هاني لبيب
كتبت أن العديد من معارض الدول العربية قامت بمنح أماكن العرض لدور النشر مجانًا، إسهامًا فى دعم نشر الكتب.. بينما تفكر وتدرس الهيئة المصرية العامة للكتاب حاليًا رفع قيمة الإيجار للناشرين لمعرض القاهرة القادم.. وهو ما يعنى أننا ندير عملية نشر الكتاب بمنطق عقلية تُجّار الجملة وليس صُناع الوعى.. وذلك بمقال الأسبوع الماضى «قبل أن يباع تراثنا الفكرى لتجار الورق والأنتيكة».

وفى هذا المقال، أتناول حال «دار الأوبرا المصرية» التى تجاوز تأسيسها الآن أكثر من 150 عامًا، حيث تم افتتاحها فى زمن الخديو إسماعيل مع الاحتفال بقناة السويس عام 1869. وأُديت فيها أوبرا عايدة الشهيرة التى لحنها الموسيقار الإيطالى فريدى. وظلت دار الأوبرا المصرية هى الوحيدة بين الدول العربية حتى عام 2011، حيث تم افتتاح أوبرا سلطنة عمان، ثم تبعتها الكويت والإمارات عام 2016.

ومنذ ذلك الحين تطورت الأوبرا المصرية، ولم تعد مجرد مسرح كبير وقاعات تقام فيها الاحتفالات الكبرى والرسمية والعروض الفنية من مختلف دول العالم، ولكنها أصبحت تضم فرقة بالية أوبرا القاهرة، وأوركسترا أوبرا القاهرة السيمفونى، والفرقة القومية للموسيقى العربية، وفرقة الرقص المسرحى الحديث.. بالإضافة إلى مركز الإبداع الفنى ومكتبة الأوبرا الموسيقية ومتحف الفن الحديث.. وتُقيم دوريًا صالونات ثقافية، ومعارض فن تشكيلى، ومهرجانات موسيقية صيفية لفرق الهواة.. كما تعرض أعمال كبار الفنانين والفرق العالمية باتجاهاتها المختلفة.

تواجه دار الأوبرا المصرية العديد من التحديات، يأتى فى مقدمتها الميزانية المحدودة التى لا تكفى الأنشطة والتجهيزات اللوجستية والأجور. ووصل الأمر إلى تأجير مسارح الأوبرا وقاعاتها للحفلات الخاصة، دون مراعاة لقيمة دار الأوبرا المصرية، وكأنها قاعات تُستأجر دون معايير محددة.

وفى السياق نفسه، نطرح هنا أيضًا ملف الفرق الأجنبية التى يتم التعاقد معها دون رؤية فنية وإدارية واضحة. كما نجد مركز تنمية المواهب الذى تحول إلى مكان لاستقطاب المتدربين للمدربين خارج أسوار الأوبرا.

كما تعانى الأوبرا المصرية من مشاكل ساذجة أخرى، على غرار خلل تنظيم الفعاليات الكبرى، خاصة فى نظام الحجز الإلكترونى للتذاكر، والحديث عن السوق السوداء لبيع التذاكر، فضلًا عن التجاوزات التى تحدث فى توزيع الدعوات المجانية من مجاملات وغير ذلك. ترتب على ما سبق تفاقم المشكلات للدرجة التى جعلت الفنانة أنغام تعتذر لجمهورها بسبب مشكلة رداءة الصوت، ما جعلها تتوقف عن الغناء أكثر من مرة فى احتفال عيد الأم فى 21 مارس 2022. كما ألغت الفنانة اللبنانية نوال الزغبى حفلها المقرر فى 20 يونيو 2022 بسبب ما وصفته بـ«الفوضى وعدم المهنية فى نظام حجز التذاكر».

وأين فعاليات وأنشطة أوبرا المنصورة التى تم افتتاحها سنة 1902، وأوبرا الإسكندرية «سيد درويش» التى تم افتتاحها سنة 1921، وأوبرا دمنهور التى تم افتتاحها سنة 1930؟ وإلى أين وصلت أوبرا مدينة 6 أكتوبر؟

نقطة ومن أول السطر..

ليس الحل بالدرجة الأولى فى تغيير قيادات ومسؤولين، ولكن بإعادة النظر فى دورة العمل وأسلوبه، مع مراعاة أن دار الأوبرا المصرية هى مركز الإبداع والفنانين.. وهو ما يعنى أنه لا يمكن التعامل معها بالأسلوب المتبع فى إدارة دولاب العمل الحكومى التقليدى، لاختلاف طبيعتها وتميزها، ما يتطلب إعادة النظر فى شروط اختيار قيادات الأوبرا، والتفكير الإبداعى فى الرؤية المستقبلية لعملها.

إنها محاولة أخيرة لاستعادة الفنانين والمبدعين الذين هجروا الأوبرا، سواء للقطاع الخاص أو لاستكمال إبداعهم فى دول أخرى بحثًا عن فرص أفضل.
نقلا عن المصري اليوم