عبد اللطيف المناوي
قد يكون هذا الشتاء هو الأكثر قسوة على البشرية، ليس على مستوى الطقس، ولكن على مستوى الأوضاع الاقتصادية فى العالم كله.

ربما لا يُستثنى أحد من هذه الموجة القاسية، وربما كانت التداعيات أكثر وأقوى على عدد من الدول الأوروبية.

القارة العجوز على موعد مع شتاء قاسٍ سوف ترتفع فيه وتيرة أسعار الطاقة بكل قوة، وهذا ولاشك أدخل الشعوب الأوروبية فى نوبة من القلق على المستقبل القريب، بل وهناك احتجاجات تندلع بين الحين والآخر فى بعض شوارع وعواصم أوروبا تندد بارتفاع تكاليف الطاقة، خصوصًا أنهم مُقبلون على موسم تزيد فيه استخدامات وسائل التدفئة.

بدأ القلق يتسرب إلى شوارع بريطانيا والنمسا وفرنسا، بدأ يتسرب بقوة فى شوارع وبيوت ألمانيا، وبدأت الحكومات تفكر فى بدائل أخرى للطاقة الآتية من روسيا، بل وبدائل لوسائل الطاقة التقليدية.

لقد تكفلت الحرب الروسية بما يكفى من الغموض حول المستقبل، لقد تكفلت بإغلاق منابع الطاقة الروسية، بل ومنابع الكثير من السلع وسلاسل التوريدات التى توقفت، ووحده الله يعلم متى ستعود الحياة إلى طبيعتها.

لقد تكفلت الحرب بمستقبل قريب مجهول على المستويات الاقتصادية فى أوروبا، ليست هناك ارتفاعات فى أسعار الطاقة فحسب، بل موجات من الغلاء، وزيادة فى معدلات التضخم، التى قد تزيد عن النسب الكبيرة المحققة خلال العام الماضى.

لقد تكفلت الحرب الروسية بتلاشى الدعم المادى الأوروبى لأوكرانيا بشكل ملحوظ، فقد انخفض إجمالى الالتزامات الجديدة للمساعدات العسكرية والمالية من بريطانيا وألمانيا وبولندا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا فى مايو ويونيو الماضيين، وانخفضت المعدلات أكثر فى الشهور التالية.

أما أمريكا فهى أيضًا تعانى، فقد تسببت حرب أوكرانيا فى الكثير من الألم لسكان القارة البعيدة، لهؤلاء الذين أرهقتهم فى السابق الحرب الباردة، فجاءت حرب أسخن على المستوى الاقتصادى مع توقعات بقفزة كبيرة فى أسعار الطاقة.

وقد توقع تقرير صادر عن «جمعية مديرى مساعدة الطاقة الوطنية الأمريكية» (نيادا) أن ترتفع أسعار الغاز بمعدل 17% عن العام الماضى، وأكثر من 35% عن عام 2020. وقال التقرير، الذى صدر الأسبوع الماضى، إن فواتير التدفئة المرتفعة ستكون عامل ضغط آخر على الأمريكيين الذين يشعرون بآثار التضخم فى جميع جوانب الحياة، مشيرًا إلى أن الضغط الناجم عن ارتفاع الأسعار سيؤثر بشكل كبير على العائلات الأمريكية.

ووفقًا للتقرير، فإن الولايات المتحدة، وللسنة الثانية، تشهد ارتفاعًا كبيرًا فى أسعار تدفئة المنازل، وفى جميع المجالات ستعانى الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط.

العالم بات ينظر إلى الخليج ومنطقة الشرق الأوسط باعتبارها المنجم الأخير للطاقة، لذا صارت الأنظار كلها على المنطقة، التى هى الأخرى تتوقع شتاء آخر مختلفًا، ليس على مستوى الطقس، ولا على مستوى الطاقة، ولا حتى على المستوى الاقتصادى، رغم التأثر الواضح به، بل على مستوى عقد التحالفات والتصرف الصائب فى الوضع الجديد بالعالم.
نقلا عن المصري اليوم