(285م- 309م  تقريبا )
إعداد /ماجد كامل
أحتل الشهيد العظيم مارمينا العجايبي مكانة هامة ومتميزة في قلوب الأقباط جميعا ؛ ولقد تضاعفت هذه المكانة كثيرا بعد إعتلاء  القديس البابا كيرلس السادس ( 1959- 1971) كرسي مارمرقس واهتمامه بتعمير دير الشهيد العظيم كما سنري في نهاية المقال ؛ أما عن مارمينا نفسه  فلقد ولد  في عام  .  285 م تقريبا ببلدة نقيوس محافظة المنوفية ؛ وكان والده أودكسيوس حاكما للمدينة ؛ وأمه تدعي أوفيمية ؛ وكانت أمرأة تقية ولكنها كانت عاقرا ؛ فتشفعت بالسيدة العذراء كثيرا ؛ وفي ليلة 21 طوبة ليلة  عيد نياحة السيدة العذراء ؛ وقفت أوفيمية أمام أيقونة السيدة العذراء بكنيستها الأثرية بأتريب وطلبت بالحاح أن يهبها الله نسلا مباركا ؛ فسمعت صوتا صادرا من  الأيقونة يقول "امين" ( وهي معني كلمة مينا باللغة القبطية )  ؛ ففرحت جدا بهذا الصوت وأعتبرته وعدا إلهيا بالطفل "مينا " وبالفعل أنجبت أوفيمية "مينا " وربته تربية مسيحية حقيقية ؛توفي والده وهو في سن الحادية عشر ؛ ثم لحقت به والدته وهو في سن الرابعة عشر ؛ عين بعدها ضابطا في الجيش الروماني ؛ ولكن تعلقت نفسه بحياة الرهبنة ؛ فوزع كل امواله علي الفقراء والمساكين ؛وتوجه إلي البرية ليتوحد فيها ؛ وفي ذلك الوقت صدر منشور الإمبراطور دقلديانوس  يأمر فيه بالسجود للأوثان ؛ فشاهد مارمينا في رؤيا أرواح الشهداء وهي تصعد إلي السماء مكللة بالأكاليل  ؛فأشتاقت نفسه للاستشهاد ؛ فسمع صوتا من السماء يقول له "مبارك انت يا مينا فستنال ثلاثة أكاليل ؛ واحد من أجل بتويتك ؛ والثاني من أجل حياتك النسكية ؛ والثالث من أجل استشهادك  ... وسوف اجعل الناس من كل قبيلة ولسان يأتون إلي كنيستك التي ستبني علي أسمك ". فانطلق مارمينا إلي المدينة  ؛ وأعلن إيمانه أمام الوالي الروماني ؛فسأله الوالي "لماذ تركت جنديتك ؟ وكيف تعترف انك مسيحي ؟ "فأجابه مارمينا "أني جندي حقا ؛ لكني فضلت أن أكون جندي للمسيح ". فوضعوه في الهنبازين  ؛ وكشطوا جسمه ؛ثم سحبوه علي أوتاد حديدية ؛ وأخذوا يدلكون جراحاته بأقمشة ساخنة ؛ ثم ألقوه في السجن ؛ وفي اليوم التالي أستدعاه الوالي ؛ وأخذ يلاطفه  ويمالقه ؛ ولما لم يجد منه فائدة استمر في تعذيبه ؛ ولما يأس منه الوالي تماما ؛ امر بقطع رأسه بالسيف ؛ وفي يوم الاستشهاد ركع مارمينا وصلي إلي السيد المسيح ان يقبل روحه ؛ ثم ضربه السياف بالسيف ؛ فاشتسهد في 15 هاتور حوالي عام 309م ؛ وكان عمره حوالي 24 عاما تقريبا .

