بقلم/ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الآرثوذكسية يوم 14 طوبة الموافق 22 يناير ؛ ويوم 17 طوبة الموافق 25 يناير بتذكار نياحة "وفاة " القديسين الروميين مكسيموس ودوماديوس ؛وهما أبني الملك فالنتيان بن يوفيانوس الذي حكم الأمبراطورية الرومانية ما بين أعوام 363- 370 م ؛ ولقد أهتم بتربية ولديه تربية مسيحية حقيقية ؛وذات يوم طلبا من والديه أن يذهبا إلي مجمع نيقية للصلاة في الموضع الذي شهد إنعقاد المجمع المسكوني الأول قي عام 325م فسمح لهما ؛وهناك تقابلا مع كاهن يدعي "القس يوحنا الراهب " وأعلماه برغبتهما في الرهبنة "فقال لهما "إني أخشي من أبيكما الملك فلا أستطيع أقبلكما عندي ؛ولكن حيث أنكما ترغبان في الرهبنة إذهبا إلي سوريا وتقابلا مع أحد الآباء الرهبان هناك ؛وهو يقول لكما ماذا ينبغي أن تفعلا " وبالفعل توجها إلي سوريا وتقابلا مع راهب قديس بدعي "الأب أغابيوس " الذي بارك رغبتهما في الرهبنة ؛فأقاما معه ست سنوات تدربا خلالهما علي أعمال النسك والزهد ؛ وذات ليلة أخبرهما الأب أغابيوس أنه رأي القديس مكاريوس الكبير مؤسس الرهبنة في منطقة جيل شيهيت "وادي النطرون حاليا " في رؤيا وطلب منه ضرورة أن يتوجها إلي مصر ليسكنا في جبل شيهيت ؛ كما أخبرهما أنه سوف يتوفي بعد ثلاثة أيام ؛فحزن الأخوان لفراق اأبيهما الروحي ؛ وفي نفس الفترة توفي بطريرك القسطنينية ؛فأراد الشعب إختيار مكسيموس بطريركا بدلا منه ؛فهربا الأخوان ليلا إلي مصر وتوجها مباشرة إلي جبل شيهيت حيث تقابلا مع القديس مكاريوس الكبير ؛وطلبا منه السماح بالرهبنة عنده في هذه البرية المقدسة ؛فأراهما بقعة معينة وطلب منهما أن يعملا  فيها مغارة لسكناهما ؛وأعطاهما فأسا وعلمهما صناعة الخوص . أما القديسان فخلعا عنهما ملابس الرهبنة السورية وأرتديا الملابس المصرية ؛وكانا يقولان بعضهما للآخر "لنحذر من أن يعرف أحد أسمينا وأننا كنا رهبانا من قبل لأنه بالتأكيد هذا المكان قريب من الملك " وعاشا في هذه المغارة ثلاث سنوات لا يكلمان أحدا ولا يأكلا إلا الخبز والملح ؛ وعندما كان يمر عليهما القديس مكاريوس الكبير كان يري عمودا من نار خارجا من مغارتهما  . وذات ليلة أحس القديس مكاريوس بحمي شديدة أصابته فأتي إليه القديس مكاريوس الكبير والقديس إيسيذوروس المعروف ب"قس القلالي " وبقيا معه حتي فاضت روحه بسلام ؛وبعد يومين شعر أخيه القديس دوماديوس بنفس الحمي توفي بعدها مباشرة ودفن بجوار أخيه . وكان ذلك حوالي عام 380 م تقريبا ؛ وقد نقل الجسدان تحت المذبح الأوسط بكنيسة السيدة العذراء الأثرية بدير البراموس .


