الاب الدكتور اثناسيوس حنين
Ό Λόγος ένανθρώπησεν ίνα ήμείς θεοποιηθώμεν
Vita Antoni 54
الكلمة صار انسانا لكى ما يصيرنا ألهة

ولد  أثناسيوس (خالد) فى مدينة الاسكندرية عام 290 ميلادية من ابوين امميين (وثنيين)ذو ثقافة هيللينية ويتكلمون اللغة اليونانية (ايجيبتيوتيس Αιγυπτιούτηες ) أى يونانيون مولودين فى مصر وعرفوا ثقافتها وعاداتها وتكلموا لغتها وعاشروا أهلها’ومن ثم تحول للمسيحية فى سن الشباب .قرأ الفلاسفة اليونان مثل هوميروس وديموستينوس وافلاطون . لم يقرأ من النصوص الاصلية أو المخطوطات بل من مجموعات كانت سائدة تسمى "الانثولوجيا) وقرأ الكتاب المقدس فى ترجمته السبعينية اى باللغة اليونانية وكما تعرف على  الفكر المسيحى لاغناطيوس الانطاكى وأثيناغوراس ’ايرينيؤس واوريجينوس حسب شهادة    القديس غريغوريوس النزينزى . تعلم اثناسيوس ايضا اللغة القبطية وتكلمها بطلاقة وان كان هناك شكوك فى قرائتها او كتابتها بنفس الطلاقة وهذا يفسر علاقته الحميمة برهبان البرية وخاصة انطونيوس . لقد وحد اثناسيوس بين التقوى القبطية فى البرية والبلاغة الهيللينة فى الاكاديمية (راجع M. Samonetti , Dictionnaire Encyclopedique Du Christianisme Ancien , tome 1 ,Paris , Ed. Cerf 1990  page 285 ) .يذكر السنكسار القبطى اليوم السابع من بشنس (راجع السنكسار ’ ج 2 ’ مكتبة المحبة 1972 ص 154 ) قصة رؤيته لبعض اولاد المسيحيين يقومون بتمثيل الطقوس المسيحية ...ولما اراد مشاركتهم قالوا له انك وثنى ولا يجوز لك الاختلاط بنا . فقال لهم انا من الان نصرانى .....’ ففرحوا به وجعلوه عليهم بطريركا ’ واتفق عبور البابا الكسندروس فى تلك الساعة فلما رأهم على هذه الحال قال للذين معه عن أثناسيوس .لابد ان يرتقى هذا الصبى الى درجة سامية يوما ما’كما يذكر السنكسار ان اثناسيوس هو أول من لبس زى الرهبنة من يد انطونيوس وجعله زيا لكل البطاركة والاساقفة ورسم انطونيوس قسا وقمصا )!!!هنا بيشم الباحث يد غريبة عن التراث القديم واترك لكم ولمداخلاتكم البقية .

