هاني صبري - المحامي
تعتبر قضايا إثبات النسب من قضايا الأحوال الشخصية الشائكة التي تستمر منظورة لسنوات طويلة أمام القضاء مما يجعلها سببا فى ضياع حقوق الأطفال وربما تنتهى بعدم الاعتراف بهم وهذا الأمر لا يمكن السكوت عنه في ظل تزايد هذه النوعيات من القضايا في أروقة المحاكم.
 
وفقاً للأصول المقررة في الفقه أن النسب يثبت بالفراش الذى يقصد به الزوجية القائمة وفى حال قيام الزوجية الصحيحة إذا أتى الولد لستة أشهر على الأقل من وقت الزواج وكان يتصور الحمل من الزوج ثبت نسبه منه بالفراش دون حاجة إلى إقرار أو بينة ، وإذا نفاه الزوج فلا ينتفى إلا بشرطين أولهما : أن يكون نفيه وقت الولادة، وثانيهما : أن يلاعن امرأته . واللعان في حكم الشريعة الإسلامية يحدث عندما يتهم الزوج زوجته بالزنا بدون أن يأتي بأربعة شهداء على وقوع الزنا، ففي هذه الحالة يطلب منه القاضي أن يحلف أربع مرات (بدل الشهود الأربعة) (ليدفع عن نفسه حدّ القذف) أنه من الصادقين في دعواه ضدّ زوجته، ثم يحلف مرة خامسة بأن يقول: (لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين)، وبالنسبة للمرأة التي تريد أن تدرأ عن نفسها حد الزنا أن تحلف أربع مرات (بدل الشهود الأربعة) كذلك أنه من الكاذبين فيما اتهمها به، وفي الخامسة تؤكد بأن غضب الله عليها وسخطه إن كان زوجها صادقا فيما اتهمها به.
 
وعند حدوث الملاعنة بينهما، تحدث الفرقة بينهما على التأبيد، ويدرأ الحد عنهما، وتنتفي نسبة الولد الذي لاعن فيه عن الزوج زوجته.
 
جدير بالذكر أنه من المقرر قانوناَ عملاَ بنص المادة 15 من القانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 أنه: "لا تسمع عند الإنكار دعوى النسب لولد زوجه ثبت عدم التلاقى بينها وبين زوجها من حين العقد ولا لولد زوجة أتت به بعد سنة من غيبة الزوج عنها ولا لولد المطلقة المتوفى عنها زوجها إذا أتت به لأكثر من سنة من وقت الطلاق أو الوفاة . 
 
وحيث إن المستقر عليه فقها – وفق الراجح بالمذهب الحنفى – تطبيق قاعدة: الفقهية "الولد للفراش، وللعاهر الحجر"، ومعناه الولد لمالك الفراش وهو الزوج أو المولى، أي السيد،  والمراد من "الفراش" هو المرأة، فإنها تسمى "فراش الرجل".، للعاهر الحجر يقصد بها الكناية عن خيبته وعدم ثبوت شي‌ء له.
وهذا ما جرى عليه العمل في المحاكم على تطبيق قاعدة "الولد للفراش"، وهناك مأساه تتكرر فى حالات طلب الآباء نفى النسب، ويطلب إجراء تحليل البصمة الوراثية، ومع ذلك ترفض المحكمة إحالة الدعوى لمصلحة الطب الشرعى، لان ذلك يخالف القانون الذى هو قد اعتد بالمذهب الحنفى كمرجع تشريعى إذا خلا نص قانونى من تنظيم مسألة بعينها – فالزوج نفسه يفاجأ بأنه مجبر على أن يكون أبا لأطفال ليسوا من صلبه، وترفض المحكمة الاعتراف بنتيجة تحليل البصمة الوراثية باعتباره دليلا قاطعا وتطبق قاعدة "الولد للفراش" .
 
وهناك ثغرات في القانون تزيد الأمر تعقيدا في ظل غياب نص في القانون المصري يلزم المتنازعين بإجراء تحليل البصمة الوراثية DNA ، الذي يعده الخبراء دليلا جازما في حسم هذه القضايا، فلا تجري هذه الفحوصات إلا إذا وافق الأب على إجرائها لكن المحكمة لا تلزمه بإجراء تلك التحاليل.
في تقديري فى حالة إنكار أو إثبات النسب يجب أن يكون القول الفصل للناحية العلمية فقط فالبصمة الوراثية (DNA) هي من القضايا المستحدثة في مواضيع إثبات النسب، ويجب ان تكون أولى بالحجية من (القيافة)؛ لاعتماد البصمة الوراثية على أسس علمية واضحة. لان العالم كله أصبح يحسم قضايا إثبات النسب أو نفيه عبر تحليل البصمة الوراثية التي تعطي نتائج يقينية .
 
وقد جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشرة (21-26/ 10/ 1422هـ) الموافق (5-10/ 1/ 2002م): "إن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين أو نفيهم عنهما، وفي إسناد العينة (من الدم أو المني أو اللعاب) التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها، فهي أقوى بكثير من القيافة العادية (التي هي إثبات النسب بوجود الشبه الجسماني بين الأصل والفرع)".
لذلك يجب أن يعالج المشرع ذلك الخلل بتعديل تشريعي يأخذ بالأسباب العلمية الحديثة ومنها تحليل البصمة الوراثية، وفي حالة رفض الرجل إجراء هذا التحليل يعد قرينة ضده ولصالح المدعية.
 
تجدر الإشارة أن معامل الطب الشرعى التابعة لوازارة العدل بها كل الإمكانات العلمية والاجهزة المعتمدة لإجراء هذا التحليل ، لذا نطالب بأن تكون الأدلة العلمية الدامغة لتحليل البصمة الوراثية DNA التى ثبتت بصورة يقينية وتقنية صحيحة أن تعتد بها المحكمة كأدلة قاطعة ودامغة وليس مجرد قرينة فقط.
وبناء عليه فإنني أناشد المشرع أن يحدث تعديل تشريعي يأخذ بالأسباب العلمية الحديثة والتطور العلمي الطبي في هذا المضمار ومنها تحليل البصمة الوراثية ويكون مُلزم لإثبات قضايا النسب .