سحر الجعارة
حين تحدّث الرئيس «عبدالفتاح السيسى» عن «الوعى الدينى»، ثم شرح رؤيته لإعادة فهمنا للمعتقد، كتبت وقتها -فى «الوطن»- أن ثقافة «الحل والتحريم» تُبدّد جهود «إصلاح المجتمع»، وأن التشوهات الدينية خلقت مواطناً عشوائياً، وأن «التنوير» ليس مهمة قمة هرم السلطة، بل مهمة المثقف والفنان وليس «الكهنة».. البعض يتصور أن التنوير قرار سيادى يُصدره الرئيس بمرسوم رسمى، لكنها رؤية عبثية.

كان هناك جدل مجتمعى حول ضرورة حذف خانة الديانة من الرقم القومى، أو إلغاء المادة 98 من قانون العقوبات، المعروفة اصطلاحاً باسم مادة «ازدراء الأديان»، وكنت أرى أن رفع «الوصاية الدينية» أفضل من «التغيير بالصدمة».. واعتبرت آنذاك أن الرئيس فتح أبواب التنوير، وأن السيف المسلط على رقاب المفكرين والمجددين والمبدعين (المادة 98) يمكن تجميده فى النيابة بصفتها «المحتسب عن المجتمع»، وهى وحدها التى تملك تحريك الدعوى القضائية ضد أى شخص.

لم أتصور أن بيننا من يريد إفشال الدولة و«بالقانون»، ويحاول إهدار المبادرة الرئاسية بسجننا جميعاً فى زنزانة الخوف ووضعنا فى خانة الدفاع عن النفس بدلاً من الاصطفاف خلف الرئيس لنشر الوعى الدينى بكل ما نملك من أدوات معرفية ثقافية وعلمية ودينية!

فجأة ظهر المفكر «أحمد عبده ماهر» فى فيديو مباشر، على الفيس بوك، يستغيث خلاله بالسيد رئيس الجمهورية لأنه متهم بازدراء الإسلام!

قد أصبح من المعتاد والمكرر بالنسبة لتيار الاستنارة أن تتم مطاردتهم بهذه المادة اللعينة «98»، وأن تُتّخذ سيفاً مسموماً لاغتيال العقل المصرى حتى يحرمه «الحق فى الاجتهاد»، وأن يكف عن «التفكير»، ويركع لتابوهات بشرية مقدّسة: (البخارى ومسلم وتفسيرات الفقهاء للنص القرآنى).. المطلوب أن نخضع لفتاوى (قتل المرتد، وسبى النساء، وأكل لحم الأسير.. إلخ).. وأن نصدق أن نبى الرحمة «عليه الصلاة والسلام» كان مسحوراً ويئس إلى درجة التفكير فى الانتحار!!.. إلى آخر ما تم إلصاقه بالتراث الإسلامى من أكاذيب وخزعبلات لا أساس لها من الصحة.

وهذه جريمة «ماهر»: أطلق المارد مجدداً من القمقم، انتقد البخارى كثيراً وطويلاً و«حان قطف رأسه».. فهو شخصية مثيرة للجدل، صادم وجرىء، وضعته آراؤه ومواقفه، خاصة المتعلقة بالتراث الإسلامى، فى خصومة شديدة مع «المؤسسة الدينية»، ومع معظم مَن يقدسون التراث، لأنه أول من هاجموا «صحيح البخارى» وكذّب معظم ما جاء فيه، إلى درجة أن البعض وصفه بـ«عدو البخارى».. كما أنه أول مَن هاجموا «مناهج الأزهر» وبيّن ما فيها من مقررات تتسبّب فى انتشار التطرّف والإرهاب فى مصر والعالم بأسره.

لم أجد أحداً كتب وناقش «المناهج الأزهرية» أكثر من المستشار «ماهر».. فقد أقام أكثر من ثلاث دعاوى قضائية ضد الأزهر بسبب المناهج التى يدرّسها للتلاميذ، ورغم أن هذه القضايا عمرها ما يقرب من 12 سنة، لم يصدر حتى الآن قرار قضائى فيها!

يتهم «ماهر» الكتب التعليمية فى الأزهر، وبالأخص كتاب «الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع»، وغيرها من الكتب التى تُدرَّس للطلاب بأنها كتب تقود الشباب إلى العنف والعمل المسلح.

لم تكن مكافأة المستشار «ماهر» تكريمه على تنقية وجه الإسلام مما ألصق به من خرافات، ولا حتى مقارعة أفكاره بالحجة.. بل تم جره -ثانية- إلى المحاكمة.. إنه فرض للفاشية الدينية على البشر فى محاولة لتجريدنا من مكتسبات «30 يونيو».

فخامة السيد الرئيس: حرية الفكر والمعتقد لن تتحقق فى وجود مادة قانونية تتعارض مع المادة 65 من الدستور.. كلنا أمل أن تكون استغاثة المواطن «ماهر» آلية لتعديل تشريعى ضمن صلاحياتكم.
نقلا عن الوطن