- تجديد الخطاب الديني مسؤولية الجميع والمؤسسات الدينية لا تحتكره ولا تنفرد به.
 
- القرآن والسنة نصوص مقدسة لا يمكن الاقتراب منها .. ونريد تعليمًا يؤدي إلى عقل رشيد يتعامل مع قضايا المجتمع تعاملًا حكيمًا.
 
كتب – محرر الأقباط متحدون أ. م
قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إن عبارة "الشعب المصري متدين بطبعة" هي عبارة كاشفة للبيئة والواقع الذي نعيش فيه، والإنسان المصري ذو طبيعة خاصة ولا شك أن البيئة المحيطة تؤثر فيه.
 
وأضاف فضيلة مفتي الجمهورية خلال لقائه في برنامج "نظرة" مع الإعلامي حمدي رزق، أن البيئة هي جملة من التقاليد الممزوجة والمتفقه مع مقررات الدين الإسلامي؛ ولذلك ترى مفردات كثيرة في حياتنا تنبئ عن أن الإنسان المصري هو إنسان يحمل طبيعة خاصة يعلو فيها جانب التدين، مشيرًا إلى أن أفضل من عبر عن تلك القضية هو الدكتور جمال حمدان في مؤلفات كثيرة لعل أبرزها الكتاب الذي تعرض فيه للشخصية المصرية حتى إنه تعرض للديانة المسيحية عندما جاءت الى مصر فقال إن هذه الديانة كأنها -من وجهة نظره- تقولبت وَفق الشخصية المصرية وأصبحنا نرى الإنسان المسيحي المصري يختلف في مفردات كثيرة جدًّا عن الإنسان المسيحي في بلاد أخرى.
 
وتابع فضيلة المفتي أن الإسلام عندما جاء إلى مصر صبغت معه الشخصية المصرية بمزيج من الهدوء والطيبة مع ما يدعو إليه الإسلام في مفردات كثيرة، وأهما أن الأخلاق تهيمن عليه كما قال الرسول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فنجد الإنسان المصري مضيافًا مراعيًا للجوار غيورًا محافظًا، وعنصر الشهامة بارز للغاية في تصرفاته اليومية المتكررة التي تميز بها شخص الإنسان المصري في مراحله التاريخية كلها.
وأكد فضيلته أن مادة الإنسان الطيبة تتغذى وتنمو عندما تجد خطابًا دينيًّا رشيدًا، وإذا أخذها الخطاب إلى منطقة أخرى تقع كارثة وخللًا منهجيًّا في هذه الحالة، مشددًا على أننا في حاجه إلى تجديد مستمر؛ ولذلك يقول الرسول : "جددوا إيمانكم" كما يقول: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها"، فقضية التجديد في هذه الحالة هي قضية حياتية وضرورية لا ننفك عنها، فهي قضية الإنسان المسلم الحقيقي.
 
وبشأن الزعم بأن المطروح الآن ليس تجديدًا دينيًّا للخطاب الديني لكنه هدم للدين، قال مفتي الجمهورية: إنه عندما نكون في الاتجاه الصحيح فنحن أمام تجديد للخطاب الديني، أما إذا حِدنا عن المنهجية العلمية الرصينة التي وضعها الأسلاف واستقيناها من علمائنا الكبار المعتبرين نكون أمام خطاب آخر مدمر.
وأوضح فضيلة المفتي أننا نريد فهمًا رشيدًا لهذا الدين؛ لأن هناك فرقًا بين فهم النصوص القرآنية وسنة رسول الله، وبين المفاهيم المختلفة على مر التاريخ للنص الشريف، مشددًا أن لدينا نصًّا مقدسًا يتمثل في القرآن الكريم ويتمثل في سنة الرسول الثابتة عنه ثبوتًا صحيحًا، هذا كله لا نقترب منه من ناحية الإضافة أو الحذف أو الإجمال، لكننا وفق إطار علمي محدد نفهم ونتعامل مع هذا النص الشريف وننزله إلى أرض الواقع بمنهجية لا عشوائية نستعمل فيها الخطاب الوضعي بهدف إدراك الواقع، وهو ركن ركين من عمل الفتوى، إذا أدركناه فإننا نأتي إلى منطقة النص الشرعي وننزلها بناءً على فهمنا للخطاب الوضعي من توافر الشرط والأسباب وانتفاء الموانع، وإننا إذا تعاملنا مع القضية هكذا نكون قد جددنا.
 
وأشار فضيلة مفتي الجمهورية خلال لقائه، إلى ملاحظة مهمة بشأن التعامل مع التراث، أوجزها في طريقة التعامل مع تراث من المفاهيم المختلفة على مر العصور، مؤكدًا أن هذا الفهم الذي تعامل من خلاله العقل المسلم وإنزاله إلى أرض الواقع على مر العصور لا يحمل تقديسًا ويمكن إعادة النظر فيه مرة بعد أخرى ويمكن المناقشة من خلاله.
 
وفى رده على سؤال بشأن محاولة البعض تقديس التراث ورفض مراجعته، أكد فضيلة المفتي أن من يقول هذا الكلام لا يدرك حقيقة التراث ومعاملة العلماء له على مر العصور، فهناك نقاشات وثورة علمية في كل ما ورد في التراث، وأوضح فضيلته أن عبد الرحمن بن القاسم اختلف مع الإمام مالك في مسائل كثيرة جدًّا، مؤكدًا أن التراث الذي بين أيدينا وُضع تحت مظلة التهذيب والاختصار والشرح والتعليق، وأننا أمام حركة علمية كبيرة جدًّا على مر التاريخ تعاملت مع هذا الفهم والنص الشرعي، وما أنتجه العقل المسلم على مدى التاريخ في علوم الفقه والعقيدة.
 
وأشار فضيلة المفتي إلى أننا في دائرة فهمنا للأحكام المتعلقة بالعقيدة يوجد نقاش وأخذ ورد بين العلماء المعتبرين ما دامت دائرة الاختصاص ما زالت موجودة، ومن ثم لا حرج على النقاش العلمي المستمر، مشددًا على ضرورة التعامل مع التراث الذي ورثناه بذكاء؛ لأننا نفخر بنتاج العقل المسلم في كل المراحل التاريخية، لكن هناك من القضايا والمسائل ما يمكن أن لا تقرها في ظرفك الحالي والعصر الذي نعيش فيه، فينبغي أن يبقى هذا النتاج حبيس هذا التاريخ، وينبغي أن لا ينسحب على زمننا لأنه كان نتاجًا لظروف زمنية محددة بسياقات تاريخية معينة، وأسباب كانت موجوده في هذا الزمان بني عليها هذا الحكم وأسبابه وشروطه لم تعد موجودة الآن.
 
وأردف فضيلة المفتي أنه علينا أن نفهم من خلال هذا النتاج العلمي والاستنباط كيف استنبط الأئمة والعلماء وما هي المنهجية التي اتبعوها وكيف تعاملوا مع الواقع؟ ومن ثم تقودنا هذه الكيفيات إلى الأداة وإلى حل صحيح في زمننا الحاضر ومعالجة مشكلات المجتمع معالجة دقيقة وحكيمة.
 
وفي سياق ذي شأن قال مفتي الجمهورية: إن تجديد الخطاب مسؤولية الجميع، والمؤسسات الدينية لا تحتكره ولا تتفرد بأمر التجديد، فالتعليم يتحمل جانبًا والإعلام يتحمل جانبًا… وهكذا؛ لأننا نريد تعليمًا يؤدي إلى عقل رشيد يتعامل مع قضايا المجتمع تعاملًا حكيمًا كلٌّ في اختصاصه.