القمص يوحنا نصيف
    في إحدى المرّات، كان السيّد المسيح يوبّخ اليهود بقوله: "يا مراؤون، تعرفون أن تميّزوا وجه الأرض والسماء، وأمّا هذا الزمان فكيف لا تميّزونه؟" (لو12: 56). القدّيس كيرلّس الكبير له تعليق جميل وغني على هذا الحديث، فيقول:

    + الأطبّاء المدقّقون في عملهم، والذين صاروا ماهرين بالممارسة الكثيرة، يشفون المرضى من أمراضهم باستخدام أنواع متعدّدة من الدوية، والتي بواسطتها يُسكِّنون آلام الناس المُبرِحة.. هذا ما يفعله المسيح مخلّص الكلّ هنا أيضًا، لأنّه طبيب الأرواح، وهو يخلّصنا من أمراض النفس، لأنّه قال أيضًا بواسطة واحد من أنبيائه القدّيسين: "ارجعوا أيّها البنون العصاة، فاشفي عصيانكم" (إر3: 22). وإذ قد عرف النبيّ إرميا هذا الأمر، قدّم توسّلاته إليه بهذه الكلمات: "اشفني يارب فأُشفى، خلّصني فأخلُص، لأنّك أنت مجدي" (إر17: 14سبعينيّة).

    + لاحظوا كيفّ يُعدّ لنا (المسيح) دواء النُصح، ليس كما اعتاد أن يوجِّه كلامًا مباشرًا، بل إن جاز القول يخلطه، وكما لو كان ينسُج معه صورًا توضيحيّة مأخوذة من أمثلة، ليجعل الحديث أكثر نفعًا جدًّا..

    + إنّ الناموس أظهرَ لنا مقدَّمًا سرّ المسيح، وأنّه بالتأكيد سوف يُشرِق في الأزمنة الأخيرة على سُكّان الأرض، وأنّه سيصير ذبيحة لأجل خلاص الجميع. لأنّ الناموس قد أوصى أيضًا بذبْح حملٍ كمثالٍ له نحو المساء، وعند إضاءة المصابيح (خر12: 6) نفهم أنّه عندما يميل العالم إلى نهايته مثل النهار، فإنّه ستتمّ الآلام العظيمة والثمينة والخلاصيّة حقًّا، وينفتح باب الخلاص على مصراعيه لأولئك الذين يؤمنون به، ويكون نصيبهم سعادة غامرة.

    + نجد أيضًا المسيح يدعو العروس في سفر نشيد الأنشاد، والتي تمثِّل شخصيّة الكنيسة، ويصفها بتلك الكلمات: "قومي تعالي يا حبيبتي يا جميلتي، لأنّ الشتاء قد مرّ وزال. الزهور ظهرت في الأرض، وبلغ أوان القضب" (نش2: 10-12).

    + كان من واجبهم (اليهود)، نعم من واجبهم، لكونهم يملكون الفهم، ويقدرون أن يميِّزوا وجه السماء والأرض، أن يفحصوا الأمور المستقبلة أيضًا.. لا ينبغي لهم أن يَدَعوا زمن الخلاص يعبُر عليهم دون أن ينتبهوا له، ذلك الزمن الذي جاء فيه مخلّصنا، الزمن الذي فيه وصَلَت معرفة الحقّ الكاملة إلى البشريّة، وأشرقَت النعمة التي تُطَهِّر الخطاة. وذلك ليس بواسطة الناموس، لأنّ "الناموس لا يكمِّل شيئًا" (عب7: 19)، إذ له فقط الأمثلة والظلال، بل بالأولى بالإيمان بالمسيح، غير رافضين الناموس، بل متمّمينه بعبادة روحيّة. لأنّ الحكيم جدًّا بولس الرسول كتب يقول: "أفنُبطِل الناموس بالإيمان، حاشا" (رو3: 31)، ذلك الذي قد أُعلِنَ عنه بطرق عديدة مُسبَقًا بواسطة موسى والأنبياء. لذلك فمن واجبنا أن نسهر ونسعى بسرعة كي نصِل إلى الخلاص من خطايانا..

    + إنّ الذين يفتّشون عن زمن مجيء المسيح، ولا يجهلون سرّه، بل يعرفون جيِّدًا أنّ الكلمة مع أنّه إله، أشرق على سُكّان الأرض، وأنّه صار مثلنا كواحدٍ مِنّا، هؤلاء هم بعيدون تمامًا عن هذا الخطر (الدينونة)، فالمسيح يحرّرهم من كلّ لوم، وهو يبارك بغبطة زائدة أولئك الذين يؤمنون به، ويعترفون به كإله وابن الله.

[عن تفسير إنجيل لوقا للقدّيس كيرلّس السكندري (عظة 95) - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد]
القمص يوحنا نصيف