Etienne Driton
(1889- 1961 )

أخر مدير أجنبي  لمصلحة الآثار المصرية خلال الفترة من (1936- 1952 )

بقلم/ماجد كامل
يعتبر العالم الفرنسي "إيتين دريتون " Etienne Driton  (1889- 1961 ) واحدا من أهم علماء المصريات والقبطيات '> علماء المصريات والقبطيات في العالم ؛كما أنه يمثل حلقة فارقة في تاريخ مصلحة الآثار المصرية إذ يعتبر أخر مدير أجنبي يتولي إدارة المصلحة قبل أن يتم تمصيرها عام 1953 ؛ ويتولي إدارتها أول عالم مصري  هو المرحوم مصطفي عامر( خلال الفترة من" 1953- 1956 )   . أما عن دريتون نفسه فأسمه بالكامل هو "إيتين ماريو فيلكس دريتون "ولد في أحدي المدن الفرنسية وتدعي نانسي في 21 نوفمبر 1889 ؛ من أسرة مسيحية كاثولوكية متدينة ؛ فوالده كان صاحب دار نشر لللكتب الدينية ؛وأثنان من أخوته البنات قد صارتا مكرستين للخدمة في الكنيسة ؛  تلقي تعليمه الأولي في المدارس الفرنسية ؛ وفي دراسته الجامعية درس اللاهوت وعلم الآثار حتي صار كاهنا في كاتدرائية نانسي  ؛ ولقد تميز أثناء دراسته ببراعته الشديدة في إتقان اللغة القبطية ؛حتي كان الطلاب يتوافدون عليه من كل جهة لكي ينهلوا من علمه الغزير في هذه اللغة ؛ ولقد قيل عنه أنه كان يجمع طلابه بعد ظهر كل يوم في متحف اللوفر لإلقاء محاضرات عليهم .وكان يجمعهم أيضا في المعهد الكاثولويكي حيث كان يبدأ المحاضرة بالصلاة ؛ولقد ذكر أحد تلاميذه عن تأثير هذه المحاضرات علي الطلبة   حيث قال " كان تعليم هذا الأب حيا ومنيرا لدرجة إننا كنا في غالبية الأحوال نسجل أسماءنا عاما ثانيا من أجل متعة الاستماع إليه والاستفادة من عمله ؛وفيما يتعلق بدروسه في اللغة القبطية لم يكن يوجد له مثيل في فرنسا كلها " .

 ثم تعين بعدها في منصب مساعد مدير القسم المصري في متحف اللوفر ؛ ولقد أظهر نبوغا مبكرا خلال عمله في متحف اللوفر حتي قال عنه أحد كبار علماء المصريات الفرنسيين ويدعي " جوستاف ليفتر " "هذا الولد عبقري ؛أحيانا يبدو متهورا لكنه يسبقنا بخمسن عاما !".