ولقد ظل مكان قبره مجهولا ؛ حتي اكتشف بالصدفة عندما مر فوق جسده إنسان كسيح ؛ ونام فوقه ؛ وعندما عثر عليه والداه قام بايقاظه ؛فوجدا يقوم ويجري ؛فنظر أهل القرية نورا يخرج من القبر ؛ وبعد فترة قصيرة ؛ كان احد الرعاة يرعي غنمه ؛ وإذ بخروف أجرب ينزل في بركة وخرج منها يتمرغ في تراب القبر ؛ فبريء الخروف من الجرب ؛فذهل الراعي جدا ؛ ولقد أنتشر خبر هذه الرمال العجيبة التي تصنع معجزات الشفاء ؛ حتي وصلت إلي مسامع ملك القسطنطينية ؛ وكانت  يوجد لديه أبنة مصابة بالجزام ؛فارسلها إلي مصر مع حاشية كبيرة ؛ فتمرغت في تراب القبر وغسلت وجهها بماء البركة ؛ فشفيت في الحال ؛وفي الليل ظهر لها الشهيد وطلب منها أن تحفر في الأرض حتي تصل إلي مكان رفاته المقدسة ؛ وبالفعل حفرت ووجدت الرفات المقدسة ؛ فقام البابا اثناسيوس الرسولي ببناء كنيسة علي أسم الشهيد مارمينا ؛ وكان ذلك في عصرالإمبراطور جوفيان ( 363- 364 م) ؛ثم قام البابا ثاؤفيلس الطريرك رقم 23 (385- 412م ) بتوسيع ببناء كاتدرائية كبري في عهد الإمبراطور أركاديوس ( 395 – 408 ) .

أما عن أشهر الكنائس والاديرة الاثرية التي علي أسم مارمينا ؛ تأتي كنيسة مارمينا فم الخليج في الخليج في المقدمة ؛ فهي تعتبر من أقدم الكنائس التي علي أسم مارمينا في مصر . فلقد قال عنها أبو المكارم  في موسوعته "تاريخ أبو المكارم "  تحت أسم دير وكنيسة ماري مينا " فصل الدير المعروف بالشهيد أبو مينا  صاحب الثلاثة أكاليل النازلة عليه من السماء وهو من أهل نقيوس وجسده الطاهر مدفون في كنيسة مريوط جدد بناها في خلافة هشام ابن عبد الملك . وبالكنيسة انبل رخام ملون أكثره احمر شفاف محمول علي عمد رخام محكم الصنعة وكانترة خشب ويجاوره  من الجانب البحري بمذبح وعليه مقطع خشب باسم الشهيد مرقوريوس أهتم به الشيخ أبو الفضل ابن الاسقف وعلي المذبح في الاسكنا  قبة خشب محمولة علي عمد رخام ومقطع خشب ويجاور هذه البيعة الدير بباب مفرد وفيه عدة من الرهبانات في مساكن متفرقة وفيه بئر ماء اهتم بحفره وعمارته الشيخ ابو زكري الصيرفي وذلك في الخلافة الفاطمية " ( المرجع المذكور :- الجزء الثاني ؛ إعداد الانبا صموئيل أسقف شبين القناطر وتوابعها ؛ صفحة 36 : 38 ).

كما كتب عنها المقريزي فقال  تحت أسم كنيسة بومينا " هذه الكنيسة قريبة من السد ؛فيما بين الكيمان ؛بطريق مصر ؛ وهي ثلاث كنائس متجاورة :- إحداهما لليعاقبة ( يقصد الأقباط)  ؛والأخري للسريان ؛وأخري للأرمن " ( تاريخ الأقباط للعلامة المقريزي :- تحقيق عبد المجيد دياب ؛دار الفضيلة ؛ 1995 ؛ صفحة 194 ) ثم أضاف تحت اسم كنيسة بو مينا بالحمراء بخط قناطر السباع ؛ وأحدثت هذه الكنيسة في عهد الوليد بن رفاعة سنة سيع عشرة ومائة من سني الهجرة " ( نفس المرجع السابق ؛ صفحة 196 ) .

أما الرحالة الإلماني الشهير فانسليب ( 1635 – 1679 ) فلقد ذكرها في كتابه "تقرير الحالة الحاضرة لمصر 1671 " فقال عنها " في مصر القديمة كنيسة الطوباوي الشهيد ماري مينا الذي ندعوه نحن القديس منا " ( تقرير الحالة الحاضرة 1671 ؛ تاليف فانسليب ؛ ترجمة وديع عوض ؛تقديم الدكتور محمد عفيفي :- المشروع القومي للترجمة تحت رقم 1005 ؛ صفحة 152 ).

وقال عنها علي باشا مبارك في كتاب " الخطط التوفيقية الجديدة لمصر والقاهرة تحت ‘اسم "دير مارمينا العجائبي فقال عنها " قبلي القاهرة بطريق مصر العتيقة قديم العهد ؛ وكان هذا الدير تحت نظارة المعلم الشهير إبراهيم الجوهري ؛ وله فيه وفي كنيسته أتعاب في العمارة والإصلاح  ...... وفي المدة الأخيرة كانت نظارته للشهير من معتبري المحروسة المعلم تادرس جرجس جلبي ذي الهمم والمآثر  الحميدة والمساعدات الجزيلة لكثير من كنائس الأمة  ؛وعندما توفي سنة 1577 للشهداء دفن في ضريحه الكائن بهذا الدير من الجهة الغربية يحيط به سور مخصوص ويعلوه منزل منتظم  يجتمع فيه أولاده المحترمون وعائلاتهم في أيام مخصوصة  "( المرجع المذكور :- علي باشا مبارك ؛ الجزء السادس ؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛مكتبة الأسرة 2008 ؛  صفحة 236 ) .