يشعر الباحث فى سيرة الخالد اثناسيوس (295 - 373 )  )أنه لم يعد هناك شيئا يقال فيه أو عنه  بعد أن عاشه وكتب عنه وتأمل فيه عظماء العالم ونساك الكنيسة بل وشعبها وشبابها وصباياها وصار اسمه وحده ولاهوته وسيرته تستغرق قسما كبيرا من الاوراق البحثية فى المؤتمرات اللاهوتية فى العالم وخاصة مؤتمر الباترولوجى فى اكسفورد والذى يتم كل اربعة سنوات وقد قدمت فيه العام الماضى (المرة القادمة 2023 واتمنى ان نذهب معا )ورقة بحثية عن علاقة اثناسيوس بانطونيوس وهى فصل من رسالة الدكتوراة التى تقدمت بها الى كلية الاداب جامعة ليموج بفرنسا (Le Monachisme Egyptien revelateur de l,Ame Copte ,these pour obtenir le grade de Docteur ,presente par le pere Nagi Athanasios HENEIN .universite de Limoges ,Faculte des Lettres et des Sciences Humaines , Limoges 20088.)’ ولكن التوقف عن الكلام عنه وهو الخالد او خالد حسب اسمه سيعد ذلك جحودا وتجنيا بل ونوع من التجديف على الروح الذى عمل فى اثناسيوس ولا يزال يعمل فى الكون والكنيسة الجامعة وحياة المؤمنين . لكى نعرف مدى مساهمات اثناسيوس فى صياغة حاضر الكنيسة والترتيب لمستقبلها لابد من وقفة مع الماضى القريب أى القرن الثانى والذى توقف عند لاهوت بولس و اغناطيوس ورؤية " انجماع كل شئ الاناكيفاليوسيس " لبوليكربوس . ونأتى لما حدث  بعد أن اصدر الملك قسنطنطينوس مرسوم ميلانو عام 313م وصار الملك  الاوحد المونوكراطور .هنا  وجد المسيحيون انفسهم فى حيز كبير من الحرية اذا اغلقت السراديب وتوقف متابعتهم امنيا من قبل البوليس السرى وأمن الدولة وأنه عليهم من الان فصاعدا ان يعملون لسيدين قيصر والمسيح بما يعنيه ذلك من مصالحات ومخاصمات  وتضارب مصالح واهواء ومكاسب وتنازلات وخسائر بدأت ولم تنتهى الى اليوم .وبينما فرح المسيحيون بالحرية الا انهم لاحظوا ميوعة فى التعليم اللاهوتى المستقيم وغياب اللاهوتيين الحاذقين وارتياح الكثيرين الى السلام القنسطنتينى وتسرب افكار وسلوكيات غريبة عما تسلموه .بدأء الفكر اللاهوتى يفقد عافيته التى عاشها فى الثلاثين عاما من االقرن الثالث بعد العمل اللاهوتى الهام لديونيسيوس الاسكندرى وثيؤغنوستس وتوقف الابداع اللاهوتى أو كاد. من اهم اسباب توقف الابداع اللاهوتى فى تلك الفترة اثر الاضطاد وظهور الهرطقات وصغر نفس اللاهوتيين داخل وانتشار الفكر الفلسفى الاخلاقى وموالة بعض الاساقفة للدولة على حساب الكنيسة مما ادى الى اضعاف التراث المسلم مرة ’اضف الى ذلك  اضعاف القيمة الكبيرة لتجسد الكلمة وانتشار الجدل حول اصل الشر والمبالغة فى مدح دور الفلسفة وهذا تراث اسكندرانى والتفسير الرمزى وتطرفاته وكان أريوس ورفاقه نتاج هذا كله . على هذا الفكر اللاهوتى المرتبك رد اثناسيوس بكتابيه او خطابيه "ضد اليونانيين الاممين  " و" تأنسن الكلمة" Κατά Αρειανών -Η Ενανθρώπησις του Λόγου . سادت اجواء وحوارات ومجادلات وشكوك حول معنى الخلق ومجئ ابن الله من الاب ,والثالوث وبالتالى معنى الخلاص وكان من الطبيعى ان يتصدى اريوس ورفاقه (318 م) لحل هذه القضايا تحت ستار ايات الكتاب المقدس (كل الهراطقة الكبار يحتمون بايات الكتاب !)أو فى جو كتابى مشوه .القضية التى لم يفهما اريوس هى خلاص الانسان وما يتعلق بها من لاهوت والخلاص والانسان والخلق والثالوث  والروح القدس .ان عزل وتهميش الانسان -الانثروبولوجيا عن سر التدبيير الالهى أدى ويؤدى الى الانحراف والى التجديف واهانة ايقونة الله فى الانسان .كان الانسان هو الحل عند اثناسيوس بينا . كان اثناسيوس يبحث فى اشباع رجاء أيوب فى مخلص يجمع الانسان والله حينما صرخ ( ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا ) أيوب 9 :33 . بينما أريوس ظهر كميتافيزيقى جديد ’ ابن افلاطون وارسطوا ’ وليس سليل ابراهيم واسحق ويعقوب .اثار الاريوسيون حفيظة الامبراطور قيصر ضد اثناسيوس مما دى الى ان يؤسس اثناسيوس لاهوت التجسد  واصالته  .اثناسيوس مثل معلمه "عرف ما فى الانسان "ان البشر بسبب من ضعف طبيعتهم عاجزون  ان يدركوا بمفردهم ويتعرفوا على الله وبالتالى العالم و الخالق وبالتالى لا تعرف ان تميز بين  الله الخالق والانسان المخلوق .هذه هى مأساة الانسان الذى القى بنفسه فى عالم متناقض ومتضارب الاهواء والاوجاع .كل هذا دفع اثناسيوس ان يعانى و يبحث كيف يرفع الانسان من العدم ويرفعه الى فوق ويشرح كيف ان الله قد تدخل بشكل جوهرى فى التاريخ الانسانى فى تاريخ البشرية وما هو معنى (الثيا ايكومومياΘεία οικονομία) التدبير الالهى أى تدخل الله فى تاريخ الانسان تدخل فعلى ومصيرى وليس شكلى وشبهى .وهذا مؤسس على صلاح الله من ناحية وعلى أن الانسان منذ خلقه يحمل بصمات اللوغوس ورسمه التى رسمها الله فيه (تكوين 1 :27 )." لكى نتكلم عن تأنسن - تجسدن الكلمة(اثناسيوس يتبع التقليد الكتابى الذى يطابق الجسد مع الانسان) لابد أن نتحدث عن بداية الخليقة ".الشئ الاساسى هنا والذى يعثر الكثيرين الى اليوم هو ان صيرورة الكلمة جسدا. صار جسدا واخذ جسدا والتحف جسدا ليس فعل ارادة بل عمل جوهرى هو عمل الله نحو العالم (أد اكسترا) اى من الخارج عن نفسه وهو وهو وسنوه لم تتغير , الذى صار ان اللوغوس صار انسانا بلا تحول فى جوهر الكلمة " الصيرورة لم تتم فى جوهر اللوغوس ولكن فى التدبير "»ούκ ‘επί τής ουσίας τού Λόγου έλεγε τό γενόμενον , άλλά έπί δι,ααύτού γενομέμης διακονίας ή οικονομίας )Κατά Αρ.Α,6.

