بقلم : الدكتور مجدى شحاته
تسع سنوات مضت من تاريخ الكنيسة القبطية المصرية الوطنية العريقة أقدم كنائس العالم ،  عامرة بالخيروالبركات وانجازات وتغيرات ايجابية البعض منها لم تشهدها الكنيسة من قبل . تسع سنوات مضت على تولى قداسة البابا تواضروس الثانى حيث تولى المسئولية فى ظل ظروف سياسية ومجتمعية بالغة الصعوبة والتعقيد كلنا نعرفها جيدا ، شكلت مجموعة كبيرة من التحديات الصعبة . كان قداسة البابا صمام الامن والامان لوحدة وتماسك أبناء الوطن الواحد وسط أحداث مأساوية عاصفة كانت تنذر بنشوب نزاع طائفى مدمر لا قدر الله . تسع سنوات مضت لم يؤسس البابا علاقته بالدولة على أساس الندية ، ولم يلجأ الى وسائل الضغط على النظام السياسى بأى صورة من الصور ، فى وقت كانت الدولة فى أشد الحاجة الى التكاتف والتعاون ووحددة الصف . وفى عجالة سريعة  نذكرالبعض من التغيرات الايجابية خلال التسع سنوات الاخيرة والتى لم تشهد مثلها الكنيسة القبطية الوطنية المصرية من قبل .   

وفى ليلة عيد الميلاد المجيد عام 2019  قام فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي ، بصحبة قداسة البابا تاوضروس الثانى بافتتاح كاتدرائية " ميلاد المسيح " بالعاصمة الادارية الجديدة على مساحة 63 الف متر مربع وتسع 8 آلاف شخص . لتكون واحدة من أكبرالكاتدرائيات فى الشرق . حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على المشاركة فى احتفالات الاقباط بعيد الميلاد المجيد بالكاتدرائية المرقسية الكبرى لتهنئة الاقباط ونشر رسالة السلام والمحبة والطمئنينة فى ربوع الوطن . ليصبح حضور الرئيس شخصيا للكنيسة تقليدا يحرص علية الرئيس لتهنئة الاقباط  أبناء مصر، كواجب أخلاقى و مسؤولية وطنية . تقليد ذو معنى كبير، جاء بمثابة  رسالة قوية ترد بكل اليقين على المتطرفين المتشددين الذين ُيحرمون تهنئة شركاء الوطن فى أعيادهم ، ويكون رئيس الدولة قدوة ومثالا يحتذى به فى اصول المواطنة والمحبة واحترام الاخر ومعتقداته وان الدين لله والوطن للجميع، وخطوة واضحة نحو بناء دولة مدنية حديثة.    
                                                       
بناء على قرار رئيس الوزراء الصادر بتاريح 26 يناير 2017 ، تم تشكيل اللجنة الرئيسية لتقنين أوضاع الكنائس برئاسة السيد رئيس الوزراء وعشرة أعضاء ، من بينهم ستة وزراء  لتكون اول لجنة فى تاريخ الكنيسة القبطية تختص بتقنين أوضاع الكنائس والمبانى الكنسية المبنية بدون تراخيص رسمية . وبالتالى القضاء على مشاكل متأصلة ومتراكمة منذ أزمنة طويلة . وقد تقدمت الكنائس المختلفة ب 3730  طلب لتقنين اوضاع كنائس ومبانى ملحقة فى كافة أنحاء البلاد . وحتى نوفمبر 2021  تم توفيق أوضاع  2021 كنيسة ومبنى كنسى  على مستوى الجمهورية . انجاز تارخى غير مسبوق لأول مرة فى تاريخ الكنائس بمصر .                                                                                     خلال عام 2016 صدر القانون رقم 80  ليكون القانون الاول فى تاريخ الكنيسة القبطية ، بشأن بناء وترميم الكنائس وملحقاتها . لينهى كابوس قانون الخط الهمايونى منذ العهد العثمانى الذى كان يجسد مشكلة ازلية بالغة الاهمية  تكرست عبر تاريخ الكنيسة القبطية .                                      فى اجراء هو الاول من نوعه فى تاريخ الكنيسة القبطية .                            أصدرالرئيس عبد الفتاح السيسي توجيهات صريحة ، بضرورة انشاء كنيسة فى كل مدينة جديدة يتم التخطيط لها ،( حتى وان لم تتقدم الكنيسة بطلب رسمى لبناء كنيسة فى تلك المدينة ) وهذا ما تم بالفعل على أرض الواقع ، حيث تم الاعلان عن تخصيص 41 قطعة أرض لبناء الكنائس فى المدن العمرانية الجديدة دون  تقدم الكنيسة بطلب البناء . وقد أصدرت وزارة الاسكان فى ظل توجيهات رئيس الجمهورية ، تعليمات ببناء 37 كنيسة جديدة فى مختلف المدن خلال فترة لم تتجاوز 4 سنوات . ومن أبرز المدن التى تم تخصيص كنائس جديدة بها : مدينة العبور ، الفيوم ، طيبة الجديدة ، القاهرة الجديدة ، العبور الجديدة ، اكتوبر ، حدائق اكتوبر ، قنا الجديدة . العاشر من رمضان ، الصالحية ، اسيوط الجديدة ، اسوان الجديدة ، 15 مايو ، المنيا الجديدة ، بدر ، سوهاج الجديدة ، السادات ، العاصمة الادارية . انجاز كان من المستحيل تحقيقه قبل تسع سنوات فى ظل الخط الهميونى . قيام الدولة بترميم وتطوير 13 كنيسة ودير على مستوى الجمهورية . كما تم الاعلان عن ترميم وتطوير 42 كنيسة وديرعلى مستوى الجمخورية .احلال وتجديد 18 كنيسة وملحقاتها بمحافظة المنيا قامت بها الدولة بتكلفة مقدارها 40.4 مليون جنيه .                                                                    قيام الدولى  بترميم وتجديد كنيسة السيدة العذراء " المعلقة " الاثرية بمصر القديمة بتكلفة مقدارها 101 مليون جنيه لتصبح مزارا عالمى . كذلك ترميم دير الانبا " بطابا " بنجع حمادى بتكلفة مقدارها 3 مليون جنيه .                                                                                     تشكيل لجنة مختصة لأدراج مسار العائلة المقدسة على قائمة التراث غير المادى لهيئة اليونيسكو . كذلك تطوير موقع " شجرة مريم " بالمطرية واضافتها لقطاع الآثار .

فى مجال التنظيم والادارة . منذ البداية  .. كان الشاغل الاول لقداسة البابا ، هو ترتيب أروقة البيت الكنسى من الداخل ، ووضع أساس راسخ ومتين  للاصلاح والتنظيم الادارى الشامل لأقدم  وأعرق كنائس العالم والذى كان فى حاجة ماسة للتنظيم الشامل . كانت نقطة البداية ، تطويرهيكل عمل الكنيسة ليتحول بشكل كامل لعمل مؤسسى جماعى ، لا يعتمد على الرأى الفردى والاهواء الشخصية . الامر الذى تطلب اجراء تغييرات ادارية واسعة النطاق دون احتكار . حيث تم وضع نظام ادارى كامل يشمل : المقر البابوى ، الايبارشيات بكنائسها ، الاسقفيات والاديرة ، هيئة الاوقاف ، المجالس الاكليريكية ، معاهد الدراسات القبطية .                                                        احداث تغييرات جوهرية فى المجمع المقدس ، وتجديد وتحديث منظومة المناصب الادارية ، حيث يتم تداول تولى المسؤوليات بالاتتخاب أو التعيين لسكرتارية المجمع المقدس ومقررى اللجان لمدة عامين بحد اقصى دورتين والقضاء على احتكار المناصب لمدد طويلة .                                                              تشكيل لجنة  لوضع دستور ايمان الكنيسة القبطية . كذلك تكريس لجنة " الايمان والتعليم " المسؤولة عن مراجعة أى تعليم خاطئ تنشر سواء على الميديا أو المنابر .                    تعديل وتطوير لائحة 57 لأنتخاب البطريرك ، من حيث معايير اختيار المرشحين للبابوية ، كذلك تعديل لائحة شروط الناخبين . وضع لائحة واضحة ومحايدة وعادلة لمحاكمة الكهنة ( التأديبات الكنسية ) ولا تترك الامور للأهواء والميول الشخصية الفردية . تعديل اسم وشكل ودور المجلس الملى والذى يمثل قناة الاتصال بين الكنيسة والدولة .

الاهتمام وتعديل ملف الاحوال الشخصية ، حيث تم تقسيم هذا الملف الى 6 مناطق اقليمية ، على ان تكون مدة رئاسة الاساقفة للمجلس بحد اقصى ثلاث سنوات فقط ، كذلك ضم المجلس مستشارين قانونيين وطبيبا نفسانى  يتم تغييرهم كل ثلاث سنوات .                         تعديل لائحة 38 الخاصة بالاحوال الشخصية ، مع التمسك والااتزام بالثوابت الايمانية للكنيسة   العمل على وجود نظام مالى عام موحد وواضح للكنيسة ومتابعة من المجلس الملى .  الاهتمام بالملف الاعلامى والعمل على توحيد القنوات الفضائية لتلافى التكرار فى البرامج والافكار . عمل خريطة مسكونية لكل العلاقات والحوارات مع الكنائس الاخرى . اصدار كتاب وثائقى للأديرة القبطية فى مصر وخارجها . 

تقنين زى الكهنوت قانونيا والتجريم القضائى لكل من ينتحل صفة رجل دين مسيحى دون ان يكون معترف به .            
 فى مجال الزيارات الرعوية والمسكونية حول العالم قام قداسة البابا تاوضروس الثانى بزيارة كنيسة الفاتيكان فى مارس 2013 حيث تقابل مع قداسة البابا فرنسيس الذى رد الزيارة بقدومه الى مصر فى ابريل 2017 . وقد وصفت كل من الزيارتين بالتاريخية نظرا لأهمية كلا من كنيسة الاسكندرية والفاتيكان . وفى مجال العمل الرعوى والمسكونى ، قام قداسة البابا تاوضروس الثانى بعشرات الزيارات الرعوية خارج مصر الى دول المهجر واوروبا ودول عربية . حيث تنتشر الكنائس القبطية فى حوالى 65 دولة فى شتى ارجاء العالم . خلال تلك الزيارات قام قداسة البابا بأقامة القداسات والقاء العظات وتدشين كنائس جديدة ولقاءات مع مسئولين كبار، بغرض توطيد العلاقات الطيبة بين الكنيسة القبطية المصرية وكنائس سائر دول العالم  وقد أرسى قداسة البابا دعائم المودة والمحبة بزيارة كل من  دولة الامارات العربية ودولة الكويت والجمهورية اللبنانية .  والموافقة على سفر نيافة الانبا مرقص مطران شبرا الخيمة الى المملكة العربية السعودية وأقامة أول قداس قبطى ارثوذكسى فى تاريخ المملكة السعودية لخدمة ابناء الجالية القبطية  العاملين بالمملكة العربية السعودية .

اما من ناحية الاديرة وتنظيم وضبط الحياة الرهبانية . كانت بداية قوية بغرض الكشف عن كافة الانحرافات فى مجال الرهبنة عن مسارها الطبيعى . فقام قداسة البابا من "خلال المجمع المقدس " باتخاذ العديد من القرارت الحازمة والضرورية للتصدى لكافة التجاوزات فى مجال الرهبنة عن مسارها الطبيعى  . فكانت البداية ، اصدار قرار بابوى بوقف رسامة اى رهبان لمدة عام تنتهى فى اغسطس 2020 . اصدار لوائح دليل الرهبنة القبطية وادارة الحياة الديرية لتنظيم وخدمة الكهنة . تأسيس لجنة شئون الرهبنة وتضم 30 اسقفا . العمل على ضبط الحياة الرهبانية ، وعدم دخول الآباء الرهبان على مواقع التواصل الاجتماعى مع اعطائهم مهلة شهر واحد لغلق كافة صفحاتهم الشخصية ، حتى يعود الآباء الرهبان الى حياة الوحدة وعدم الاختلاط بالعالم . منع الرهبان من العمل بالتجارة والامور المالية . الزام الآباء الرهبان بتقديم اقرار ذمة مالية لمعرفة حساباتهم الشخصية وحصر سياراتهم وممتلكاتهم . هذا وقد قام المجمع المقدس بالاعتراف بالنظام الرهبانى لعدد من الاديرة داخل مصر وخارجها ، لم يكن قد اعترفت بها الكنيسة من قبل وهى : دير القديس هرمينا السائح بأسيوط ، دير السيدة العذراء والقديس مار يوحنا الحبيب – طريق الاسماعيلية . دير السيدة العذراء والقديس يوحنا الحبيب -- بولاية أوهايو بالولايات المتحدة الامريكية .
                        