كما كتب عنها أيضا الدكتور رؤوف حبيب في كتابه "الكنائس القبطية القديمة بالقاهرة "حيث قال " يوجد بين القاهرة ومصر القديمة دير محاط باسوار ويحوي بداخله كنيسة قديمة وهبت علي أسم أسم القديس مينا ؛ويحتمل أن يكون إنشاء الكنيسة قد تم في أوائل القرن الخامس للميلاد ؛ ولقد ذكر المقريزي ان بناءها قد أعيد  في زمن الانبا تيؤدوسيوس البطريرك الخامس والثلاثون حوالي عام 730 للميلاد . كما ورد ذكرها في تاريخ البطاركة والمقريزي وأبو صالح الأرمني . ولقد طرأ علي الكنيسة عدة تعديلات في فترات مختلفة أهمها تنازل بطريرك القبط للأرمن عن الجانب البحري من الكنيسة ليقيموا فيه الشعائر الدينية بلغتهم وحسب طقوسهم "( الكتاب السابق ذكره:- الصفحات من 85 – 89 ) .

وذكرها أيضا المتنيح نيافة الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر في موسوعته "دليل الكنائس والأديرة في مصر " فقال عنها " تقع هذه الكنيسة وسط مدافن فم الخليج ؛ذكر أبو المكارم هدمها سنة 725م وإعادة بناءها في نفس السنة وذكر تخريبها مرة ثانية سنة 1164م وإعادة بناءها سنة 1190 م في عهد البابا يؤانس السادس (74) "1189- 1216 " وذكر نهبها في عهد الناصر بن قلاوون سنة 1321 م وذكرإعادة  بناءها في عهد البابا بطرس السادس (104 )"1718- 1726 م" . ويتكون مجمع الكنائس من كنيستين إحداهما البحرية لمارمينا وهي ترجع إلي القرن 18م والأخري الجنوبية لماربهنام وأخته سارة وهي ترجع إلي القرن 11 م . ( الكتاب السابق ذكره :- الناشر المؤلف ؛ الصفحات 98 و99 ).

ومن أحدث المراجع التي صدرت عن الأديرة والكنائس الأثرية في مصر ؛كتاب "الكنائس في مصر منذ رحلة العائلة المقدسة إلي اليوم " للدكتور جودت جبرة ؛ وفي الفصل الخاص بكنيسة مارمينا فم الخليج كتب يقول " يذكر كل من المؤرخين ابو المكارم وابو صالح الأرمني في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي أن الكنيسة هدمت عام  525 م في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك ؛بينما يذكر المقريزي 1364 – 1442 أن ترميم الكنيسة سرعان ما تم تقريبا في عام 735م ؛ وفي العصور الوسطي تم التنازل عن الجزء الشمالي من الكنيسة للأرمن الذين أعادوه للأقباط في عام 1926 مقابل تعويض . ونعرضت الكنيسة للهدم جزئيا عام 1164 م ؛ثم تم ترميمها في عهد البطريرك يؤانس السادس 1189 -1216 م ؛ ونهب الغوغاء الكنيسة عام 1321م ؛ وفي القرن العشرين قامت "لجنة الحفاظ علي الآثار للفن العربي " بترميم الكنيسة أكثر من مرة .

وعن وصف الكنيسة من الداخل قال الدكتور جودت " الحجاب الخشبي للهيكل مطعم بصلبان من العاج وتعلوه أيقونة العذراء والطفل محاط من الجانبين بثلاث أيقونات علي كل منها صورة أثنين من الرسل ؛وتعلوه مظلة خشبية Baldachin  المذبح وتقوم عليه أربع دعائم ؛ونزين قبتها الصورة التقليبدية للمسيح ضابط الكل وتنسب رسومات مظلة المذبح من حيث الأسلوب إلي الفنانين ‘بلااهيم الناسخ ويوحنا الأرمني الذين مارسا أنشطتهما الفنية في القرن الثامن عشر الميلادي " المرجع السابف ذكره :- المركز القومي للترجمة ؛المجلد رقم 1844 ؛صفحة 144 " .