أما عن دير البراموس المكان الذي يحوي رفاتهما المقدسة ؛فهو أقدم أديرة وادي النطرون ؛ وهو المكان الذي بدأ فيه القديس مكاريوس الكبير رهبنته قبل أن تزداد شهرته ؛فيضطر إلي الإنتقال إلي موضع آخر هو المكان الحالي لدير أبو مقار الكبير . ويقع دير البراموس شمال غرب برية شيهيت بمنطقة وادي النطرون في البقعة التي يطلق عليها "بقعة أولاد الملوك " ويوجد جنوب شرق الدير الحالي ؛وعلي بعد أربعة كيلو مترات تقريبا مغارة أولاد الملوك التي يقال أنهما سكنا فيها .أما عن أساس تسمية المنطقة بالبراموس فلقد تعددت الآراء وتنوعت  ؛ غير أن أقوي الأراء وأرجحها هو الرأي الذي ينسب أصل الكلمة إلي كلمة "برميئوس " اليونانية ومعناها "الخاصة بالروم " إذ تنفرد هذه البقعة المقدسة بسكن ثلاث قمم من آباء الرهبنة العظام من أصل رومي وهم :-

1- القديس مكسيموس وتذكار وفاته 14 طوبة
2- القديس دوماديوس شقيقه الأصغر وتذكار وفاته 17 طوبة
3- القديس أرسانيوس  وتذكار وفاته 13 بشنس
ومن أشهر الآثار الموجودة بدير البراموس كنيسة السيدة العذراء الأثرية ؛ ولقد بنيت حوالي عام 350 م تقريبا في أيام القديس مكاريوس ؛ وتبلغ مساحتها حوالي 1200 م وتنقسم إلي ثلاثة أقسام :-
1- القسم الأول وبه الهيكل الأوسط وفي منتصفه يوجد رفات القديسين مكسيموس ودوماديوس ؛وداخل الهيكل توجد مجموعة رائعة من الأيقونات الأثرية  ؛وخارج الهيكل وعلي أقصي الشمال توجد مقصورة محفوظ بها رفات القديسين موسي الأسود ومعلمه القديس إيسيذوروس محفوظين في أنبوبتين مستقلتين


2- القسم الثاني يوجد به المنبر (الإنبل )
3- القسم الثالث ويوجد به حوض اللقان الأثري وهو حوض من الرخام مقاس 60 x  90 سم وفي وسطه تجويف بديع الشكل ؛ وفي آخر الكنيسة يوجد ما يعرف بعامود أرسانيوس ؛وهو المكان الذي كان يقف خلفه القديس أرسانيوس مختفيا عن أنظار الناس أثناء صلوات القداس الإلهي ؛ وفي الناحية القبلية توجد المائدة وهي مقسمة إلي ثلاثة أقسام ( المبتدئين ؛ المتوسطين ؛ الشيوخ ) حيث يتدرج طقس الصوم والطعام حسي قدرة كل راهب ؛وفي أقصي اليسار توجد منجلية حجرية علي شكل حرف v كان يقرأ عليها  كتاب بستان الرهبان حسب عادة الرهبان في ذلك الوقت "وحتي الآن " حتي يمتزج الطعام الجسدي بالطعام الروحي  .وتوجد مجموعة من الكنائس الصغيرة داخل الكنيسة الأثرية الكبيرة ؛منها كنيسة علي أسم الأمير تادرس ؛وكنيسة أخري علي أسم الشهيد مارجرجس وبجوارها توجد المعمودية الأثرية . وخارج كنيسة السيدة العذراء الأثرية توجد كنيسة حديثة نسبيا علي أسم القديس يوحنا المعمدان وقد شيدت علي أنقاض كنيسة الأنبا أبلو وأنبا أبيب عام 1879 في عهد البابا كيرلس الخامس ( 1832- 1927 ) البطريرك ال 112 من بطاركة الكنيسة القبطية . كما يوجد الحصن الأثري ويمكن الوصول إليه عن طريق قنطرة خشبية تمتد من الكنيسة الأثرية وحتي باب الحصن ؛وترتفع عند اللزوم بواسطة بكرة حتي لا يتمكن المهاجمون من اللحاق بالآباء ؛  وفي أعلي الحصن يوجد كنيسة يأسم رئيس الملائكة ميخائيل ؛ومعظم كنائس الحصن في الأديرة الأثرية تحمل أسم رئيس الملائكة ميخائيل حيث يعتقد أنه الملاك الحارس للأديرة من  غارات البربر علي الأديرة في ذلك الوقت .كما يوجد في فناء الدير معصرة أثرية  لعصر الكروم .  

