كتب – محرر الأقباط متحدون
"ابن الدموع".. هو القديس أغسطينوس، فيلسوف المسيحية، الذي حمل هذا اللقب بعد الكثير من الدموع التي ذرفتها والدته لمدة عشرون عاما، لكي يرجع إلى ديانته الأصلية وهي المسيحية. ليعود إليها فيلسوفا، وكاتبا تاركا بصمته اللاهوتية والإنسانية حتى الآن.

ولد أغسطينوس، في 13 نوفمبر عام 354، من أصل "نوميدي- لاتيني"، في طاجاست (حاليا سوق أهراس في الجزائر)، من أم مسيحية وأب وثني، وأم مسيحية، وكان والده غنيا، ويشجعه على الشرور، وأرسله في سن السادسة عشرة إلى قرطاجنة، ليدرس علم البيان، بصحبة مجموعة من أصدقاؤه الذين شجعوه على الإنغماس في حياة اللهو والشرور.

سافر إلى روما في عام 382، وبعدها أرسل حاكم ميلان إلى حاكم روما يطلب أستاذًا في البيان، فبعث إليه أغسطينوس، وقد دبرت له العناية الإلهية الالتقاء بالقديس أمبروسيوس أسقف ميلان، الذي شمله بحبه وحنانه فأحبه أغسطينوس وأعجب بعظاته، وكان مداومًا على سماعها لما فيها من قوة البيان دون الاهتمام بالمعنى الروحي لها.

عاد يقرأ الكتاب المقدس خاصة رسائل معلمنا بولس الرسول فأعجب بها، خاصة في ربطها العهد القديم بالعهد الجديد.
عندما بلغ من العمر 32 عاما، وبالتحديد في عام 386، أعلن أغسطينوس توبته، وصلى صلاته الشهيرة: "عاصفة شديدة... دافع عني... وأنت فحتى متى؟ إلى متى يارب؟ أتغضب إلى الأبد؟ لا تذكر علينا ذنوب الأولين. فإنني أشعر بأنني قد اُستعبدت لها. إلى متى؟ إلى متى؟ أ إلى الغد؟ ولما لا يكون الآن؟! لما لا تكن هذه الساعة حدًا فاصلًا لنجاستي؟" وبكى بمرارة...

عاد أغسطينوس، للمسيحية فيلسوفا كاتبا، بعد أن تاب عن كل خطاياه، وواجه العديد من الهرطقات، أهمها بدعة "المانويين"، وسيم كاهنا على مدينة "هيبو"، ثم أقيم أسقفًا مساعدًا لفاليروس عام 395 م. الأمر الذي أحزن الهراطقة وأثاروا شغبًا ضد الشعب وحاولوا قتله.

ترك "أغسطينوس، حوالي 232 كتابًا، أهمها كتابه "الاعترافات"، والذي يعتبر أول سيرة ذاتية، في الغرب المسيحي، وما زالت منتشرة في كافة أنحاء العالم. بالإضافة إلى كتب التفسير للعديد من أسفار الكتاب المقدس، بالإضافة إلى كتاباته لمحاربة الهراطقة ضد اليهود والوثنيين، وضد أتباع ماني وضد الدوناتيين وضد البيلاجيين وضد الأوريجانيين.

من أشهر المواقف في حياته، عندما تاب عن شروره وأعماله، جاءته، الفتاة التي كان على علاقة –غير شرعية- بها، وطرقت بابه فقال لها ماذا تريدين؟ فردت عليه أنها تريد حبيبها أغسطينوس، فرد عليها أن أغسطينوس الذي تعرفينه –الإنسان الشرير- "مات".

ومن أشهر مقولاته: "يا طمّاع لماذا تتوق إلى السماء و الأرض ، أليس خالقهما أفضل منهما"، "بقدر ما تسمو النفس على الجسد بقدر ذلك عليك أن تهتم بها لئلا تؤذيها"، و"يا الله لقد خلقتنا لذاتك ونفوسنا لن تجد راحتها إلا فيك".

تنيح القديس أغسطينوس، في عام 430 ميلادية، ولكن قبل رحيله بأربعة سنوات، استعان بأحد الكهنة لتدبير أمور الكنيسة، ليكون خليفته، وليتفرغ هو للاستعداد للرحيل عن العالم، حيث ظل يبكي على خطاياه حتى نهاية حياته وتوفي عن عمر يناهز 76 عاما.