أمينة خيري
أعود مجددًا إلى الأعراض المرضية الآخذة فى الظهور، وهى الأعراض الناجمة عما أصاب المصريين على مدار 50 عامًا من التخلى عن الهوية والتعلق بتلابيب هويّات وثقافات غير مصرية والوقوع فى براثن «نسخة» دينية نبذها أصحابها.

ولأن الدين فى بلادنا لم يعد عقيدةً يحتفظ بها المرء لنفسه، أو طقوسًا يمارسها، أو أفكارًا يحتفظ بها لنفسه، بل منظومة حياتية كاملة تفرض نفسها على الجميع، ويتحتم على الكل إعلانها والجهر بها حتى لا يضعوا أنفسهم موضع الشبهات، فإن قضية الطفل سواء كان اسمه «شنودة» أو «يوسف» مازالت حبيسة «الهسهس» الدينى الجمعى. هذا «الهسهس»، كما أشرت من قبل، ضرب عقل المجتمع ومنطقه فى مقتل.

لا يهم إن كان الطفل يتعرض لصدمة نفسية وعصبية مستمرة بينما نحن منشغلون غارقون فى لعبة شد الحبل.. لكن الحبل هنا هو الطفل الذى لا حول له أو قوة. هل هو ضرْبٌ من الجنون هذا الذى يجعل البعض يعتقد أن إبعاد الطفل عن كنف الأسرة التى احتضنته فى بيتها يعنى خسارة فادحة للمسلمين ونكبة كبرى للإسلام؟.

ألا يعكس هذا الفكر، الذى لا يستحى معتنقوه عن التفوه به جهرًا والتفاخر به على منصات التواصل الاجتماعى، ما نحن فيه من مستنقع فكرى بلغ من السطحية والضحالة ما لا يمكن السكوت عليه؟ ألا يعكس ما يثار فى هذه القضية ما أوصلنا له الخطاب الدينى الذى ظهر فى السبعينيات ويهمين حتى اليوم بكل إصرار وعناد؟.

وأنتقل هنا لمقتطفات من رسالة وصلتنى من القارئ العزيز الأستاذ جورج نسيم، الذى لا يتحدث عن مكسب إضافة مسيحى إلى المسيحية أو خسارة مسلم، لكن يتطرق إلى الأعراض المرضية فى مجتمعنا.

يقول: «التفرقة بين المواطنين بسبب الجنس أو اللون أو الانتماء الدينى مشكلة اجتماعية تنبع من ثقافة المراهقين وليست ثقافة المتنورين فكريًا. التفرقة بين المواطنين على أساس اللون أو العقيدة ثم التماس العذر لهؤلاء لانعزالهم فى تجمعات خاصة بهم وأندية يترددون عليها ومدارس حكر عليهم من شأنه أن يزج بالمجتمع المتحضر إلى نظام قبلى ومجموعات متنافرة.

وبالطبع ستتصاعد أصوات مناهضة لفكرة تكوين تجمعات وأندية ومدارس لقطاع من المواطنين، وندخل فى حلقة مفرغة من التضارب والتناحر. وهنا لن يكون هناك طرف منتصر وآخر خاسر.. بل سيكون هناك مجتمع خاسر مفكك مريض».

ويرى القارئ العزيز أن الحل يكمن فى «جمعيات مدنية وهيئات ثقافية تعمل على نشر وغرس مفاهيم الدولة المدنية الحديثة القائمة على المواطنة والمساواة والعدل فى كل أوجه الحياة، من سياسة ورياضة وتعليم.. وغيرها. وعلى هذه الجمعيات أن تعمل فى كل مدينة وقرية ونجع.

ويجب أن تكون معايير الاختيار فى أى منصب أو وظيفة الكفاءة وليس المعتقد. علينا أن نعالج المرض بعدما اكتفينا بعلاج العرض لسنوات». وأقول إن الكلمة السحرية هى «المواطنة».
نقلا عن المصرى اليوم