د. مينا ملاك عازر

هذه المرة عزيزي القارئ أكتب لكم هذا المقال ليس عن سياسة ولا اقتصاد ولا أعياد ولا أحلام ولا أوهام بغد أفضل، لكنني ربما أكتبه عني وعنك، فحديث آخر الشهر هذه المرة عن قصة قصيرة بعنوان بطاقة اليانصيب للعظيم  أنطون تشيخوف.
 
السيد إيفان ديمتريش يجلس إلى طاولة الطعام يتناول عشاءه بعد يوم عمل شاق، وبعد أن يفرغ منه وقبل أن يهم بقراءة الصحيفة، كعادته وعادة كل الأزواج تقريباً، كل يوم تذكره أم العيال السيدة الفاضلة ماشا، التي تشاركه شظف العيش، تذكره أن اليوم هو إعلان نتيجة اليانصيب الأخير الذي اشترت ماشا واحدة من بطاقاته. العزيز إيفان رجل جاد لا يؤمن بالحظ، وبالأحرى يرى أن الحظ ليس من نصيبه وإلا لماذا حاله هكذا؟ غير أن الرجل، على ضيق حاله قنوع راض بدخله المتواضع، إيفان يسأل، في غير اكتراث واضح، زوجته عن رقم البطاقة ويبدأ في التفتيش عن الرقم الفائز المنشور في الصحيفة التي بين يديه، تناوله ماشا البطاقة فيقرأ الرقم بطرف عين، وقد رأى أن الرقم الفائز هو رقم بطاقة ماشا.
 
 وفي لحظات تتغير نفسية الرجل ويغوص فجأة في أحلامه وينسى نفسه، كيف سينفق هذه الثروة التي هبطت عليه، يغير البيت؟ طبعاً، وكل الأثاث؟ بالتأكيد. ويسدد الديون المتراكمة عليه؟ لا بأس، ولكن الباقي ما مصيره؟ في البنك يا عزيزي ليضمن عائداً يتلاءم مع متطلبات المرحلة الجديدة التي ولجها.
 
فجأة يتحول العزيز ديمتريش من رجل قانع إلى شخص طامع لديه نهم إلى الإسراف والتبذير، فهذه الورقة التي بين يديه ستنقله من عالم إلى عالم آخر، ليس هو وحده وإنما معه الأولاد وأم الأولاد الحصيفة التي اشترت البطاقة، يتوقف إيفان ديمتريش عن الاسترسال في أحلامه برهة وينظر إلى ماشا ليخبرها أنه سيسافر إلى خارج البلاد في رحلة سياحية، العزيزة ماشا يبدو أن أحلامها هي الأخرى كانت اختمرت في مؤخرة جمجمتها، حيث تبادره قائلة: أنا أيضا أود السفر إلى الخارج، على طريقة "رجلي على رجلك" المعروفة بين الزوجات.
 
الكلام وقع كصاعقة على الرجل الذي كان، حتى لحظات قليلة، وقورا. لم يكن يتخيل أن تطلب أم العيال السفر للخارج، ويتساءل- في نفسه طبعاً- ماذا تريد ماشا؟ أتريد ملازمتي فلا أسافر وحيداً واستمتع بسفريتي حتى النهاية؟ وفي ثواني معدودات تتحول صورة المرأة التي رافقته رحلة الحياة إلى شبح مزعج، عجوز لا تعرف إلا الشكوى، ولا تشم منها إلا رائحة المطبخ في جسدها وفي ملابسها، لم يعد فيها شيء يجذبه إليها، أما هو فمازال شاباً وسيماً- هكذا تخيل- ولا يخلو من جاذبية، فلماذا لا يتزوج من أخرى؟ نعم لماذا لا يتزوج من أخرى!.
 
هنا السؤال الذي يطرح نفسه، هل الفلوس تغير الناس أم تغير نظرتهم لواقعهم؟ ولمن حولهم؟ ولماذا هنا، هو السؤال الأعمق الذي يترك علامة واضحة في عقول كل من له قدرة على التأمل، هل وجود الفلوس له الصدى الأعظم أم غيابه أم أن الأزمة فيها أيا كانت موجودة أو ناقصة أو غائبة المهم أن للفلوس أثر لدرجة تغيير وجهاتنا وأفكارنا نظراتنا ورؤانا أم ماذا قولوا لنا يا أولي العقل.
المختصر المفيد المال أصل لكل الشرور.