ولقد حظيت المنطقة بالعديد من زيارات الرحالة الأجانب علي مر العصور ؛نذكر منهم  يوحنا كاسيان وبلاديوس وروفينوس وجيروم .... الخ ؛ وكتب عنه العلامة المقريزي في موسوعته فقال عنه "دير سيدة برموس علي أسم السيدة مريم وفيه بعض رهبان " وله قصة حاصلها أن مكسيموس ودوماديوس كان ولدي ملك الروم ؛وكان لهما معلم يقال له "أرسانيوس " فسار المعلم من بلاد الروم إلي أرض مصر ؛وعبر برية شيهات هذه وترهب وأقام بها حتي مات ؛وكان فاضلا وأتاه في حياته أبنا الملك المذكوران ؛وترهبا علي يديه ؛فلما مات بعث أبوهما فبني علي أسمهما كنيسة برموس "  (ونلاحظ هنا بعض الخطأ في كتابات المقريزي ؛فالأنبا أرسانيوس الملقب بمعلم أولاد الملوك ؛والملك المقصود هنا هو الأمبراطور ثيئودسيوس الكبير"وهو الملك الذي جاء بعد الأمبراطور فالنتيان مباشرة " وولديه "هوناريوس " و"أركاديوس "  اما مكسيموس ودماديوس فهما أبني الملك فالنتيان كما ذكرنا في مقدمة المقال  ) . كما زاره الرحالة فانسليب وكتب عنه في كتابه عن "تقرير الحالة الحاضرة " . كما زار المنطقة الأب كلود سيكار في القرن الثامن عشر ؛ وهو راهب يسوعي جاء لزيارة مصر ؛ وذكر في يومياته أنه زار دير البراموس في يوم 12 ديسمبر 1712 وتقابل مع الرهبان هناك ؛ ولاحظ  أنه يوجد بقايا أبنية أخري بجوار الدير . ولقد شهد دير البراموس نهضة كبري في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين للأسباب الأتية :-

1- خرج منه القمص يوحنا الناسخ بابا للكنيسة القبطية بأسم كيرلس الخامس "وسوف يأتي ذكر ذلك لاحقا
2- لجأ إليه بعض الرهبان الثائرين من دير المحرق في النصف الأخير من القرن التاسع عشر وكان من بينهم الراهب بولس الدلجاوي الذي صار بعد ذلك الأنبا أبرآم أسقف الفيوم والجيزة وهو قديس القرن العشرين وتوفي في 10 يونية 1914

3- في أواخر القرن التاسع عشر حوالي عام 1898 رسم أسقف علي دير البراموس بأسم "الأسقف إيسيذوروس " وكان من أكبر علماء الكنيسة القبطية في القرن العشرين "توفي في عام 1942 "  ولقد أثري المكتبة القبطية بالعديد من الكتب القيمة .

4- كان هناك حركة للنهوض العلمي بالدير تحت رعاية القمص عبد المسيح المسعودي البراموسي "توفي عام 1935 "ولقد أثري المكتبة القبطية بالعديد من الكتب القيمة أيضا .

5- زار الدير "ومنطقة وادي النطرون كلها" الأمير عمر طوسون ؛وكتب عنها كتابا بعنوان "أديرة وادي النطرون ؛رهبانه وأديرته " وصدر باللغة الفرنسية عام 1931 ؛وترجم إلي اللغة العربية عام 1935 ؛وصدرت عنه طبعة خاصة لمكتبة الأسرة عام 2009 .

ومن بين الكتب الحديثة التي كتبت عن الدير ؛نذكر كتاب العالم الألماني الشهير اوتو ميناردس ( 1925- 2005 )"المسيحية القبطية في مصر "  ترجمة مجدي جرجس والصادر عن المركز القومي للترجمة تحت رقم (2353 ) حيث قال عنه " تعرضت أدير وادي النطرون للنهب ست مرات ؛الاولي عام 407 ؛الثانية عام 410 ؛الثالثة عا 444 ؛الرابعة عام 507 ؛ السادسة والأخيرة في القرن الحادي عشر . وفي كل مرة دمرت المباني الرهبانية ؛ونهبت الكنائس ؛وذبح الرهبان ..... ويسرد ميناردس أسماء الرحالة الأجانب الذين زروا الددير فيذكر منهم :-كوبان Coppin  (1638 ) ؛ثيفونت Thevont  (  1657 ) وسيكار Sicard  (1712 ) وسونيني Sonnini (1778 ) وكيرزون Curzon ( 1837 ) وتاتام Tattam ( 1839 ) وتشيندروف Tischendrof  (1845 ) وجوليان Jullian (1881 ) وبتلر Buttler ( 1883 ) .( راجع ما كتب عن دير البراموس بالكامل في الكتاب السابق ذكره ؛الصفحات من 173- 176 ) .