ان يصير الكلمة انسانا لا يعنى انه تحول الى شئ أخر ’ لأن الكلمة كان دوما الله حسب يوحنا وهو دوما ابن الاب وفى زمن معين صار انسانا حقيقيا .كما قال فى رسالته الى  ابيكتيتوس عام 371 ردا على ظهور بدع الشبهيين والابوليناريين والرسالة حسب الباحثين ذات اهمية كبيرة لانها تربط الخرستولوجيا بالسوتيريولوجيا  ولقد اعتمدها مجمع خلقيدونية واعتبرا معبرة عن لاهوت المجمع وتراث الاباء حسب ستيليانوس بابا دوبلوس
(άεί Θεός ήν καί Υιός έστι ,ών καί άπαύασμα καί σοφία τού Πατρός .καί ότι ύστερον ,δι, ήμάς σάρκα λαβών έκ Παρθένου τής Θεοτόκου Μαρίας ΄άνθρώπος ΄γέγονε)

الانسان حسب الفلاسفة وخاصة ارسطوا لا يمكن ان يكون له اقنوم مستقل هيوبوستاتسيس(Υπόστασις)قائم بذاته والحقيقة انه وحسب هذا لا نفهم لا علاقة بين هذا الاقنوم الانسانى والله ولا نفهم علاقة اللوغوس بايقونة الانسان قبل وبعد السقوط هنا تصير فهم الاقنوم الانسانى فى مأزق والتى وفى التجسد ليس امامها سوى حلول ثلاث :

الحل الاول هو ان κολοβωθεί    أى التشويه والتجزئ ,وتقسيم الانسان واالوغوس  حسب ابوليناريوس
الحل الثانى هو ان يوجد بلا وحدة حقيقية مع الطبيعة الالهية وهنا النسطورية
الحل الثالث  ان يتم امتصاصها من قبل الطبيعة الالهية وهنا المونوفيزية

بينما الحل المستقيم هو اننا نحن نولد فى الكلمة بدون ان نشكل اقنوما مستقلا فى اقنوم اللوغوس بسبب العلاقة بين الكلمة والايقونة فى الانسان
(τής γενέσης ήμών καί πάσης τής σαρκικής άσθενείας μετατεθέντων  είς τόν Λόγον ,έγειρόμεθα άπό τής γής ,λυθείσης τής δι,άμαρτίαν κατάρας διά τόν έν ήμίν ύπερ ήμών γενόμενον κατάρα ) Κατά Αρ.Γ,33).