محمود العلايلي
تجدد الكلام على مدار الأسابيع القليلة الماضية عن حق اكتساب الجنسية المصرية عن طريق الاستثمار، وهو ما تمت تسميته على منصات التواصل الاجتماعى « الجنسية المصرية'>بيع الجنسية المصرية» وهى تسمية مُنفرة دون شك، وهو ما قُوبل بالرفض من العديد من مرتادى تلك المنصات لأكثر من سبب.

أولها الشعور بالمهانة للجوء لتلك الطريقة لتحسين مدخلات الدولة، ثانيًا من قبل المتحمسين من القوميين المصريين الذين يرون أن الجنسية المصرية يجب ألا تنتقل إلا بالدم حفاظًا على العرق المصرى من الاختلاط، وثالث أسباب الرفض تخوفات لها علاقة بتهديد الأمن القومى المصرى من خلال فتح هذا الباب لمواطنى دول بعينها.

والحقيقة أن تلك المواقف قد تجبرنا على مناقشة أسباب الرفض من الأساس، قبل الدخول في أي مناقشة حول تفاصيل بنود القانون، وآلية تنفيذه، لأن اكتساب الجنسية عن طريق الاستثمار يعد طريقًا عاديًا في العديد من الدول، سواء الناشئة أو المتحققة اقتصاديًا، ولكن يبدو أن توقيت طرح المسألة جعل ذلك مرتبطًا بالوضع الاقتصادى الصعب مما دفع الكثيرين للرفض على أساس الكبرياء.

بينما لا تأتى الفائدة من المبلغ المدفوع لاكتساب الجنسية ولكن من الاستثمارات المرجوة من الشخص المكتسب، وما يعود على الدولة بعد تسهيل مناخ العمل عن طريق معاملته كمواطن، أما عن رفض القوميين المصريين الذين أعتبر نفسى أحدهم في كثير من المواقف، فالمسألة تحتاج بعض التأنى لأننا في عصر تتنقل فيه رؤوس الأموال والمعلومات بحرية شديدة بين دول العالم.

كما يتنقل الأفراد أيضًا ولكن ربما بدرجة حرية أقل، ولكن مقارنة بمائة سنة مضت فالإنسان هو الإنسان في أغلب دول العالم إلى حد كبير، بينما لا يمكننا التحدث عن نقاء العرق المصرى بشكل حاد إلا في أضيق الحدود.

وذلك في ظل الهجرات المنتظمة التي حلت بمصر من الشرق والغرب والجنوب، وفى ظل موجات الغزوات التي جرت على مصر من اليونانيين والرومان والعرب والأوروبيين على مر العصور، وترك كل غازٍ منهم بصمته، سواء عن طريق من جاؤوا واستوطنوا مع الغزاة، أو من التأثير الثقافى من العادات والتقاليد التي تراوحت بحسب تأثير كل مستعمر على مر الزمن.

وبالتالى لا أعتقد أن منح الجنسية لعدة مئات أو حتى آلاف قد يغير من التركيبة الديموجرافية المصرية إلى حد ملموس، أما عن التخوفات المشروعة على الأمن القومى المصرى فبالتأكيد أن عملية منح الجنسية ليست ببساطة شراء جنيه مصرى مقابل دولار من البنوك الموجودة في المطار، ولكنها مسألة تحتاج لإجراءات طويلة وبالتأكيد معقدة للسماح بذلك، حيث تجرى بحوث أمنية مطولة ودراسات ديموجرافية حتى لا يؤدى هذا الإجراء لإحداث أي خلل ديموجرافى على التركيبة السكانية المصرية.

إن العديد من دول العالم تحاول اجتذاب العقول كما تحاول اجتذاب رؤوس الأموال إليها، وبالتالى أرى أن التخوف الحقيقى يجب ألا يكون في منح الجنسية ولكن فيما بعد منح الجنسية، وإذا كان هذا المتجنس قد استفاد فعلًا من هذا الإجراء أم أنه يعانى كما نعانى من صعوبات مناخ الاستثمار، وعراقيل بيئة الأعمال، أما على الجانب الآخر فإن هذا التوجه يعطى انعكاسًا دوليًا مهمًا بقبول الآخر والقدرة على التعايش مع المُختلِف، وهى أمور تساوى الكثير في مجالات الاستثمار وزيادة فرص ضخ رؤوس الأموال.

ومن طبائع الأمور أن المتقدمين لاكتساب الجنسية في أول الأمر سيكونون من هؤلاء الذين لديهم مشكلات في دولهم أو يريدون اكتساب جنسية أكثر أمانًا تحت غطاء الاستثمار، إلى أن يحدث التوازن لتُمنح الجنسية لشخصيات تكون لها القدرة على الإنجاز وتطوير الحالة الاقتصادية، وهو المطلوب من ذلك الإجراء.
نقلا عن المصرى اليوم