قال أندرو بادلي رئيس فريق عمل أبحاث كوفيد19 في مايو كلينك، إن الولايات المتحدة الأمريكية، تكاد تقتربَ من 80 ألف حالة وفاة مؤكدة بفيروس كورونا، خلال الفترة المقبلة، ولكن قد يكون الإعلان الرسمي لهذا الرقم غير مهم على الإطلاق إذ إن هناك احتمالاً كبيراً في أن يكون العدد الفعلي للمتوفين بفيروس كورونا قد بلغ هذا الرقم.
 
وأشار إلى أن الخبراء يحققون ويعيدون النظرَ في تشريح الجثث المصابة، وجهود كبيرة تُبذل لمعرفة أصول فيروس كورونا وكيفية تطوره، ومع ذلك يبقى البحثُ عن هوية المريض صفر كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، وذلك لعدة احتمالات منها احتمال انتشار فيروس كورونا في أمريكا قبل أن تقيّد إدارة ترامب السفر من الصين، بالإضافة إلى احتمال انتشار فيروس كورونا قبل أن تتوفر لدى الولايات المتحدة إمداداتٌ موثوقة من الاختبارات التشخيصية.
 
وتابع أن الاحتمال الثالث هو انتشار الفيروس في أمريكا قبل أن تتم تسمية المرض الناجم عنه حتى؛ أي انتشاره خلال الأسابيع التي سبقت تسجيلَ أول حالة وفاة بفيروس كورونا لامرأة من كاليفورنيا في أوائل فبراير من عام 2020، مؤكدا أن كل هذه الاحتمالات دفعَت خبراءَ الأمراض المعدية إلى التحذير من كون العثور على المريض صفر، أو حتى معرفة عدد الأميركيين المصابين الذين توفوا قبل توفر الاختبار أمراً شبه مستحيل، حيث كان من الصعب إجراءُ الاختبارات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، إذ لم تكن لدى ولاية كاليفورنيا التي كانت تراقب أكثر من 8400 مريض في أواخر فبراير إلا 200 مجموعة اختبار، إضافة إلى فشلِ مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في نشر مجموعات التشخيص، وتأخرها في السماح للمختبرات الخاصة والأكاديمية بتطوير مختبراتها.
 
 
وأوضح أنه لم يخضع للاختبار في البداية إلا المرضى المصابون بشدة، مع إعطاء الأولوية للذين سافروا مؤخراً إلى ووهان، مشيرا إلى أنه قد غاب عن مسؤولي كاليفورنيا احتمالُ أن يكون الفيروس قد انتشر عبر الولاية وقتل عدداً كبيراً من سكانها خلال وقت مبكر عما يعتقدونه، وفيما يتعلق بإجراءات تتبّع المريض صفر،  فالمستشفياتِ الكبيرةَ تقوم روتينياً بتخزين عيّنات الأنسجة من الجثث المشرَّحة لمدة تتراوح من ستة أشهر إلى سنة، إذ إنها تُخبر بالكثير، وتكشف عن حقائق كبيرة، من ذلك ما كشفه تحليل لعيّنات من تشريح جثة امرأة من سانتا كلارا عمرها 57 عاماً كانت قد توفيت فجأة في منزلها في السادس من فبراير، إذ كشف التحليل أن فيروس كورونا كان هو سبب وفاتها، مع العلم أنها لم تسافر خارج البلاد، مما يعني أن الفيروس كان يتجول بحرية في المجتمع المحلي في الفترة الممتدة بين منتصف إلى أواخر يناير.
 
وأردف أن هناك إصابات كثيرة أدت إلى الوفاة، قبل أن نعلم شيئاً عن الفيروس التاجي الجديد الذي سبّبها، وبينما نستمر بتجاربنا فلا بد أن نجد في أميركا الشمالية حالاتٍ مبكرةً تعود إلى عدة أشهر، لكنها مع ذلك ستظل غير واضحة بشكل كامل، لافتا إلى أن مايو كلينك من المراكز الطبية الأكاديمية التي تعيد النظر في حالات الالتهاب الرئوي والأمراض الشبيهة بالإنفلونزا، ولكن نتيجة تشريح جزء صغير فقط من الوفيات في المراكز الطبية، ونتيجة العدد القليل لحالات العدوى بفيروس كورونا، فإنه حتى المراجعات الواسعة النطاق للأنسجة المحفوظة لن يكون بمقدورها الوصول إلى إجابة شافية وتكوين صورة كاملة لجذور الفيروس. 
 
