار بينهم وبين العمدة ومن معه ويخرج عم حنا ليقف معهم ، ويتم كشف وتعرية هذا التيار عندما وجد مواجهة مع اهالى القرية من المسلمين ، فينصرفوا بعد ان تم افشال خطتهم  للاعتداء على الأقباط .
 
وتدخل العمدة واهالى القرية من المسلمين الى منزل عم حنا ليحتفلوا معهم بالعيد ، وسط حبكة درامية تكشف المعدن الحقيقى لمصر ، قبل ظهور الإسلام السياسى فى فترة السبعينات ، وتقف العمدة مع الطفلة مارى لتشعل شمعة أمام ايقونة السيدة العذراء ، فى رسالة واضحة ان إصلاح المجتمع ومواجهة التطرف لن يحدث الا بتضافر وتوحيد المصريين لاعادة الامور الى ما يجب ان تكون عليه .
 
وبعد ما قامت به حضرة العمدة صفية من تصحيح للأوضاع الخاطئة بالقرية من ختان الإناث والعنف ضد المرأة والابتزاز ، وتهريب الاثار ، تبدأ ندوات التوعية بحضور ممثل الأزهر والأوقاف الذي عاد ليطرد شيوخ  التيار المتطرف من منبر مسجد القرية ، ليكون هو صوت الحق والاعتدال ، ويجلس عم "حنا " معهم ويتبرع بأرض لبناء كنيسة بالقرية وسط ترحيب من اهالى القرية ، فى ردا على رفض التطرف .
 
وليس الأمر هنا متعلق فقط بمنع الأقباط من اقامة شعائرهم ، بل كشف  المسلسل عن وقائع على الأرض تتعلق بالتضييق على الأقباط ومحاولة فرض الحجاب على الطلاب الأقباط بالمدارس ، عندما يظهر مدير مديرة القرية " الشيخ حافظ " ، وهو أحد المتشددين ، ويعنف جميع الاقباط ويرفض حصص الموسيقى او الرسم ، ويمسك الطفلة مارى بيشوى لينتهرها لعدم ارتدائها غطاء للشعر ، فتبكى الطفلة وتشعر بالخوف ، وتبدأ فى ارتداء " إيشارب " ، وعندما زارت العمدة " صفية المدرسة " ، من اجل ان ترصد الواقع ، تلتقى الطفلة وهى محجبة وعند سؤالها عن اسمها فقالت لها " مارى بيشوى " ، لتسألها لماذا ترتدى " الحجاب" فتخبرها ، ان الاستاذ حافظ يجبرهم على ذلك ، فتذهب صفية لتبدأ حملة تطوير بالمدرسة بمشاركة بيت الفن الذى يقع بالقرية ويقوم بأعمال فنية ونحت والرسوم ، وتطلب منهم ان يتم تحويل جميع جدران المدرسة الى رسوم ، وتبدأ حملة التطوير والإبداع والفن داخل المدرسة ، وسط غضب من الشيخ حافظ الذى كان احد اللصوص فى التنقيب على الاثار وبيعها ويتخذ " لحيته " والدين ساتر لجرائمه .
 
ونجحت صفية فى اعادة الروح للمدرسة وللاطفال ، وان تلغى فرض الحجاب على الاطفال الاقباط ، وهذه وقائع حدثت بالفعل خلال السنوات الماضية ، عندما تم رصد حوادث فرض الحجاب على الاقباط فى بعض المدارس او قص شعر طفلة لعدم ارتداء الحجاب .
 
فمسلسل " حضرة العمدة " نجح فى الحديث عن الأمور المسكوت عنها وكان البعض يخشى الحديث عنها والاكتفاء بتقبيل اللحية ، وانكار الواقع ، لعلاج بعض الأورام التى زرعها هذا التيار المتشدد .
 
الدراما التى قدمها مسلسل حضرة العمدة نجحت فى تقديم رسالة غابت عن الفن لسنوات طويلة ، ولعبت دور فى كشف الواقع وكشف هذا التيار المتشدد الذى كان داخل القرية وهدفه زعزعة القرية لصالحهم واستخدام اموال مخصصة لهذا الغرض ، وخداع اهالى القرية البسطاء باسم الدين ، ولكن جاءت المضمون الدرامي للرد على أفكارهم من خلال اهالى القرية المستنيرين ومن خلال امام المسجد التابع للأوقاف ، ليقوم أهالى القرية بطرد الشيخ من المتطرف من منبر المسجد ليعتلي الإمام المستنير وهو حاصل على الدكتوراه ومثقف، ويبدأ فى تقدير رسالة صحيحة للدين ، تكشف حقيقة التيار المتشدد ، الذى يظهر أعضائه فى اعمال غير مشروعة ، ويخرج الأقباط والمسلمين من اهالى القرية معا ، للتكاتف من أجل حل مشكلات القرية ومساندة بعضهم البعض فى وقائع مثل قتل " الفتاة " سلمى " من احد شباب القرية الذي اراد الزواج منه رغما عنها وعندما رفضت ، قام بذبحها فى اشارة لوقائع كثيرة مثل " نيرة " وسلمى " وغيرها ، فنجح العمل الدرامى فى تحويل طاقة اهالى القرية معا ، لاجل بناء القرية ودعم الفن والثقافة والتخلي عن العادات والسلوكيات الخاطئة التى جاءت مع هذا التيار المتطرف .
 
تحية للاعلامى والصحفى إبراهيم عيسى ، الذى نجح فى كشف هذا الورم الخبيث ، ولم يضع رأسه فى الرمال مثل النعام ، بل اتخذ مبدأ اذا اردت تقديم العلاج فعليك بالتشخيص اولا ، ولذا كان مسلسل حضرة العمدة نقطة تحول فى كشف مشكلات نعانى منها منذ سنوات ، ليتم اختيار نموذج لقرية " تل شبورة " لكشف هذه الأمراض ومنها الختان والابتزاز ، والهجرة الغير شرعية ووفاة عدد من شباب القرية فى البحر اثناء محاولة الهروب لأوروبا ، وايضا قضية " المستريح " الذى ظهرت كثيرا خلال الفترة الاخيرة بالنصب على البسطاء وتجميع أموالهم ، بحجة الفوائد المرتفعة ثم الهروب بها ، وايضا التنقيب عن الآثار ، والعنف ضد المرأة .
 
مسلسل "حضرة العمدة" من بطولة روبى، بسمة، سميحة أيوب، لطفى لبيب، صلاح عبد الله وأحمد بدير، دينا، وفاء عامر، ومحمد محمود عبد العزيز، وإدوارد، ومحمود حافظ، وإيهاب فهمي، وكريم عبد الخالق، ومحمد الصاوي، ونهلة سلامة، وحسام داغر، وعمرو صحصاح ، وصولا عمر، وتأليف إبراهيم عيسى وإخراج عادل أديب، ومن إنتاج ريمون مقار ومحمد محمود عبد العزيز.
 
وجسدت الفنانة روبى خلال أحداث المسلسل شخصية "صفية الفارس" أستاذة علم نفس في الجامعة الأمريكية، وضغط عليها أهلها من أجل العودة لقريتها من أجل الترشح للعمودية العديد من المواقف والتحديات، حيث قادت  قرية بأكملها بعد فوزها بالعمودية وواجهت انقسام القرية بين مؤيدين و معارضين ممن لم يتقبلوا فكرة تولي سيدة شابة لمنصب كان حكراً علي الرجال.