ولكل من يريد الاستزادة من المعلومات عن كنيسة مارمينا فم الخليج يمكنه الرجوع لموسوعة المرحوم ممدوح شفيق "الشهيد العظيم مارمينا العجائبي تاريخ دير مارمينا فم الخليج " وهو من اصدار كنيسة فم الخليج ؛ وقد صدر عام 2003 .

أيضا من أشهر الأديرة التي علي أسم مارمينا دير "مارمينا أبيار" بطنطا ؛ والشهير بدير الحبيس ؛ والسبب في هذه التسمية أن الرهبان في هذا الدير كانوا يعيشون بنظام الحبس في القلاية ؛ وكان الراهب يسمي بحبيس ابيار . وعن نشاة وتطور الدير يذكر كتاب " دير مارمينا الأثري بابيار " أن هذا الدير قد ذكره أبو المكارم في كتابه حيث قال " ابيار من جزيرة بني نصر وتعرف قديما بنيقاوس المدينة .... بها بيعة لأبو مينا في بحري الناحية ووبها قلاية الحبساء وعليها سور داير " .

وفي كتاب الرحالة فانسليب "تقرير الحالة الحاضرة " ورد عنه سطر واحد في الكتاب جاء فبه " في أبيار دير الطوباوي مينا "  المرجع السابق ذكره :- المشروع القومي للترجمة ؛الكتاب رقم1005 ؛ صفحة 163 .

ويذكر كتاب "دير مارمينا الأثري بابيار  " أنه حتي عصر المتنيح الأنبا توماس مطران الغربية والبحيرة ؛ كان الدير عبارة عن كنيسة كبري بأسم شفيع الدير ؛وفي غرب الكنيسة مبني صغير مبني صغير للضيافة ولإقامة المطران وكان يحيط بالسور مجموعة من الحجرات يرجح أنها كانت قلالي للحبساء
؛وكان تقام بالدير احتفالات كبري في عيد القديس . وفي عهد المتنيح الأنبا يؤانس
  قام بتوسع الدير وبناء بيوت خلوة للشباب مكونة من اربع طوابق  . والجدير بالذكر أن المتنيح القديس البابا كيرلس السادس قد تعمد في هذا الدير الأثري في أثناء أحدي احتفالات الدير الكبري بعيد القديس الشهيد ؛ كما يذكر ذلك شقيقه المرحوم المهندس حنا يوسف عطا ؛ وطبعا كان هذا هو السبب المباشر في ارتباط  البابا كيرلس السادس بالشهيد العظيم مارمينا ؛ ولقد ظلت الأسرة مواظبة علي حضور احتفالات الشهيد العظيم مارمينا العجايبي كل عام .( دير مارمينا الأثري بابيار :- تقديم ومراجعة نيافة الأنبا بولا أسقف طنطا ؛ دير مارمنا بابيار غربية ؛ الطبعة الأولي نوفمبر 2003 ؛ صفحة 47 و48 ).
أيضا من الأديرة الشهيرة التي علي أسم الشهيد العظيم مارمينا " دير الشهيد مارمينا بجبل أبنوب والشهير بالدير المعلق . ولقد كتب عنه الدكتور رشدي واصف بهمان كتابا هاما صدر عن  مطرانية أبنوب والفتح عام 1991 . ولمن يريد الوصول إلي هذ الدير يتجه أولا إلي أسيوط ؛ ومنها إلي أبنوب ؛ومن أبنوب يتجه إلي الطريق المؤدي إلي قرية المعابدة ؛ثم يتجه يمينا تحت سفح الجبل حتي يصل إلي الدير المذكور .

ويذكر الدكتور رشدي عن هذا الدير أنه يوجد تقليد شفوي قديم أنه كان أحد ي الأديرة التي أختبأ فيها القديس أثناسيوس الرسولي أثناء هروبه  من الأريوسين خلال الفترة من ( 362- 363 م)  والثابت علميا وتاريخيا وأثريا  أن الكنيسة القبلية في هذا الدير كانت معبدا  فرعونيا تحول فيما بعد إلي كنيسة ؛ ولقد كتب عنها كل من أبو المكارم والمقريزي وفانسليب والأب سيكار والعالم الإلماني الشهير سومرز كلارك  والقمص عبد المسيح المسعودي الصغير والأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر ..... ألخ . ويتكون الدير من حصن أثري ملاصق للصخور الجبلية؛ وكنيستان منحوتتان في الصخر ؛ ومبني حديث أمام البرج خاص بالزوار .

