يُعرَّف التنطع بأنه التكلف والمغالاة فى القول والفعل، والمتنطعون هم الخائضون فيما لا يعنيهم، والأصل فى التنطع أنه التعمق فى الشىء، والمتنطعون هم المتعمقون الذين يخرجون عن حد الاتزان، والدعاء عليهم فى الحديث الشريف بالهلاك دلالة على ذم ما هم فيه من حال التنطع، أو هو إخبار عن هلاكهم فى الآخرة، كما قال بعض العلماء.
 
أُطلق التنطع على كل مَن يتعمق فى الشىء، أى يتشدد فيه، سواء فى الأقوال أو الأفعال، فيبتعد بذلك عن الوسطية والاعتدال، وهما روح الإسلام.
 
ومن أمثلة ذلك: السؤال عما لا يقع من الحوادث والمسائل، والسؤال عن تفاصيل المغيبات التى لا يعلمها إلا الله، كالروح والساعة، ومن التنطع أيضًا تحريم الحلال، والابتداع فى الدين، والغلو فى الممارسات والعقائد والأفكار.
 
وصفًا، الْمُتَنَطِّعُونَ وجوه كالحة ودماء مالحة، نفوس متصحّرة من الرحمة، يستكثرون على الشهيدة «شيرين أبوعاقلة» لقب شهيدة، ولا يترحّمون، والشهادة لله ولا نتألّى على الله، سبحانه وتعالى.. نحتسبها شهيدة، وربك علام الغيوب والقلوب.
 
ومن المتنطعين غِرْبَان، يتأبطون شرًّا، ويعتملون ثأرًا، وقلوبهم سوداء، أسود من لون صخور البازلت، موتورون من كل الناس، أحياء وشهداء، يضِنّون بالشهادة على فلسطين'> شهيدة فلسطينية روَت بدمائها أرض وطنها، باعتبار الشهادة حصريًّا على المسلمين، واكتشفوا إذ فجعة أنها مسيحية، فأخرجوها من جنتهم، باعتبارها حكرًا عليهم، ويتبجحون فى أثرها ولا يترحّمون.. فعلًا الأذِيّة طبع أسود.
 
فى زمن الجراد البشرى الأسود، الرحماء يترحّمون ويطلبونها شهادة هبة من أكرم الأكرمين، إلا مَن كان مُسْوَدَّ الوجه وهو كظيم.. يبخل برحمة ربك وجناته على الشهداء، يفرق بينهم بما فى نفسه من فرز طائفى بغيض.
 
فعلًا ما يبقى على المداود (حوائط الفيس) غير شر البشر، ربنا رزقنا ببشر ما هو بشر، جلمود صخر، لا تهزهم الشهادة، ولا يرْعَوُون للموت، الموت مبقاش له جلال يا جدع، ولا يزعجهم الفقد، ولا يتّعظون، يظنون أنهم مُخلَّدون، يُشيعون هواء فاسدًا فى الأجواء.
 
الناس الطيبة تترحّم وتتشهّد وتذكر الحسنات، وناس شريرة تتلمّظ، وتنكر وتستنكر، وتُحرم، وتستدعى فقهًا ماضويًّا مطمورًا من قرون، شهادة شيرين أبوعاقلة فرصة تسنح لاستخراج صديد نفسانى متحوصل فى أعماق نفوس مريضة، يبخّون فى وجه البشر سخامًا أسود، والناس فى جنين ورام الله مجروحة، ومتلهفة على كلمة طيبة ترد الروح المتعَبة.
 
عجبًا، يتربص اللئيم بنا الدوائر، وفى مواكب الحزن، يسارع بالتتويت والتغريد ليحجز مكانًا فى سباق الشامتين، عَقُور لا يحتمل تعزية طيبة، ولا دعوة بالرحمة، يدخل بفأسه يحفر قبرًا موقَدًا، وهات يا تقطيع فى كفن الميت، يُعرِّيه من الطيبات، ويلقى عليه من السيئات.
 
الناس تُعزى، وعديم الرحمة يقطع فى الجثمان بالسكين، ويتنطع مستهجنًا الترحُّم على الشهيدة، لا بيترحّم ولا بيسيب رحمة ربنا تتنزّل على العباد.
 
صنف من البشر خلو من المادة الخام للإنسانية، هم وقود الكراهية المشتعلة فى الفضاء الإلكترونى، قسَت قلوبهم، فصارت كالحجارة أو أشد قسوة، لا يهزهم الموت، ولا يخشعون، ولا يختشون، ولا يهجعون، مثل الغِرْبَان ومنهم الْغُرَاب النُّوحِىّ.. وعلى رأى طيب الذكر، صلاح عبدالصبور: «كيف ترعرع فى وادينا الطيب هذا القدر من السفَلة والأوغاد؟!».
نقلا عن المصري اليوم