ونوه إلى أن الباحثون توصلوا في جامعة ستانفورد إلى أن اثنين فقط مما يقارب 3000 شخص يعانون من أمراض الجهاز التنفسي كانوا مصابين بفيروس كورونا، مستندين في بحثهم هذا إلى دفعات من عيّنات تمّ جمعها قبل منتصف فبراير، مؤكدا أنه على الرغم من تأكد الباحثين من وجود حالات متفرقة من الإصابات في وقت مبكر إلا أن إجراء مزيد من الأبحاث هو ما سيوصلهم إلى معرفة مدى انتشار الفيروس خلال شهري يناير وفبراير، مشيرا إلى أن التفريقَ بين الإنفلونزا وكورونا ليس بالأمر السهل على حد تعبير وذلك وفق ما صرحه به يبنجامين بينسكي، المشرف على اختبار جامعة ستانفورد.
 
من جانبه يرى جورج روثرفورد، عالم الأوبئة في جامعة كاليفورنيا، إن الولايات المتحدة شهدت موسم إنفلونزا متأخراً جعل من الصعب التحديد فيما إذا كان الناس خلال شهرَي يناير وفبراير يُصابون به أم بفيروس كورونا، مشيرا إلى أنه من الإجراءات الأخرى التي قد تساعد الباحثين في التوصل إلى المريض صفر، دراسة التركيب الجيني للفيروس، فالفيروسات كلها تتحول وتتغير بمرور الوقت، وقد يتمكن الباحثون من تقدير تاريخِ إدخال كل سلالة إلى منطقة ما من خلال تتبّعهم لسلالات مختلفة من الفيروس، والعمل على معدل تغير الفيروس، ومع ذلك فهو إجراء صعب جداً لأن السلالات المختلفة من الفيروس لا تزال موجودة، فهي إما محفوظة في عينات الأنسجة وإما منتشرة بين السكان.
 
وأكد أنّ تتبع المريض صفر لهو أمر مثير للاهتمام لكنه ليس مفيداً بشكل مطلق، فالمعلومات التي ستتوفر في حال التوصل إليه ستكون ذات أهمية فكرية أكثر من كونها إنجازاً علمياً، وعلى الرغم من تعدد أصفار المرضى، وتعدد مقدمات الفيروس بالنسبة إلى أميركا التي لا تقتصر على ووهان وإنما تتبعها مقدمات أخرى من أوروبا، الأمر الذي يعزز من تشويق العثور على المريض صفر، إلا أن الباحثين يصبون تركيزهم الأكبر على حاضر الوباء ومستقبله، وتكثيف الاختبارات، والاستعداد لموجة موسمية محتملة في الخريف.
 
وواصل حديثه، قائلا إن الفائدةُ الأهم لمعرفة مسار الفيروس الذي سلكه في وقت مبكر هي مساعدةُ الدول على الاستعداد بشكل أفضل لموجة محتملة من الوباء في الخريف، ومساعدة الدول الأصغر حجماً التي لم تعانِ من الوباء بشدة في اتخاذ إجراءات صارمة لمواجهته وحماية نفسها، مضيفا أنه يجب أن لا نغفل عن أهم الدروس المستفادة من هذا الوباء.
 
وعلى صعيد متصل شدد ستيفن مورس، عالم الأوبئة في المركز الطبي في جامعة كولومبيا، على أنه كان يتعيّن على الحكومة الأميركية أن تهتم بعلامات الإنذار المبكر للفيروس عند ظهورها في البداية، وأن تعمل على اختبار الفيروس بعد وقت قصير من بدء انتشاره في ووهان، ولا سيما أن خطوط السفر بين أميركا والصين فعالة ونشيطة للغاية، وإنه كان من الضروري التنسيق بين البلدين في الاستجابة للحالات المبكرة وتتبعها، ويختم مورس قوله بأمله -ونرفقه بأملنا جميعاً- في أن تظل هذه الدروس عالقةً في رأسنا وألا ننساها بمرور الوقت قبل أن يأتي علينا وباء آخر.