سحر الجعارة
الإنسان لن يحاسب فى النهاية على كمّ المال الذى جمعه أو شهادات الدبلوم التى حصل عليها، ولكن سيحاسب على «هل أطعم جائعاً.. أو كسا عارياً.. أو آوى مشرداً».. هذه رؤية الأم «تريزا» التى كرّست حياتها لخدمة الفقراء والمرضى والمحتاجين.. لكنها لن تدخل «الجنة» فى رأى المتطرفين!! كذلك لن يدخلها السير «مجدى يعقوب» أيقونة الإنسانية، ولا الشهيدة «شيرين أبوعاقلة»!

«أنت كافر» دنيا وآخرة، يصمونك بالعار ويرجمون دينك وكتابك الذى أمرهم الإسلام بـ«الإيمان به».. إنهم «وكلاء الله على الأرض»، الذين احتكروا توزيع «صكوك الغفران» كيفما تشاء أهواؤهم أو تقتضى مصالحهم، احترف بعضهم تكفير الأقباط والمفكرين والمبدعين! والبعض الآخر يحملون سيوفاً مسمومة، لتُطير أعناق من خدموا الإنسانية، وعلى جثثهم يرفعون أنفسهم إلى مصاف «أنصاف الآلهة».. ليقرر بعضهم «من يدخل الجنة'> الجنة ومن يدخل النار».

نحن فى عام 2022 نحدد مصير البشر بعد الموت، نتحكم بالريموت كنترول فى أبواب الغيب، ونوزع البشر بين النعيم والجحيم ونحن لا نملك قدرة اللسان الذى نطق بالتكفير فقد يُخرسه الله بعد ثانية.

لقد مللت تكرار أسماء «حزب التكفير» وموجات الكراهية التى تجرفنا فى الفضاء الإلكترونى وتسمم واقعنا بالفتنة، فى تصريحات لقناة «فرانس 24» يقول المفكر الإصلاحى الباحث «إسلام بحيرى» إن القرآن قد حسم مصير أهل الكتاب فى الآخرة كالمسلمين تماماً، يقول الله تعالى: (لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ)، (سورة آل عمران، الآية 113).. و«ليسوا سواء» المقصود بها هنا من يحاربون النبى ومن يناصرونه.

ويوضح «بحيرى» أن الفضاء الإلكترونى مجرد مرآة، مجرد ناقل لما هو فى المؤسسات الدينية الرسمية فى الوطن العربى.. هذا كلام المؤسسات المعتمد، وهم أيضاً ناقلون لما أُنتج فكرياً من القرن الثانى والثالث الهجرى ولا تغيير بعده كما نقول دائماً فى كل كتاباتنا وبرامجنا إنه من بعد القرن الثالث الهجرى وما سُمى بـ«الإجماع» لا وجود لأى تجديد أو فكرة أو مراجعة أو نقد أو النظر فيما أنتجوه فهم بالتالى ناقلون وناقلون أمناء على هذا الإنتاج الفكرى المؤسف والمخزى.

ورغم ذك فنحن ندور فى حلقة مفرغة من التعصب والشحن الدينى بمعاداة الآخر والتشكيك فى عقيدته ورميه بالكفر.. والمفزع فى الأمر هو «الصمت المتواطئ» مع أقطاب التكفير مثل المدعو «مجانص» عبدالله رشدى أو سامح عبدالحميد!

حالة «الاستعلاء الدينى» تنتقل مثل فيروس من «دعاة- اليوتيوبر» إلى رجل الشارع العادى، لقد تم برمجته بنفس منهج التنظيمات التكفيرية أنه «الأفضل» رغم أن إسلامه يشترط الإيمان برسل الله وكتبه: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)، (البقرة 285).. لكنهم يستخدمون آيات «المشركين» فى مواجهة أهل الكتاب.

يرى «إسلام بحيرى» أن هذه القوة الاستعراضية قد جاءت للمسلم العادى من الإحساس بأنه «تابع» لمن ادعوا أنهم «أهل الذكر».. وبالتالى لا يمكن أن نلومه لأنه مشحون بهذا الغل والتكفير العلنى للآخرين لأنهم علموه أن هؤلاء كفار وأنت لك «الجنة» مهما فعلت، المهم أن تموت على الشهادة، وهذا تناقض فج مع القرآن الكريم.. العالم العربى أسير للمؤسسات الدينية السجينة فى تراث تكفيرى.

ويضيف «بحيرى»: «هذا الوضع ليس ضعفاً من الدول لكنها تحرص على عدم حدوث فتنة بين جموع الناس.. لأن أغلب الناس تصدق هيئة وشكل المؤسسات الدينية وتعتقد أنها الدين».

هل يفرق هذا الإنسان عن الإرهابى الذى يفجر نفسه فى الأبرياء اعتقاداً منه بأنه سوف يفوز بالجنة ويتمتع بحور العين؟.. الحقيقة لا فرق: «التكفير إرهاب نظرى» يعد ميليشيات جاهزة لتفجير الوطن.. قنابل موقوتة على رؤية امرأة بدون حجاب أو قس يرتدى زيه الكنسى ويمسك قبضته على صليبه.. كتائب متربصة بدور العبادة ورقاب المجددين والمصلحين.. لأن «شيخه قال»!

دعونا نترحم على روح القمص «أرسانيوس وديد»، شهيد الوطن، نكاية فى حزب التكفير.
نقلا عن الوطن