ونصل أخيرا إلي مسك الختام ؛ أشهر وأقدم الأديرة الأثرية التي علي أسم الشهيد العظيم مارمينا ؛ إلا وهي  دير مارمينا العجايبي بمريوط ؛ والذي عرف في كتب التاريخ ب"منطقة بو مينا " ولقد  أعتبرته اليونسكو ضمن مناطق التراث الحضاري العالمي . فبعد اكتشاف القبر وظهور العديد من قصص المعجزات منه ؛ألح أهالي مدينة الإسكندرية علي البابا أثناسيوس الرسولي سرعة بناء كنيسة علي أسم الشهيد ؛وبالفعل استجاب البابا لطلبهم وتم بناء  الكنيسة في عهد الملك جوفيان ( 363- 364 ) ؛ وكانت كنيسة في غاية الجمال والفخامة ؛ وفي عهد الملكيين أركاديوس وأوناريوس ؛ توجه البابا ثاؤفيلس البطريرك ال 23 (385- 412 )لزيارة المنطقة لاحظ معاناة الشعب بسبب ضيق المكان علي قدر فخامته ؛فقرر توسيع المنطقة ؛وبناء كاتدرائية كبري علي أسم الشهيد ؛وقام الملك أناسطاسيوس (491- 518م) بإنشاء منازل لإضافة الزوار وإستراحات لإستقبال الجموع ؛ومستشفيات وأسواق .......ـالخ ؛حتي ذاع خبر هذه المنطقة المقدسة في جميع أنحاء العالم  ؛فقام الدير بعمل قوارير فخارية لتوزيع المياه المقدسة من البئر المحيط بالقبر والتي كان يعتقد أن لها قوة عظيمة علي الشفاء من الأمراض ؛ ولقد عثر علي الكثير من هذه القوارير في متاحف ألمانيا وفرنسا وأورشليم والسودان ..... ألخ . ولكن مع بالغ الأسف بدأ الخراب يتسرب إلي هذه المنطقة تدريجيا ؛ ففي عهد الخليفة المعتصم ؛ جاء مهندس من بغداد بنقل رخام الكنيسة الكبري إلي بغداد ؛ وتوسل إليه البابا يوساب الأول البابا ال52 (831- 849 ) وكان ذلك خلال عام 850م ؛ولكنه للأسف الشديد لم يستجب لتوسله ؛ وذهب بالرخام إلي هناك حيث قتل هناك بعد أن سقطت أحدي أعمدة الرخام عليه . ولكن الخراب الشامل حل بالمنطقة في القرن الثالث عشر بسبب غارات البربر والبدو ؛وهكذا راح المزار Shrine في طي النسيان ؛ولم يبق منه سوي أكوام من الرمال .


ولكن مع بداية القرن العشرين ؛ قام العالم الألماني الشهير كارل ماريا كاوفمان ( 1872- 1951 ) بعمل حفائر في المنطقة وقام باكتشاف قبر القديس والكنيسة التي فوقه والكنيسة الكبري وبعض المعالم الهامة الأخري . وتوالت زيارات العلماء الاجانب والمصريين للمنطقة بعدها ؛ نذكر منها حفائر المتحف اليوناني الروماني خلال الفترة من ( 1925- 1929) ؛  والعالم الامجليزي بيركنز  خلال عام 1942 . كما قام الراهب المصري القمص يوحنا السبكي الأنطوني بزيارة المنطقة يوم 18 أغسطس 1945 حيث كان يتطلع لسكني المنطقة غير أن ظروف الحرب العالمية الثانية قد حالت دون ذلك ( ولقد سبقه في هذه الرغبة الراهب مينا المتوحد كما سنري ذلك بعد قليل ) .

وقامت جمعية مارمينا العجايبي بالاسكندرية  بزيارة المنطقة في 15 مارس 1946 ؛ وكان يرافقها في الرحلة علماء الآثار الكبار :- الدكتور عزيز سوريال عطية ( 1898- 1988  ) والدكتور لبيب حبشي ( 1906- 1994 ) والدكتور بانوب حبشي ( 1913- 1956 ) .

كما أهتم بها العالم المصري الدكتور باهور لبيب (  1905- 1994 )  حيث ترأس يعثة من المتحف القبطي لزيارة المنطقة وعمل حفائر بها 0 ( أحمس باهور لبيب :- الدكتور باهور لبيب  عالم الآثار ؛قصة كفاح ونجاح ؛ الناشر المؤلف ؛ الطبعة الأولي 2009 ؛ صفحة 171 ؛172 ).  