أما أحدث مرجع كتب عن الدير ؛فهو – في حدود معلوماتي – كتاب "نبع مريم وادي النطرون "للدكتور ماجد عزت إسرائيل " والذي صدر عن "دار غراب للنشر والتوزيع " عام 1018 ؛حيث كتب عن دير البراموس فقال عنه "من أهم المعالم الأثرية في دير البراموس كنيسة السيدة العذراء الاثرية ؛وتعتبر أقدم كنيسة في برية شيهيت ؛فقد بنيت علي النمط القبطي في أيام القديس أبو مقار ..... ويوجد في الجانب الشرقي كنيسة الأمير تادرس وهي أصغر كنائس دير البراموس ؛وهي بجانب الباب البحري لكنيسة السيدة العذراء ؛ومازالت تقام فيها القداسات الإلهية خاصة في أعياد الأميرين تادرس الشطبي أو المشرقي ؛وبجوار باب المعمودية توجد باب كنيسة مارجرجس ؛وفي عام 1884 م شيد البابا كيرلس الخامس (1874- 1927 ) كنيسة ماريوحنا المعمدان علي موضع كنيسة القديسين أبللو وأبيب .وهناك معالم أثرية آخري لدير البراموس نذكر منها سور دير البراموس ويبلغ طوله من الشرق للغرب 112 متر ؛ومن الشمال إلي الجنوب 83 مترا ... أما الحصن فيعد من أهم معالم الدير؛ويتكون من ثلاثة أدوار هم:-

1-الدور الأرضي : لتخزين الطعام ؛ وقد جهز بالحصن بئرا للشرب في أثناء الحصار .
2- الدور الأوسط وهو عبارة عن حجرات للآباء الرهبان يستريحون فيها في اثناء فترة الحصار .
3- الدور الثالث هو عبار عن حجرة كبيرة لراحة الآباء علي علي وجود كنيسة للصلاة علي أسم الملاك ميخائيل .(راجع كل ما كتب عن دير البراموس في الكتاب السابق ذكره ؛الصفحات 318-  328 ) .

ولقد تخرج من دير البراموس مجموعة كبيرة من الآباء البطاركة لعبوا دورا خطيرا ومؤثرا في تاريخ الكنيسة نذكر منهم البابا خريستوذولوس (1046- 1077 ) البطريرك ( 66 ) من بطاركة الكنيسة ؛وهو البطريرك الذي نقل الكرسي المرقسي من الإسكندرية إلي كنيسة المعلقة بمصر القديمة . والبابا يؤانس الرابع عشر (1571- 1585 ) البطريرك ال (96 )  . والبابا متاؤس الرابع ( 1660-1675 ) البطريرك ال(102 ) وهو البطريرك الذي تقابل مع الرحالة الفرنسي فانسليب ؛ وهو أيضا البطريرك الذي نقل الكرسي المرقس من كنيسة العذراء حارة زويلة إلي كنيسة العذراء حارة الروم. والبابا كيرلس الخامس (1875- 1927 ) البطريرك ال(112 ) وهو البطريرك الذي قضي أطول مدة علي الكرسي المرقسي إذ قضي حوالي 53 سنة وعاصر الصورة العرابيية وثورة 19 . والبابا يؤانس التاسع عشر البطريرك( 1928- 1942 ) ال (113 )  وهو البطريرك الذي بني قصر الضيافة بدير البراموس ؛وكان عاشقا شديدا لدير البراموس حتي أنه كان يلقبه ب"دير البراموس البهي " وأخيرا البابا كيرلس السادس (1959- 1971 ) البطريرك ال(116 ) رجل الصلاة القديس وكانت تربطه علاقة صداقة قوية ومتينة بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر .