مراد وهبة
نسق فكرى هندى منشق عن النسق الفكرى الهندى العام. نشأ فى القرن السادس قبل الميلاد، فكرته المحورية أن اللاعنف ضرورة مطلقة بمعنى عدم إيذاء أى كائن حى بما فى ذلك الحشرات.

ومع ذلك فهذا النسق على نحوين. النحو الأول يشترط الملابس البيضاء، والنحو الثانى يرفض هذا الشرط، وبالتالى فإنه يزهد فى كل القيم الدنيوية فلا يبقى بعد ذلك إلا أن يكون عاريًا، مع استبعاد المرأة باعتبار أنها سبب كل الخطايا، ولا أمل فى خلاصها إلا بأن تولد من جديد على هيئة رجل. والعابد من هذا الفريق لديه قسم يؤديه على النحو الآتى:

أنا أنبذ كل الارتباطات

سواء قليلة أو كثيرة

صغيرة أو كبيرة، حية

أو غير حية

وأنا لست وحيدًا فيما

أنبذه، إذ إننى مطالب

بدعوة الآخرين ولا أوافقهم

إذا رفضوا.

وأصحاب هذا النسق يصل تعدادهم إلى المليونين فى جميع أنحاء العام، وأغلبهم يقيم فى بومباى، وكان لهم تأثير على غاندى فى نشأته المبكرة. وإثر كل إثنى عشر عامًا ينصب تمثال مقدس طوله سبع وخمسون قدمًا ورأسه متجه إلى صخرة ثم يُسكب عليه ألف كوب مملوء من اللبن، ويقف أمام هذا التمثال من يريد الاعتراف بأن يكون من أتباع الجينية.

ومؤسس الجينية اسمه «الإنسان العظيم» وقد وُجد أثناء حياة بوذا. والكتب المقدسة عددها أحد عشر ومطبوعة باللغة الإنجليزية. ودعاة هذا النسق يحرصون على عدم قتل أى كائن حى حتى لو كان حشرة. ومن أجل ذلك فإنهم يحرصون على تنظيف الأرض قبل السير عليها حتى تكون خالية من الحشرات. إلا أنهم لا ينظفونها بأنفسهم خشية أن تتسبب آلة التنظيف فى عملية قتل. ومن هنا فإنهم يستدعون الكافر للتنظيف.

وإذا حدث كل ذلك فإن الوصول إلى النرفانا يكون ممكنًا. والنرفانا تعنى الانطفاء التام أو الانعدام الخلقى للنفس البشرية. واللافت للانتباه هنا أن الغرب فى القرن التاسع عشر كان يرتعب من عدم التفرقة بين الإنسان والحيوان عند الجينية. ولكن فى القرن العشرين تغيرت هذه الرؤية وأصبح متقبلًا لفكرة تقديس حياة الحيوان، وكان فى مقدمة المتقبلين لهذه الفكرة الفيلسوف والعالِم ألبرت شفيتزر، وله كتاب عنوانه «مفكرون عظام من الهند».

والسمة المميزة للجينية تكمن فى منطقها الذى يتأسس على أن المعرفة لا يمكن أن تكون مطلقة بل نسبية. وهذا هو معنى التنوير لدى الجينية.

وقد حضرت احتفالًا أقامته الجينية لتكريم أحد زعمائها العظام. وقد كان عاريًا تمامًا ومصحوبًا بغلامين عاريين أحدهما إلى يمينه والآخر إلى يساره وجلسوا جميعًا القرفصاء. وعندئذ أقبل عليهم كبار الفلاسفة ليقبلوا يد الزعيم العظيم فى انحناءة تنطوى على نوع من التقديس، والصمت يسود القاعة.

وهكذا مع التنوير يكون التقديس، ومن هنا يمكن القول إن هذا النوع من التنوير شرقًا مغاير للتنوير غربًا. ومن هنا تتعدد أنواع التنوير. وإذا كانت العلمانية هى أساس التنوير، وإذا كان تعريفى للعلمانية أنها التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق، فيلزم أن يكون التنوير هو الآخر داعيًا إلى ما هو نسبى، وبذلك يلتقى التنوير فى الجينية مع التنوير فى الغرب.
نقلا عن المصرى اليوم