كما قام المتنيح الأنبا ثاؤفيلس رئيس دير السريان ( 1926- 1989 )  بتنظيم رحلة لصلاة القداس الإلهي في هذه المنطقة يوم 24 نوفمبر 1957 ؛يرافقه  تسعة من  رهبان الدير  نذكر منهم  الراهب انطونيوس السرياني ( المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث فيما بعد ) ؛والراهب متياس السرياني ( المتنيح نيافة الحبر الجليل مطران الجيزة فيما بعد ) .

غير أن كل هذه الجهود السابقة ؛ كانت مقدمة للنقلة الكبري والعظمي في تاريخ الدير علي يد البابا البطريرك القديس البابا كيرلس السادس ؛ فلقد أرتبط قداسته بالشهيد العظيم مارمينا منذ طفولته المبكرة وتعميده في دير مارمينا الآثري بأبيار ؛ وحضوره الاحتفال السنوي بعيده في الدير . ولقد حاول سكني المنطقة خلال عام 1943 حيث نزل الي الإسكندرية وتقابل مع الأستاذ بانوب حبشي  عالم الآثار المعروف ومؤسس جمعية مارمينا العجايبي بالإسكندرية ؛ غير أن غير أن مصلحة الآثار رفضت الطلب وردت عليه قائلة "نحن لا نتحمل مسئولية حمايتك في هذا المكان " . بسبب ظروف ااحرب العالمية الثانية وقتها ؛ ولكنه وبعد أن صار القمص مينا المتوحد هو البابا كيرلس السادس ؛ قام بإعادة المحاولة ووافقت مصلحة الآثار ؛فقام البابا كيرلس بوضع حجر الاساس في يوم الجمعة 27 نوفمبر 1959 ؛ ثم قام بوضع حجر أساس كاتدرائية دير القديس مارمينا في 24 نوفمبر 1961 ؛  وتتم رهبنة أول دفعة من سبعة رهبان بالدير  خلال عام 1964 ( مازال حيا منهم الراهب القمص رافائيل آفا مينا أطال الله حياته ومتعه بالصحة والعافية )  ليتم إحياء منطقة بو مينا مرة ثانية  ويتحول الدير والمنطقة كلها إلي منطقة إشعاع روحي وحضاري يطل بنوره علي العالم كله . ولقد قام المتنيح البابا شنودة الثالث ( 1923- 2012 ) بتدشين كاتدرائية الشهيد مارمينا في يوم الأحد الموافق 9 يناير 2005 .


والجدير بالذكر أن منظمة اليونسكو  قامت بإدراج منطقة بومينا ضمن قائمة التراث العالمي ؛ وبذلك أصبح الدير واحدا من أهم المواقع الأثرية في مصر ؛ ولقد صدر عنها كتاب بعنوان ( تراث لكل البشرية    A Legacy of all ) .


بعض المراجع المستخدمة في المقال :_
1- دير مارمينا الآثري بأبيار :_ مراجعة وتقديم نيافة الأنبا بولا ؛  دير الشهيد مارمينا العجايبي بابيار ؛ الطبعة الأولي نوفمبر 2003 .
2-الشهيد مارمينا العجايبي وتاريخ ديره بجبل أبنوب الشهير بالدير المعلق :- رشدي واصف بهمان ؛ 1991 .
3- تاريخ الرهبنة والديرية في مصر وآثارهما الإنسانية علي العالم :_ الدكتور رؤوف حبيب ؛ مكتبة المحبة ؛ 1978 .
4- الكنائس القبطية القديمة بالقاهرة :- رؤوف حبيب ؛ مكتبة المحبة .
5- تاريخ الكنائس والأديرة :_ إعداد الأنبا صموئيل ؛الجزء الثاني ؛ بدون سنة نشر .
6-الشهيد العظيم مارمينا العجائبي :-  دير الشهيد العظيم مارمينا العجايبي بمريوط ؛ 1996 .
7- مرور سبعة عشر قرنا علي استشهاد الشهيد المصري مارمينا العجايبي ؛ جمعية مارمينا العجايبي للدراسات القبطية بالإسكندرية ؛ الرسالة الحادية والعشرون ؛ نوفمبر 2009 .
8- مجلة راكوتي أضواء علي الدراسات القبطية :- جمعية مارمينا العجايبي بالإسكندرية ؛ السنة الثانية ؛ العدد الثاني ؛مايو 2005 .