ياسر أيوب
الحكاية أجمل وأكبر من مجرد بطل رياضى يعلن اعتزاله .. وإذا كان الإنجليز يرون محمد فرح أعظم عداء للمسافات الطويلة فى تاريخهم ويراه العالم بطلا استثنائيا فاز ببطولة العالم ست مرات وله أربع ميداليات ذهبية أوليمبية .. فالأهم من كل هذه البطولات والميداليات هو لماذا اضطر محمد لأن يجرى وكيف ظل يجرى طيلة حياته ليهرب من ماضيه وما فيه من خوف وعذاب ودموع .. فقد ولد فى مدينة جيبيلى بالصومال واختاروا له اسم حسين .. وحين أتم الرابعة من عمره اختفى أبوه وقيل أنه مات فى الحرب الأهلية وانتقل حسين مع شقيقه التوأم حسن ليعيش الإثنان مع أحد أعمامهما فى جيبوتى .. وحين كان فى الثامنة أخذته أو سرقته سيدة إنجليزية وسافرت به إلى لندن ليعمل خادما لها هى وأطفالها وأطلقت عليه من باب الخطأ اسم محمد فرح الذى أصبح اسمه الرسمى .. وبدأ محمد يجرى .. لم يكن يجرى بحثا عن بطولة وانتصار .. إنما كان يجرى ليهرب من خوفه وعذابه أو على أمل أن يرى شقيقه التوأم وأسرته مرة أخرى .. وكان من الواضح أنه موهوب فى الجرى فانضم لأحد الأندية الصغيرة غرب لندن وبدأ يخوض سباقات الناشئين ويفوز .. وانتبه إليه رجل يونانى اسمه إيدى كولوكونديس قرر رعايته وقام بكل الاجراءات القانونية اللازمة ليحصل محمد على الجنسية البريطانية .. وبعدها بدأ مشوار البطولات والانتصارات وميداليات الذهب .. وجاءت الشهرة والمال وعاد محمد إلى الصومال 2011 والتقى بأسرته وأنشأ هناك مؤسسة لرعاية الأطفال الفقراء الذين قرر منذ ذلك التاريخ أن يقتسموا معه أى جائزة مالية يفوز به بعد كل بطولة أو سباق أو تأتى به الرعاية والإعلانات بعدما أصبح بطل العالم فى سباقى 5000 و10000 متر .. وتزوج من تانيا وأنجب ابنتين .. عائشة وأمانى .. وعاش مع أسرته عده سنوات فى الولايات المتحدة قبل ان يقرر العودة إلى لندن من جديد .. وبعد كل هذا النجاح .. لم يشأ محمد أن تبقى حكايته وعذابات سنينه الأولى مجهولة لا يعرفها الناس .. فقرر أن يحكى كل شىء ليعرف الجميع لماذا كان وظل يجرى كل هذه السنين .. ولم يكن العمر فقط وبلوغ سن الأربعين هو الذى جعل محمد يعلن منذ يومين اعتزاله وأن ماراثون لندن فى أبريل المقبل سيكون أخر سباق يشارك فيه ولن يجرى بعد ذلك .. إنما لم يعد هناك مبرر لأن يبقى محمد يجرى فلم يعد هناك ما يخاف منه فيجرى ليهرب .. ولم يعد هناك ما يريده فيجرى ليحصل عليه .. وستبقى حكاية محمد فرح حافلة بكثير من الدروس والمعانى .. فكل الأفارقة الذين فازوا ببطولات وميداليات فى الجرى تحديدا كانت لهم حكايات موجعة تختلف تفاصيلها لكن تتشابه معانيها .. وكل بطولة رياضية وراءها دافع حياتى وانسانى وأيام صعبة وقاسية .. والذين يبحثون فى أى مكان وزمان عن أبطال جدد .. عليهم البحث أولا عمن يملك الدافع الحقيقى لأن يفوز وينتصر
نقلا عن المصرى اليوم