منذ اليوم الاول وقداسة البابا تاوضروس الثانى يسعى نحو الارتقاء بملف التعليم الكنسى والعام . ومن أهم معالم ذلك الارتقاء فى هذا المجال الحيوى الهام :                           أسس قداسة البابا مشروع ( تراث كنيستنا روح وحياة ) وذلك بغرض الارتقاء بالعظات الروحية ، مؤكدا أن العظات الروحية ليست حكرا على البابا وحده أو مشاهير الآباء والوعاظ على القنوات الفضائية .                                                                                     كذلك تم تأسيس مشروع  1000 معلم كنسى بغرض تطوير التعليم الكنسى وشعاره " جدد ايماننا كالقديم "  . منذ ان كان قداسة البابا اسقفا ومقررا للجنة الطفولة بالمجمع المقدس ، وهو يبدى اهتماما بالغا بتعليم الطفل . حيث قام قداسته باصدار العديد من الكتيبات الخاصة بالتربية والتدريس وابتكارات الطفولة . وبعد تواليه الكرسى البابوى استمر اهتمامه بالطفولة وابدى رغبته فى انشاء اسقفية خاصة للطفولة على غرار اسقفية الشباب . وقد قام قداسته  عام ( 2015 ) بافتتاح أول قناة تلفزيونية للأطفال تحمل اسم ( كوجى ) تحت اشراف نيافة الحبر الجليل الانبا مرقص مطران شبرا الخيمة . انطلاقا من مفهوم ان الطفولة مستقبل الغد.

الاهتمام بالحالة التعليمية للأباء الاساقفة والكهنة واتاحة المزيدد من فرص التعليم والحصول على الدرجات العلمية الاهوتية والرقى والارتقاء بمكانة رجال الاكليروس تعيد مكانتهم كأهم رجال اللاهوت فى العالم . كذلك وضع نظام جديد لسمينارات المجمع المقدس .

تم تشكيل لجنة تضم خمسة أعضاء من المجمع المقدس لدراسة ومراجعة الاخطاء التعليمية التى تصدر من بعض المعلمين بالكنيسة  . افتتاح معهد جديد مدة الدراسة به ثلاث سنوات لتدريس العلوم الادارية والتنموية  ، بفرض تقديم دورات ودراسات للآباء الاساقفة والكهنة والرهبان والمكرسين والمكرسات والشمامسة والخدام والخادمات ، خاصة فى مجال العمل الادارى والتنظيمى . وضع منهج تأهيلى للمكرسين والمكرسات . الاهتمام بالوسائل العلمية والبعثات للخارج . الاهتمام بأبناء الكنيسة المتفوقين والموهبين فى كافة المجالات . اما من حيث الخدمات العامة : قدمت الكنيسة دعم مادى ضخم ( عشرات الملايين من الجنيهات ) مساهمات فى زواج القبطيات ، بناء مدارس ومستشفيات كمساهمة فى خدمة المجتمع بصفة عامة . وذلك بالتوازى مع دعم العلاج الدوائى . بالاضافة الى العمليات الجراحية الدقيقة  . تطبيق برنامج الكشف المبكرعن الاعاقة . دعم برنامج فتح دفاتر توفير للفتيات عند عمر 14 سنة حتى الوصول الى سن الزواج ، لتجد مبلفا من المال يساعدها على الحياة بكرامة .  انشاء صندوق  لرعاية الايبارشيات ذات الاحتياجات  ، تشارك فيه كافى الايبارشيات .

من المعروف أن أخطر الحروب ضد الاوطان واسقاط الدول ونشوب حروب طائفية ، تأتى أولا من خلال هدم الرموز الدينية ، خاصة لو كانت رموز وطنية مُحبة ومخلصة . عملا بمقولة " اضرب الراعى فتتبدد الرعية " . وبكل الأسف والحزن تلاقى واتحد الرافضون من خارج الكنيسة مع المعاندين من داخلها واصبحا فى خندق واحد ، ضد البابا وضد الكنيسة وضد الوطن ، فى دعوة خبيثة نحوهدم الكنيسة والوطن والتقهقر حيث نقطة الصفر!!! فليرجع هؤلاء وهؤلاء الى قول الحق " يجعل الرب أعداءك القائمين عليك منهزمين أمامك . فى طريق واحد يخرجون عليك وفى سبع طرق يهربون أمامك " ( تثنيه 28 : 7 ) .