مدحت بشاي
معلوم أن المجتمعات البشرية عبر تنوعات عناصرها ومن خلال تباينات ظروف التاريخ والجغرافيا للمجتمع، ومهما كان وضع المجتمع السياسى أو الاقتصادى أو الحضارى البشرى، لا بد أن تكون عامرة بنخب فى شتى مجالات العمل الإنسانى، تلعب دورها وتحافظ على مصالحها وتسعى نحو تحقيق التأثير المأمول على دعم حركة مواطنيها فى دروب الترقى، والأهم الانشغال الفعلى فى تنمية وعى مجتمعاتهم..

ولكن، يبقى التحدى المطروح، كيف يمكن تعبيد سبل التكامل والتفاعل الإيجابى بين النخبة والمجتمع لتمارس النخبة دورها المفترض فى الوسط الاجتماعى لإثراء الوعى الجمعى..

وعليه، ولدعم كافة أشكال الوعى فى الشارع المصرى ينبغى التأكيد على أن الدور الاستراتيجى الذى ينبغى أن تقوم به النخبة فى مجتمعها قد يبدأ بتنمية الوعى الجمعى وتعميم سبل ووسائط المعرفة الشاملة العلمية والموضوعية فى الوسط الاجتماعى.. لأنه لا يمكن للمجتمع أن يمارس دوره ويقوم بواجباته، ويتجاوز عقباته، وينتصر على مشاكله إلا بالوعى.. فهو البوابة الحيوية لكل ذلك.

ولعل ما حدث ويحدث على أرض الوطن من إنجازات هائلة يفرض على النخبة ضرورة استثمار حالة الوهج التى أثمرتها النتائج الناجحة الملموسة لتلك الإنجازات على أرض الواقع لمشاريع قومية نوعية على كل الأصعدة، لدعم حالة الوعى الجمعى فى اتجاه دفع المشاركة المجتمعية للمساهمة فى بناء الوطن والأهم فى إعادة بناء الإنسان الذى بات هو الآخر متاحًا له المزيد من فرص التمكين للتفاعل الإيجابى مع نخب الوطن لو لعبت تلك النخب بصدق ووطنية دورها فى قيادة قاطرة التقدم..

نعم، تجاوز أزمنة العشوائية والاستسهال واعتماد فكر الفهلوة للاسترزاق على حساب وعى المواطن بدعم من نخبة واعية بمتطلبات مرحلة تحول رائعة تقرر فيها الولوج من بوابات الأمل إلى جمهورية جديدة..

مثل واحد فقط قد تسمح مساحة المقال بالإشارة إليه كممارسة سلبية عندما وافقنا على إطلاق الفتاوى الدينية على هواء الفضائيات بدون وعى وانضباط عبر الإجابة على تساؤلات المشاهد على الهواء..

ولعل المشاهد المتابع للتفاعلات الحوارية العشوائية، وحصيلة الأخطاء المرتكبة إعلاميًا وإنسانيًا يدرك خطورة إطلاق الفتوى (التيك أوى) بسرعة واستسهال فى ظل انتشار حالات التفسخ العائلى وتصاعد حالات الطلاق وممارسات الجحود البشعة والعنف الأسرى وغيرها من الممارسات السلبية التى باتت تمثل جرائم خطيرة.. ولعل الهجوم مؤخرًا على الداعية الشهير بسبب التأكيد على دعمه مواقف سلبية وإعلان انحيازه للرجل على حساب أمان المرأة وسلامها النفسى والاجتماعى، وهناك غيره الكثير من أصحاب فتاوى التحريم والتحليل والتكفير وغيرها، قد يكون بعضهم بسبب ضعف المعلومات، أو لشد الانتباه والحصول على تريندات، أو لتأكيد الداعية جاهزيته للرد عند مباغتة المشاهد لرجل الدين بسؤال غير متوقع، وليؤكد الداعية جاهزيته فينطلق بعشوائية فى رده على طالب الفتوى..

وأتذكر ما حدث على هواء إحدى القنوات المسيحية، ظللنا على مدى أعوام نتابع رجل دين برتبة كنسية كبيرة يرد على طلاب الإرشاد الروحى على الهواء لحل مشاكلهم المجتمعية، فإذا بالرجل ينطلق فى ردوده متقمصًا دور الطبيب والباحث الاجتماعى ورجل القانون والخبير الإعلامى والعالم بفنيات علوم التنصت الالكترونى وعالم الاجتماع والخبير التربوى والمتخصص فى علوم الذكورة.. ولولا تدخل قداسة البابا تواضروس الثانى لتقليص صلاحياته، لكنا أمام استمرار تلك الممارسات رغم خطورة تبعاتها للأسف!!.

أيضًا، لابد من التنبه حول أسلوب عرض وبث الفتاوى المتعلقة ببعض المسائل ذات الحساسية أو «الخصوصية» مثل مسائل الحياة الزوجية والمسائل الجنسية، لقد رأينا وسمعنا بعض المفتين سئلوا عن مثل هذه المسائل وأجابوا بالتفصيل، مما أثار فضول المراهقين والمراهقات والأطفال أيضا، وأخذوا يسألون عما يستحيا من ذكره لهم ومناقشته معهم، خاصة فى مرحلة عمرهم... وغيرها الكثير من تبعات انطلاق فتاوى يحتاج الأمر لمراقبتها واستحداث نظم إدارية لضبطها وتشريعات حاكمة لمتابعة حالات التجاوز الخطيرة التبعات على الأمن القومى والسلام الاجتماعى..
نقلا عن المصرى اليوم