 وفي عام 1936 جاء إلي مصر لإجراء بعض الأبحاث العلمية علي الآثار المصرية ؛ فقرر الملك فؤاد تعيينه مديرا  للمتحف المصري ؛ثم مديرا لمصلحة الآثار المصرية  خلفا  للعالم الفرنسي بيير لاكو  الذي كان قد أنتهت مدته ؛غير أنه أشترط عليه أن يخلع زي الكهنوت ويرتدي الملابس المدنية ؛ فلم  يعترض أو يمانع  ؛وارتدي البدلة والطربوش ؛ ودبر له منزلا مؤقتا في حديقة المتحف المصري ؛ وكانت أول مشكلة واجهته هو معارضة البعض لعرض الموميات المصرية مكشوفة هكذا في قاعات المتحف المصري ؛فأمر الملك فؤاد بوضع الموميات في توابيت خشبية ودفنها في مقبرة سعد زغلول (المعروف حاليا بمتحف سعد زغلول)  ؛ ولكن بمجرد وفاة الملك فؤاد خلال عام 1936 ؛ أعترض الوطنيون علي وجود التوابيت في ضريح سعد ؛وطالبوا برفعها من الضريح ؛ ووضعها في منزل الأب دريتون داخل حديقة المتحف المصري ؛ فطالب بسرعة عودتها مرة أخري إلي قاعات المتحف المصري ؛ومازلت معروضة بها حتي تم نقلها الي متحف الحضارة في يوم ٣ ابريل ٢٠٢١ . ثم طلب منه الملك فاروق أن يرافقه في جولة سياحية بجميع مواقع الآثار المصرية القديمة حيث كان يتولي شرحها بنفسه لجلالة الملك فاروق ؛ كما رافقه في الشرح أيضا عالم الآثار الانجليزي هوارد كارتر (  1874- 1939 )    مكتشف مقبرة توت عنخ أمون  . ولقد وثق به الملك فاروق إلي أقصي حد ؛حتي أنه كان لا يبخل به علي أي مال يطلبه دريتون لمصلحة الآثار.وبحكم عمله مديرا لمصلحة الآثار المصرية ؛بذل جهودا كبيرة جدا لإستصدار قوانين لحفظ حقوق الحكومة المصرية في الحفاظ علي الآثار المكتشفة وحمايتها من السرقة ؛ ولقد تميزت فترة إدارة دريتون بتشجيع ودعم علماء الآثار علي إجراء بحوثهم وإكتشافتهم ؛ففي عهده أكتشف العالم الفرنسي "بيير مونتيه مدينة الأموات الخاصة بملوك تانيس (الأسرتان 21 ؛22 ) بالدلتا ؛وكان ذلك خلال عام 1939 .كما قام العالم الفرنسي "برنار روبير " برفع أنقاض قرية قديمة للعمال في دير المدينة الغربي بالأقصر . كما أكتشف العالم "دي لاروك" أنقاض معبد مونتو في مدينة الكرنك بالأقصر . كما قام العالم الفرنسي "جورج جويون " (وكان أصلا مهندسا معماريا ) بتسلق الهرم الأكبر مائة مرة لتسجيل النقوش والمخربشات المدونة عليه ؛كما قام باالرفع الأثري لمصطبة تي بسقارة بالتعاون مع عالمة الآثار الفرنسية "الأنسة أبرون " . ومن أكبر جهوده في مجال الآثار القبطية ؛جهوده لتمكين الحكومة المصرية من مخطوطات نجع حمادي التي تم اكتشافها في عام 1945 بالقرب من دير القديس الأنبا باخومويس ؛ولقد تم تهريب جزء منها للخارج ؛ ولقد بذلك دريتون جهودا جبارة من أجل العمل علي عودة هذه المخطوطات المهربة مرة أخري إلي مصر وحفظها بالمتحف القبطي ؛;كما كان عضوا عاملا في جمعية الآثار القبطية منذ تأسييسها في عام 1934 وحتي وفاته في عام 1961  ؛وساهم بالكتابة في مجلتها العلمية في أكثر من مقالة .

 وفي هذا الأطار أيضا أرتبط دريتون بصداقة قوية مع مدير المتحف القبطي وقتها المرحوم الدكتور باهور لبيب  (1905- 1994 ) )  ولقد تميز منذ فجر شبابه بإتقانه الكامل للغة القبطية كما ذكرنا في المقدمة .  ولقد كان العالم الكبير دريتون حريص علي زيارة المتحف القبطي كثيرا جدا خلال فترة إدارة الدكتور باهور لبيب  (أنظر الصور الملحقة بالمقالة حيث نري ايتين دريتون بالبدلة البيضاء ؛ كما نري باهور لبيب علي يمينه بالبدلة السوداء ؛ أما الكاهن الموجود في الصورتين فهو القمص باسيليوس إبراهيم وكيل مطران الجيزة ؛ وقد أنتدبه الدكتور باهور لبيب للعمل في المتحف القبطي بعض الوقت للإستفادة من خبرته في المخطوطات القبطية ) .

ولقد تمت ترجمة أثنان من كتبه للغة العربية ؛الكتاب الأول هو "مصر"  ولقد قام بتأليفه بالاشتراك مع "جاك فانديه " أمين متحف اللوفر ؛وقام بترجمته إلي اللغة العربية عباس بيومي مدير المتحف المصري في ذلك الوقت ؛وقام بمراجعة الترجمة كل من الأستاذ محمد شفيق غربال شيخ المؤرخين ؛والأستاذ عبد الحميد الدواخلي . والكتاب مجلد ضخم من 800 صفحة ؛صدر عن دار النهضة المصرية عام 1951 ؛ ويتكون من 13 فصلا بيانهم كالتالي :-

1-الفصل الأول :- التكوين الجيولوجي لمصر .
2-الفصل الثاني :- مصر ما قبل التاريخ .
3-الفصل الثالث :- الديانة المصرية القديمة .
4- الفصل الرابع :- ما قبل العصر الثني والعصر الثني .
5-الفصل الخامس :- نهاية الدولة القديمة .
6-الفصل السادس :- نهاية الدولة القديمة وبداية الفترة  المتوسطة الأولي .
7- الفصل السابع :- الدولة الوسطي .
8- الفصل الثامن :- نهاية الدولة الوسطي والفترة المتوسطة الثالثة .
9-الفصل التاسع :- الدولة الحديثة .
10- الفصل العاشر :- الدولة الحديثة (السياسة الخارجية) .
11- الفصل الحادي عشر :- الدولة الحديثة (الحضارة والفن ) .
12- الفصل الثاني عشر :- من حري مصر إلي العهد الصاوي .
13- الفصل الثالث عشر :- من بسماتيك الأول إلي الأسكندر الأكبر .
ويوجد ملحق في نهاية الكتاب خاص بالترتيب الزمني لملوك مصر .

الكتاب الثاني الذي تمت ترجمته إلي اللغة العربية هو كتاب " المسرح المصري القديم" وقام بترجمته إلي اللغة العربية الدكتور ثروت عكاشة ؛ وراجعه الدكتور عبد المنعم أبو بكر ؛ وصدر عن الهيئة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر ( كما صدرت له طبعة حديثة عن المركز القومي للترجمة تحت سلسلة ذاكرة الترجمة ) . ولقد اثبت في هذا الكتاب معرفة المصري القديم بفنون المسرح .والكتاب ينقسم إلي بابين رئيسين :- الباب الأول يتضمن  ما نعرفه عن المسرح المصري من خلال المسرحية والعروض الدرامية . أما الباب الثاني فهو بعنوان "في سبيل البحث عن مسرح مصري ؛ ويعوض للنماذج التالية :-

1-مولد حور وتاليهه ولقد ورد في كتاب الموتي .
2-هزيمة أبو فيس الشاملة ؛ولقد وردت في بردية بريمتريد.
3-معركة تحوتي مع أبو فيس ولقد وردت في لوحة ميترنخ .
4-إيزيس وعقاربها السبعة ولقد وردت في لوحة ميترنخ .
5-حور وقد لدغه عقرب ولقد وردت في بردية ميترنخ.
6-عودة سيث ولقد وردت في بردية ميترنخ .

ويعرف دريتون بردية ميترنخ التي جاء بها أربعة عروض مسرحية بأنها لوحة جميلة مصنوعة من الحجر محفوظة في قصر ميترنخ في بوهيميا  وترجع للقرن الرابع قبل الميلاد ؛ ولقد تم النشر العلمي لها عام 1877 عن طرق عالم الآثار الروسي  جولنشيف  ؛ وتمت ترجمتها إلي اللغة الفرنسية عام 1915 .

ولقد قدر العلماء أن له حوالي أكثر من 250 بحثا منشورا ما بين مقالات ودرسات وأبحاث . كما توجد له مجموعة  من الكتب المكتوبة باللغة الفرنسية نذكر منها :-

1-دروس في قواعد اللغة المصرية ولقد صدر عام 1922 .
2-المسرح المصري القديم ولقد صدر عام 1925 ( صدرت له ترجمة باللغة العربية كما ذكرنا سابقا ).
3-المتحف المصري بمناسبة زيارة أمير إيران للمتحف عام 1939 .
4- آثار زوسر في سقارة ولقد صدر عام 1939 .
5- المعتقدات العادات الجنائزية في مصر القديمة ولقد صدر عام 1943 .
6- الأعياد القديمة ولقد صدر عام 1944 .
7- الفن المصري ولقد صدر عام 1951 .
8- مصر "بالاشتراك مع جاك  فانديه "  ولقد صدر عام 1951 ؛وصدرت له ترجمة عربية في نفس السنة كما ذكرنا سابقا .
9- مصر الفرعونية ولقد صدر عام 1959 .

وبعد انلاع ثورة يولية 1952 ؛ سافر الي فرنسا وعمل استاذا لعلوم المصريات بالكولوليج دي فرانس . وظل يعمل بها حتي وصل الس سن التقاعد ؛ثم توفي أخيرا في فرنسا في 17 يناير 1961 عن عمر يناهز 72 عاما .

ويبقي في النهاية أمل وأمنية ؛أما الأمل فهو العمل علي إعادة طبع الكتابين الذين سبق ترجمتهما إلي اللغة العربية في طبعات شعبية بسيطة .أما الأمنية  الثانية فهي العمل علي سرعة ترجمة بقية كتبه ومقالاته باللغة الفرنسية إلي اللغة العربية وذلك حتي تعم الفائدة علي الجميع .